Monday 30 June 2025
مجتمع

سفير: الطلب الكبير على الفلسفة أفشل طيور الظلام في بعث الصراع القديم

سفير: الطلب الكبير على الفلسفة أفشل طيور الظلام في بعث الصراع القديم

قال الأستاذ عبد الكريم سفير، رئيس الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة، في كلمته الافتتاحية في اليوم العالمي للفلسفة موجها خطابه للحضور المميز من رجال المعرفة والفكر والثقافة وأساتذة الفلسفة باسم المكتب الوطني "لن أحدثكم وأحدثكن عن الفلسفة مباشرة. وسأسلك طرق اللف والمنعرجات كما يعلمنا هيدغر والإرتماء مباشرة في النهر لتعلم السباحة. وهكذا وبذل أن أتحدث عن الفلسفة سأتحدث عنها بجمعية الفلسفة، اعترافا لما لهذا الإطار المهني والمدني من إسهامات نبيلة على مدى أكثر من نصف قرن من الحضور والممارسة الفلسفية والمدنية. هذا المدى الزمني يسمح لنا جميعا بالوقوف على تجربة غنية تختزل كل التاريخ التربوي والإجتماعي في علاقة الفلسفة بالدولة والمجتمع. ولا يخفى على أحد الدور الهام الذي لعبته الجمعية في الدفاع عن حضور الفلسفة في المناهج التربوية المغربية مدرسيا وجامعيا وفي المجتمع أيضا. في مثل هذه الأزمات الصعبة يصبح  الإطار المدني هو الحاضنة الحافظة لصوت الفلسفة في المدرسة والحقل الإجتماعي".

وأضاف في كلمته مسترجعا مبادرات الفعل والعمل قائلا "إن النسخة الجديدة من الجمعية اليوم نسخة ذات طبيعة خاصة افتراضية في المقام الأول، وولدت بعد 14 سنة من الغياب من رحم مبادرة فردية وجماعية للجنة التحضيرية الوطنية للمؤتمر الوطني الإستثنائي الذي انعقد بمدينة الجديدة يومي 7و8 ماي 2016. فقد اشتغل الجميع من خلال موقع فايسبوك وطرحت كل الأوراق للنقاش هناك وتم التحضير لكل شيء افتراضيا، ولم يكن الواقع سوى مناسبة للقاء أصدقاء جمع بينهم العالم الافتراضي ووحد بين قلوبهم حبهم للحكمة وتدريس الفلسفة. واستمر هذا العمل الافتراضي وترسخ من خلال منحه الشرعية القانونية في القانون الأساسي الجديد للجمعية. أقول هذا لأن سؤال التقنية بما هو سؤال فلسفي عميق وجد في هذه التجربة تحققه الفلسفي، كما قدم مثالا تربويا على العمل المفيد بالتقنية ومواقع التواصل الإجتماعي".

وأكد في نفس الوقت على أن "هذه النسخة الجديدة من الجمعية تدين بوجودها لمبدا المبادرة والتي تعني بلغة كانطية الخروج من حالة الإنتظار والعجز إلى حالة الفعل والعمل. وبالفعل فقد نجحت هذه المبادرة الصادقة في كسب تعاطف مدرسي ومدرسات ومفتشي الفلسفة والتعليم العالي وهو ما وجد تعبيره في الامتداد الجغرافي للجمعية التي تغطي الآن 12 جهة بـ 40 فرعا اقليميا. وفي غياب المبادرة الفردية والجماعية وسيادة التواكل وعدم تقدير المسؤولية   سيكون علينا قراءة الفاتحة ترحما على الجمعية".

وعرج سفير في كلمته على مواقف الجمعية وصراعاتها من أجل الدافع عن الفلسفة والعقل والتنوير. موضحا "لقد عاشت الجمعية خلال السنة الماضية امتحانا عسيرا من خلال ترافعها وطنيا ودوليا ضد سلسلة كتب منار  للتربية الإسلامية للتعليم الثانوي التأهيلي، والمسيئة للفلسفة والعلوم وحقوق الإنسان والمكتسيات الإنسانية. وقد كان هذا الامتحان الذي أدارته الجمعية بكل حكمة وترافعت فيه دفاعا عن العقل والعقلانية والحداثة ومستقبل أبناء وبنات المغرب واستقراره الثقافي، كان مناسبة ليتعرف الرأي العام الوطني والدولي على قدرات الجمعية ومكانتها ومشروعية مطالبها التي لاقت مساندة وتضامنا من المجتمع المدني والإعلام  الوطني والدولي ومن فعاليات ومثقفين وشخصيات من داخل المغرب وخارجه. وهذا في ظل مناخ متزمت يغديه التطرف واستعداء الفلسفة والعقل".

ومن خلاصات هذا الإمتحان، يقول سفير، نجحت الجمعية في هذا الرهان. وإذا كان بإمكاننا أن نستخلص شيئا منه، فهو وجود طلب اجتماعي كبير على الفلسفة في المغرب، وأن طيور الظلام قد فشلت في بعث صراع قديم كان من شأنه أن يشعل نارا يصعب أن تنطفئ. ولكن حكمتنا كانت تقتضي التعقل وإدارة الصراع بأشكال فلسفية راقية انتهت بتراجع الوزارة عن تلك الكتب وسحبها من التداول المدرسي، وتعويضها هذه السنة بكتب جديدة ومنقحة تقدم نظرة إيجابية عن الفلسفة في كتب التربية الإسلامية.

وعن مأسسة الفعل الجمعوي لأساتذة الفلسفة، قال الرئيس "ومع كل هذه النجاحات وغيرها فإننا لا زلنا نعتبر أننا في حاجة أكبر إلى المزيد من العمل والعطاء من خلال ضرورة الإنتقال بالجمعية من ثقافة التأسيس وإعادة التأسيس إلى المأسسة التي تعني استكمال الإطار القانوني للجمعية (القانون الداخلي)، وتفعيل اللجان المشتركة بين المكتب الوطني والمجلس الوطني تجسيدا لفلسفتنا التشاركية وإعداد مشاريع وطنية، والبحث عن الشراكات والتمويلات وعن مقر دائم للجمعية وإدارة محترفة وتفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة، وصولا إلى الإرتقاء بالجمعية إلى مؤسسة للفلسفة، دون نسيان تأهيل وتكوين أطر الجمعية ودعم قدراتهم في تخطيط وبناء المشاريع وتمويلها وتقويمها، وهي حاجة ملحة أبانت عنها هذه التجربة القصيرة للجمعية".

وختم عبد الكريم سفير كلمة المكتب الوطني بفقرة مليئة بالرسائل والإشارات بقوله "إن قوتنا تكمن في جرأتنا على المبادرة، وقول لا للإستبداد الفكري والإستلاب الثقافي ووضوح مشروعنا المهني والمدني واستقلالية مواقفنا وعدم ارتهاننا إلى أي طرف إيديولوجي أو سياسي، وقدرتنا على الفصل بين المجالات ومراعاة الاطارات المناسبة لها. ومن قدرتنا على التأثير والتأثر وقراءة الواقع بكل موضوعية.  كما أن قوة الفلسفة تاريخيا لم تكن في يوم من الأيام بعدد  المنتسبين إليها مباشرة، بل بالتعاطف الاجتماعي مع الفلسفة واحترامها وتقدير أدوارها في الإرتقاء بالفرد والمجتمع. وهذا الإحترام والتقدير الذي نلاحظه اليوم للجمعية والفلسفة هو الرأسمال الحقيقي الذي يجب العمل على تثمينه وتنميته.لم تكن الفلسفة يوما جماهيرية وربما لن تكون في يوم من الأيام، ولكنها قادرة على أن تجعل من ذاتها un micro _ résistance بلغة جيل دولوز أو قرادة (puce) اسبينوزا التي لا تحتاج سوى لثلاث حركات لتعيش وتستمر وتزدهر في الحياة وسط غابة مترامية الأطراف. دون أن ننسى ما يقدمه أعداء الفلسفة والجمعية من الداخل والخارج من خدمات جليلة للفلسفة ولإطارها".