الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

علي المدرعي: أنبه الحكومة لضرورة تأجيل استحقاقات 2021 في ظل هجمة كورونا

علي المدرعي: أنبه الحكومة لضرورة تأجيل استحقاقات 2021 في ظل هجمة كورونا علي المدرعي
إن تحديد تاريخ تنظيم وإجراء الانتخابات يوم 8 شتنبر 2021 في ظل تعقد الوضعية الوبائية في المغرب هو نوع من المغامرة والمجازفة. لا يعقل أن تدبر أمور الوطن والمواطنين بعقليتين وسرعتين وفلسفتين مختلفتين في آن واحد. 
طبعا هناك فلسفة ترتبط بتشديد الإجراءات والتدابير الإحترازية وقرارات إغلاق الحمامات و مجموعة من المرافق والفضاءات ومنع الحفلات والأعراس والمهرجانات مقابل فلسفة وعقلية أخرى تشتغل بالعقلية الانتخابية وتتحين فرصة استحقاقات 2021.
السؤال الجوهري اليوم هو، هل الانتخابات هدف أم وسيلة؟ على اعتبار أن هناك سؤالا أكثر أهمية يتداول بين الناس هو، كيف سيتم تنظيم الحملات الانتخابية؟ بغض النظر على أن عملية التصويت يوم الإقتراع يمكن أن تنظم بشكل يضمن التباعد الجسدي واتخاذ كل الإحتياطات ذات الصلة بالوضعية الوبائية. لكن الحملات والتجمعات الانتخابية (التقليدية) وخاصة في العالم القروي والمدن النائية كيف سيتم احترام التدابير الوقائية والاحترازية خلالها؟
أعتقد أنه في ظل الغموض الذي يكتنف الموضوع وفي ظل الوضعية الوبائية الخطيرة التي أصبح معها من الصعب العثور على سرير في غرف الإنعاش سواء في المصحات الخصوصية أو بمستشفياتنا العمومية التي تعاني الأمرين. أظن أن هناك مغامرة ومجازفة في الإصرار على تنظيم الانتخابات يوم 8 شتنبر 2021، حيث كان من الأجدى التريث، ولم لا تأجيلها إلى غاية شهر يناير أو مارس 2022، حسب تطور الوضعية الوبائية وانجلاء سحب و غيوم الجائحة من سماء الوطن.
اعتقد أن الوضعية الوبائية يكتنفها نوع من الغموض، وهذا الأمر غير واضح على مستوى وسائل الإعلام العمومية بالإضافة إلى بلاغات وزارة الداخلية و وزارة الصحة التي ينقصها الوضوح اللازم، حيث تحافظ على أسلوب واحد يقتصر على تقديم الأرقام الجافة بدون تحليل وتؤكد على ضرورة تطبيق واحترام التدابير الوقائية لا غير.
الوضعية الخطيرة لانتشار الجائحة لا نلمسها على مستوى مواقف الحكومة وفي سياستها وبلاغات الوزارات ذات الصلة، (الداخلية الصحة) حيث أن هذه الخطورة لا يستشعرها المواطن أيضا وغائبة في سلوكه اليومي، باستثناء لدى الأسر التي مرت من محن الإصابة بكوفيد 19، وفقدت قريبا أو معيلا، وأنهكتها محنة البحث عن سرير في غرفة الإنعاش لحالة حرجة في حاجة للأوكسجين. ( انظروا إلى شواطئ المغرب ممتلئة عن آخرها، فضلا عن حالة الأسواق الأسبوعية...وأشياء أخرى).
إن الانتخابات ليست هدفا، والمغرب لا ينتظر محطة استحقاقات 2021 ليحقق التغيير المنشود بين عشية وضحاها، بمعنى أن ثلاثة أو ستة أشهر كمدة زمنية لتأجيل الانتخابات أضحت ضرورية في علاقة بالوضعية الوبائية على اعتبار أننا سنكون لقحنا خلا شهر أكتوبر المقبل ما يقارب 24 مليون شخص، وستتضح الأمور حسب المعطيات المتوفرة.
يجب التريث وأخذ مهلة للتفكير والتأمل في قرار الإصرار على تنظيم الانتخابات يوم 8 شتنبر 2021...من له المصلحة في الإصرار على إجراء الانتخابات في موعدها في ظل وضعية وبائية وظرفية تتسم بالخطورة. (سجلت أكثر من 100 حالة إماتة يوميا).
لقد تم تَسْيِيسْ القرارات المرتبطة بوباء "كورونا"، وأتضح أن هاجس الأحزاب السياسية خاصة تلك التي تطمع في الحصول على مقاعد (الإئتلاف الحكومي)، هاجسها اليوم انتخابي، ولم يعد الهاجس مرتبط بالوضعية الوبائية وبصحة المواطنين.
لماذا لم يتم الآن الشروع في تلقيح الطلبة الجامعيين وتلاميذ الثانوي؟ لا أفهم كيف يمكن لطالب أن يلج لمدرج في الكلية يضم 600 أو 1000 طالب في حين أن نسبة الملقحين لا تتجاوز 40 في المائة، المسألة خطيرة؟ لأن التعليم الحضوري يقتضي من الجهات المعنية الشروع الفوري في تلقيح الطلبة والتلاميذ ونساء ورجال التعليم للرفع من منسوب عملية التلقيح في الحقل التعليمي.
نحن في نصف شهر غشت والدخول الجامعي في نهاية شهر شتنبر على أبعد تقدير، إذ لابد من إطلاق عملية التلقيح في صفوف الطلبة والتلاميذ بدل الإصرار على تفضيل الانتخابات على صحة المواطنين بدوافع سياسية...بمعنى أن الأحزاب كعادتها تفكر في المقاعد، ولا تفكر في صحة الناس . والسبب أن حمى الانتخابات قد طغت على حمى كورونا. بمعنى أن الأحزاب السياسية لا تفكر بمنطق أننا اليوم في حرب شرسة مع الجائحة وضد المرض.
إن الأحزاب السياسية لا تفكر في المآسي الاجتماعية التي خلفتها كورونا في مختلف الأوساط الشعبية، (طلاق، وطرد العمال وتشريد العائلات والأسر التي تستجدي الصدقة من أجل لقمة العيش..)... وهذا مؤلم جدا لما يفضل الحزب السياسي المقاعد الحكومية ولا يعطي أهمية لصحة الناس. فالأمور لا تبشر بخير.
الدول الأوروبية التي يتماهى معها المغرب في البعض من قراراتها تعاني اليوم من مرض الأطفال الصغار والرضع بعد تأكيد إصابتهم بكوفيد 19، وبدورهم يحتاجون إلى الأوكسجين والتنفس، بل أن الحديث اليوم يدور حول بجرعة ثالثة من التلقيح، وهناك نقاش وجدال حول مدة فعالية التلقيح هل 6 أشهر أو سنة أو سنتين؟ فضلا عن سؤال: هل سنقوم بالتلقيح كل السنة أم سنكتفي بهذه السنة؟ في حين نحن لا نفكر اليوم سوى في الانتخابات والسباق المحموم نحو المؤسسات المنتخبة بنفس الكائنات وبنفس الوجوه وبنفس النمط وبنفس السيناريو وكأننا ممثلين نشخص مسرحية قديمة مكررة المشاهد على الركح.
في اعتقادي الشخصي أن صحة المواطنين والمصلحة العليا للوطن، هي من أولويات الحكومة، ويجب أن لا نضيع السبق الذي حققه المغرب كدولة رائدة في العالم العربي والإفريقي على مستوى مكافحة الجائحة، من أجل مقاعد انتخابية لا تساوي شيئا ولا تغير شيئا.