السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد سالم عبد الفتاح: اتفاقية 5 غشت 1979.. زيف الشعارات

محمد سالم عبد الفتاح: اتفاقية 5 غشت 1979.. زيف الشعارات محمد سالم عبد الفتاح

في ذكرى اتفاق السلام المبرم فيما بين موريتانيا والبوليساريو سنة 1979 بالجزائر، والذي انسحبت بموجبه موريتانيا من إقليم وادي الذهب مقابل احتفاظها بإدارة منطقة الكويرة، بعد أربع سنوات من توقيعها على اتفاق مدريد سنة 1975 الذي تسلمت بموجبه الاقليم، وبعد حرب ضروس كانت موريتانيا حلقتها الأضعف، توجت بانقلاب عسكري أطاح بمؤسس الدولة الموريتانية المختار ولد داداه، ليفتح المجال أمام مسلسل الانقلابات العسكرية.

 

رغم التفاهمات التي تم الاتفاق عليها في ما بين البوليساريو وموريتانيا، في لقاء عقد بين وفدي الطرفين على هامش قمة منظمة الوحدة الأفريقية المنعقدة بمنروفيا-ليبيريا، حول التحضير لاتفاق سلام سيتم توقيعه لاحقا بالجزائر، يقضي بتسليم إقليم وادي الذهب للبوليساريو على طبق من ذهب، عن طريق إشراك الأمم المتحدة في عملية تنظيم استفتاء لتقرير المصير الإقليم، تنتهي بمنحه الاستقلال تحت غطاء دولي، إلا أن وفد البوليساريو المشارك في مفاوضات الجزائر، سرعان ما تنكر لتلك التفاهمات وقلب ظهر المجن للوفد الموريتاني الرسمي.

 

يستغرب محمد خونا ولد هيدالة، بحسب ما ورد في مذكراته "من القصر الى الأسر"، لسلوك رئيس وفد البوليساريو المشارك في المفاوضات في ما بين الطرفين، البشير مصطفى السيد، حين أصر الأخير على انسحاب موريتانيا دون أي ضمانات تمنع المغرب من التوغل مباشرة في إقليم وادي الذهب، خاصة وأن النظام العسكري الموريتاني، كان يحاول تفادى أي تماس مباشر بينه وبين المغرب الذي كان يحتفظ حينها بقواعد عسكرية داخل التراب الموريتاني، بموجب اتفاقية الدفاع المشترك التي كانت تجمعهما والتي اختار ولد هيدالة التخلي عنها، مفضلا الارتماء في أحضان البوليساريو والجزائر.

 

يتحدث ولد هيدالة، عن حضور طاغي لرجل البوليساريو القوي آنذاك البشير مصطفى السيد في تلك المفاوضات، كما يثير سلوكه المتشنج فيها، حيث تنكر لكل التعهدات التي تم التفاهم حولها سابقا في منروفيا، مطالبا موريتانيا بالانسحاب مباشرة بدون أي اجراءات احترازية إزاء المغرب، رغم ما كان يشكله ذلك من خطر على النظام العسكري الجديد في موريتانيا، وعلى مصير الاقليم الذي سيكون لقمة صائغة أمام الجيش المغربي.

 

تبقى العديد من التساؤلات معلقة بخصوص سلوك البشير مصطفى السيد حينها، في مقدمتها أسباب تفريط البوليساريو في إقليم وادي الذهب بتلك البساطة، فهل للأمر علاقة بفيتو جزائري، نابع من هواجس حول امكانية استقلال البوليساريو بقرارها حال حصولها على موطئ قدم داخل الإقليم. أم أن للأمر علاقة باحتراق ورقة اللاجئين الذين ستنتفي أسباب تواجدهم على أرض الجزائر حالما يتم تقرير مصير اقليم وادي الذهب.

 

من جهة أخرى فإن سيطرة البوليساريو على إقليم  وادي الذهب غير المرتبط بحدود الجزائر، كان يعني تحقق فرضيتين لا ثالثة لهما. إما أن تضطر البوليساريو للتسريع بتفاهمات تنهي النزاع مع المغرب حول الساقية الحمراء، قد تشمل الاقليم بأكمله، وإما ستضطر للاحتماء بموريتانيا في مواجهة المغرب، وهو ما يعني نفوذا موريتانيا على البوليساريو على حساب النفوذ الجزائري التي سيتراجع دورها، ما يعني أيضا الدفع بتفاهمات عاجلة مع المغرب تصب في انهاء النزاع، بسبب ضعف موريتانيا اقتصاديا وعسكريا آنذاك، وتحرر النظام العسكري الموريتاني الوليد من عقد التاريخ التي تحكم العلاقة في ما بين المغرب والجزائر.

 

معطى آخر قد يكون له تأثيره البالغ على قرار البوليساريو بتنكرها لتفاهمتها المسبقة مع ولد هيدالة، وهو التركيبة الديمغرافية المغايرة لسكان الاقليم، قياسا لتلك التي كانت توظفها قيادة البوليساريو في مخيمات تيندوف، والتي تعتبرها حاضنتها الاجتماعية، ما يعني تفكيك المحاصصة القبلية التي تعتمد عليها، وبالتالي إمكانية الاحتكام الى مرجعيات اجتماعية وسياسية مغايرة، قد تسحب البساط من تحت أقدام وكراسي القيادة.

 

لكن يبقى الاستنتاج الأهم من تجربة اتفاق "السلام" المبرم في ما بين موريتانيا والبوليساريو، هو انكشاف تخلي الأخيرة عن كافة الشعارات التي تؤثث لخطابها السياسي الرسمي، خاصة مطلبي "تقرير المصير"، و"الاستقلال"، اللذين كانا قد قدمهما ولد هيدالة على طبق من ذهب للبشير مصطفى السيد آنذاك، إلا أن قيادة البوليساريو اختارت الاحتكام إلى أجندات الجزائر، والتفريط في فرصة تاريخية كان من شأنها ان تغير مجرى الأحداث، وتساهم في انهاء المأساة التي تسببت فيها ذات القيادة لشعب بأكمله، لا يزال يدفع ثمن تبعاتها الكارثية.