الخميس 28 مارس 2024
سياسة

السباعي: الحملة الدعائية ضد المغرب استعملت فيها كل مفاهيم وقواميس الوصاية والاستعلاء والعنصرية 

السباعي: الحملة الدعائية ضد المغرب استعملت فيها كل مفاهيم وقواميس الوصاية والاستعلاء والعنصرية  الحسين بكار السباعي
في هذا الحوار مع الأستاذ الحسين بكار السباعي، المحامي والباحث في الإعلام والهجرة وحقوق الإنسان، يشدد على أنه ليس مفاجئا أن يتعرض المغرب بل الوطن لحملات المضايقات والتحرشات من قبل جهات استخباراتية بلبوس حقوقي وإعلامي، فليس سهلا أن يخرج المغرب من جلباب القوى التي سكنها الماضي الاستعماري.
وأضاف رئيس مرصد الجنوب لحقوق الأجانب والهجرة، أن الهدف من هذه الحملة هو توجيه فوهة المدفع إلى المؤسسات الأمنية المغربية لتصفية الحساب مع قياداتها، عقابا لهم على كفاءتهم وإدارتهم بنجاح لقضايا أمنية ذات حساسية بالغة على المستويين الوطني والدولي.
 
ماهو سياق الحملة الإعلامية والحقوقية التي يتعرض لها المغرب؟
أمام أي أزمة من حجم ما يتعرض له المغرب من حملة مغرضة منذ أسبوع، غالبا ما يكون سلاح العقلاء هو طرح سؤال ما سياق الأزمة الحالية؟ ومن المستفيد من الأزمة؟ من في صالحه خلق التوتر وتعميقه؟ من الرابح ومن الخاسر من هكذا دعاية؟ ومن المتضرر من كل هذا وذاك؟ قطع نصف المسافة نحو الحقيقة يقتضي ابتداء التفكير في هذه الأسئلة والعمل على الإجابة عنها، عوض الاصطفاف بخفة كبيرة مع هذا الطرف أو ذاك، وتوزيع صكوك الاتهام والبراءة بحسن نية أو بسوءها، ففي المحصلة كلاهما سيان، يخلقان وعيا مزيفا للواقع الذي بطبعه لا يرتفع.
فلا ريب أن ما يتعرض له المغرب بمثابة حرب شرسة مسيسة، ففي العدوان الإعلامي نجد لغة الحرب، غير أن تتبع منسوب الدعاية الرخيصة انتقل بسرعة قصوى من الحديث عن المغرب كدولة إلى استهداف مؤسسات ورموز بعينها، وكأن الهدف هو توجيه فوهة المدفع إلى المؤسسات الأمنية لتصفية الحساب مع قياداتها، عقابا لهم على كفاءتهم وإدارتهم بنجاح لقضايا أمنية ذات حساسية بالغة على المستويين الوطني والدولي وهو أمر يعرفه القاصي والداني. 
فكما علمنا وتعلمنا فلا ترشق إلا الشجرة المثمرة، ذلك يعكس بحق ما تتعرض له المؤسسات الأمنية الوطنية من حملات مسعورة في الآونة الأخيرة، من أطراف تفرقت دماؤهم بين الداخل والخارج، وتعددت أدوارهم من محركي دمى إلى كراكيز ترقص استجابة لإشارات خلف الستار أو لنسميه مربع العمليات.
هناك سياسة ينهجها المغرب خلال السنوات الأخيرة هي سياسة تنويع الشركاء وعدم الارتهان لمعسكر معين أو قوة إقليمية أو دولية معينة، وهذا ظهر من خلال الشراكات المتنوعة التي أبرمها المغرب مع الصين وأمريكا وروسيا والهند وتركيا ودول أوروبية وأفريقية، وهذا أزعج قوى دولية ظلت دائما تعتبر المغرب حديقتها الخلفية.
ولذلك فمثل هذه الضربات كانت شيئا منتظرا بالنظر لحجم المصالح المهددة لهذه القوى بسبب انفتاح المغرب على العالم ورفضه الانصياع لسياسة الاستعمار الجديد. وليس خافيا على أحد أن الصحافة الفرنسية بجميع توجهاتها توحدت ضد المغرب في هذه المعركة مستعملة جميع التهم، مما يكشف أن فرنسا هي أحد البلدان المتضررة من تنويع المغرب لشركائه وانخراطه في مشاريع كبرى في إفريقيا ترى فيها باريس تهديدا مباشرا لمصالحها، كما هو حال خط الغاز بين نيجيريا والمغرب والذي يتوقع أن يضر بمصالح فرنسا وشركاتها في الجزائر.

 
حدة هذه الحملة يبين أن المغرب أضحى مستهدفا، هل لهذه الدرجة يغيظهم المغرب؟
ليس صدفة أن تمر دائما الحملات الدعائية ضد المغرب عبر المساس برموزه وبمؤسساته الأمنية، لولا أنه فعل مقصود ومدرك ومخطط له بعناية، لاستهداف هذه المؤسسات لتميزها، ولكفاءتها ولبنائها لعقائد أمنية جديدة أهمها اشتغال هذه المؤسسات في الضوء وبكل شفافية وفي إطار الضوابط القانونية والدستورية والقيود السلوكية والأخلاقية لأفرادها، ونقل هذه المؤسسات من مجرد أجهزة إلى مؤسسات مواطنة تخضع للمساءلة والمحاسبة. وبفضل سياستها التواصلية كسبت هذه الأخيرة ثقة مجتمعية كبيرة في ظل سياق متسم بأزمة وتراجع منسوب الثقة في المؤسسات، وقد يكون أكثر ما أغاض الحساد أن أداءها أضحى موضوعا للنقاش العمومي المفتوح بفعل تكسير كل القيود القانونية والنفسية الحائلة دون ذلك فيما مضى. فمنطق العاجز لا يفهم منجزات الآخرين إلا بأسلوب الخوارق ووجود شيء ما غير طبيعي في المعادلة، بمعنى أن كفاءة المؤسسات الأمنية لا يمكن تفسيرها إلا بوجود برمجيات في الخفاء تترصد حركات وسكنات الإنس والجان.
 
على مر التاريخ كان الإعلام الفرنسي ذراعا لضرب المغرب وابتزازه، منذ عهد الراحل الحسن الثاني، هل نحن أمام موجة أخرى من الاستهداف؟
في هذه الحملة الدعائية ضد المغرب استعملت كل مفاهيم وقواميس الوصاية والاستعلاء والعنصرية المقيتة والعدوانية البغيضة وكل ما هو سيء في الأدب الكلونيالي، مرة لكونه بلد مسلم ومرة أخرى لكونه دولة إفريقية وثالثة لكونه ليس من زمرة نادي القوى الكبرى.. في حقيقة الأمر لا يضرهم كل هذا، كل ما يؤذيهم هو أن تقرر في لحظة استكمال استقلالية قرارك السياسي والاقتصادي، أكثر ما يؤلمهم هو أن تخرج عن دائرة الخضوع المرسومة لك سلفا، بلغة أوضح هو أن ترتب أولوياتك وتستجمع أنفاسك وقواك لتعلن عن استقلال جديد قوامه بناء علاقات ندية، مهما كان الوزن الاقتصادي والعسكري للطرف الآخر.
وعليه فليس مفاجئا أن يتعرض المغرب بل الوطن لحملات المضايقات والتحرشات، فليس سهلا أن تخرج من جلباب القوى التي سكنها الماضي الاستعماري، ليس مستساغا أن تطالب قوى الاستعلاء بالوضوح بخصوص قضيتك الوطنية وتدعوهم للخروج من منطقة المواقف الرمادية والملتبسة، ليس أبدا مقبولا من طرفهم أن تنوع شركائك الاقتصاديين وأن تنهج خيار الواقعية السياسية في سلوكك على المستوى الدولي، ليس واردا في حسبانهم بالمطلق أن تقوى دولة في شمال إفريقيا على اعتراض أكبر عمل لصوصي يحاك ضد ليبيا والليبيين وعلى حساب أمنهم واستقرارهم ووحدة أراضيهم من الناحية الجغرافية والسياسية، وتعتبر من طرف الليبيين ومن مختلف تعبيراتهم السياسية كطرف محايد، حيادا فعالا، وتكشف بذلك حقيقة محادثات، بل صفقات، برلين وما شابهها.
فتعقب مسار السلوكات المتبادلة بين المغرب وبعض الدول الأوروبية، التي لا تزال تحن إلى العهود الكلونيالية، يؤكد أن هذه الحملة البئيسة هي نقطة في مسار سبقتها مناورات فاشلة وأكيد ستليها خطوات بهلوانية وكاريكاتورية، مستثمرين ما يدور في فلكهم من مدرعات إعلامية ومدفعيات حقوقية. لهذا، فالعدة واجب أن تجهز للمستقبل، لاستباق هذه المناورات، فالعلاقة الاطرادية بين توتر العلاقات مع بعض الدول وتصاعد خطاب الإدانة تجاه المغرب من زاوية حقوق الإنسان صار قانونا تجريبيا. 
 
كيف يمكن تفسير أن عددا من دول أوربا تشيد بالتعاون الأمني مع المغرب في مجال مكافحة الجرائم العابرة للقارات، وفي نفس الوقت تتهجم بعضها على المؤسسات الأمنية بالمغرب؟
لا أخفيكم أننا نشعر بحساسية مفرطة من خطاب المؤامرة، ولكن في وضعيات كهذه لا يمكن بأي حال من الأحوال وصفها بشيء غير أنها مؤامرة قذرة، وأكبر مقتا من الحرب، لأن الحرب تدار بشرف لا بالضرب من الخلف. هي ببساطة حملة منسقة ومدروسة بعناية، بيد أنها تمت بإخراج رديئ، فالبؤساء لسوء حظهم تركوا وراءهم آثار الجريمة. كيف لهم أن تحققوا من تعرض هواتف مسؤولين كبار للاختراق، من أين لهم بأرقامهم؟ وكيف أخضعوا هواتفهم للفحص؟
أمام قلة حيلتهم تساءل بعضهم “ما دليل المغرب على أنه ليس وراء برنامج "بيغاسوس"؟ جوابا عن السؤال: على "أمنيستي وفرانس 24 وميديا بارت" ومن يدور في فلكهم أن يثبتوا أنهم ليسوا حطب جهنم حملة دعائية مغرضة ضد المغرب؟ ولكن قبل الجواب، فالقاعدة تقول البينة على من ادعى. ولندفع بخيالنا إلى منتهاه، مادام أن القصة وما فيها من نسج الخيال، ما ضماناتنا أن تتوقف التساؤلات في هذه الحدود وألا تمتد إلى أشياء أخرى، وتطلقوا الحبل على الجرار وتطالبوا المغرب يوما بإثبات أنه ليس وراء تفشي فيروس كورونا؟ أو يثبت أنه ليس مسؤولا عن التغيرات المناخية وثقب الأوزون؟
أيام قليلة كانت كافية لتهافت سردية بئيسة بسناريو محبوك بخفة كبيرة، ليواصل المغرب كما كان مسعاه دون الالتفات إلى شطحات المهرجين. لكن كم يلزمهم من وقت لمحو ندوب فضيحة استهداف دولة لا لشيء إلا لأنها تواصل بتؤدة مسارها التنموي وحريصة على حماية استقلالية وسيادية قراراتها؟ 
 
ماهي التناقضات التي يمكن المغرب الاستناد عليها لدحض ادعاءات استعمال تطبيق التجسس؟
من يجب عليه أن يقدم الأدلة هو الطرف الآخر سيرا على قاعدة البينة على من ادعى، كما أن وضع المغرب في فوهة المدفع، كان بدافع سياسي واقتصادي وليس بوازع حقوقي كما يدعون، لهذا وجب على الرد أن يكون سياسيا، بجعل العلاقات المتكافئة والمبنية على الندية من عقائد السياسة الخارجية الوطنية وخيارا لا رجعة فيه، وعدم الالتفات إلى خرجات معلومة الهدف، يقول المثل الإنجليزي “لا تصارع خنزيرا في الوحل فتتسخ أنت ويستمتع هو”، ففي القاع ازدحام كبير.