الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

خالد فتحي: أفكار أولى حول ما جرى في تونس

خالد فتحي: أفكار أولى حول ما جرى في تونس د/خالد فتحي
إطاحة قيس سعيد بالحكومة والبرلمان، وخروج الشعب مبتهجا ومساندا للقرار، هو تعبير عن ايلاء التونسيين ظهورهم للطبقة السياسية والحزبية بشكلها الحالي، وعن كفرهم بالديمقراطية المفترى عليها تونسيا، التي لم تثمر لهم لا خبزا ولا شغلا ولا دواء. ذلك أن ثورة الياسمين لم تندلع ذات انتفاضة لأجل عيون الديمقراطية، بل لأجل وضع تونس على السكة الصحيحة للتقدم والتنمية والحرية والكرامة.
فالديموقراطية لا تطلب عند الشعوب لذاتها بل لثمراتها. ذلك أن الناس لاتهمها كثيرا الاعتبارات النظرية بقدر مايهمها ما تراه على الواقع .
ولهذا قد نفذ صبر التونسيين من انصراف الأحزاب عن همومهم الحقيقية، واشتغالها فقط بالمناكفات والمنابزات والتنمر على بعضها البعض، وادمانها على صراع الديكة حتى صارت المؤسسات المنتخبة عبئا على الشعب، يتعين التخفف منه. وهذا مالتقطه قيس سعيد وطبقه.
من الواضح جدا أن تونس قد وأدت رسميا ماسمي بالربيع العربي، فأن يطوق الجيش مباني الحكومة والبرلمان، معناه أن تونس اكتفت من ثورتها بالإياب إلى العهد القديم الذي أصبح الناس في بلد الزيتونة يحنون الى ديكتاتوريته التي كانت توفر لهم حدا أدنى من العيش، فالإنسان لا يعيش بالكرامة فقط ولكن بالقوت أيضا. والقوت أول درجات الكرامة.
ما وقع لتونس ليس مفاجئا، فقد كان هناك دائما جدل وخلاف حول شكل النظام، هل يتحور رئاسيا ام يظل برلمانيا هجينا كما هو الأمر الآن، وهو خلاف مزمن حلقاته أشبه بحلقات مسلسل ميكسيكي طويل، لكن كورونا كفاعل سياسي يقرر أن يساعد التونسيين وأن يحسم لهم كل هذا. فمنذ أن أنشب الوباء مخالبه بتونس في هذه الموجة العاتية الحالية، كان جليا أن تونس لن تطيق كل هذه الازمات مجتمعة: الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية، ثم الوبائية. وأنها تتجه صوبا نحو الانفجار.
فالذي أخرج الجيش التونسي الزاهد في السلطة من ثكناته هو كوفيد 19 وليس الرئيس قيس سعيد .
النموذج التونسي خلال هذه العشرية دليل ساطع أن الثورة لا تحقق دائما للشعب ما يريد، وأنه لا يتلوها بالضرورة ذلك الحكم الرشيد الذي يداعب خيال الجماهير الصادحة بالشعارات الرنانة. فالنجاح بالنسبة للدول يكون إذا صلحت نخبتها فخطت لها مسارا تنموية ذكيا يجنبها الانزلاقات ويمنع صعودها نحو الهاوية، تخلصت تونس من جلادها بنعلي،ل تسقط في براثن طبقة سياسية غير مؤهلة، منافقة، متهافتة، صبيانية، لم تفلح في إعطاء الانطلاقة للإقلاع الاقتصادي الذي هو الهدف الحقيقي للثوار، واكتفت عوضا عن ذلك بالملاسنات والمعارك الكلامية الخاوية حول العلمانية والدينية والمدنية وارث النساء بين الاصوليين العلمانيين والأصوليين الاسلامين، حروب كان صراعا الشعب مضيعة للوقت ونظرا للأمل لاغير، لتنسد الافاق أمام الشباب ،وتغيب كل الحقوق الاجتماعية على أرض الواقع ،وينتهي هذا الحلم التونسي الوردي هذه النهاية المأساوية الضرورية جدا للأسف .لإيقاف النزيف.
الرئيس قيس سعيد الفصيح كانت يداه على عكس لسانه مكبلتان دستوريا ،وكلما اختار رئيس حكومة انقلب عليه ،كما وقع قبله للسبسي ايضا، لكنه كان متربصا بالجميع، وبالنظام البرلماني لكي يدفنه حين تسنح الفرصة، هشام المشيشي اختار أن يتمرد في الوقت المناسب، وانتهى بحكومة مرهقة يضطلع وزراؤها بأكثر من حقيبة، حتى وزارة الصحة التي لها أن تقود الحرب ضد الوباء لم تسلم من هذا المصير.
أما الغنوشي والاسلاميون فهم أكبر من أن تسعهم الحكومة والبرلمان فقط، هكذا يرون أنفسهم، لم يكونوا مرنين، ولم يفهموا أن كثيرا من معاناة الشعب التونسي مع المؤسسات الدولية ومن تكالب القوى الاقليمية عليه، كانت بسبب أنه بوأهم واجهة المشهد، فأصروا كمكافأة له على أن تعاقب تونس بسببهم وتأخذ بأوزارهم، لكن صبر الشعوب له حدود.
أما القوى العلمانية الأخرى فليتها قد ظلت موغلة في الاصولية البورقيبة، ولم تتحول لأداة للصراع في أيدي اقليمية يهمها توجيه دفة تونس، ذلك أن ما يحدث في تونس سرعان ما يعدي بقية الدول العربية
اعتقد ان ما وقع بتونس هو أول ارتداد سياسي لأزمة كورونا ببلد عربي ،وأنه ستتلوه أزمات قادمة بدول عربية أخرى ستطحنها كورونا طحنا،، وعلى عكس هذه الدول ،قد تخرج تونس سالمة من هذا المأزق .،اذ لا أظن انها ستتدحرج نحو الديكتاتورية، فقيس سعيد كفقيه دستوري لاينوى سوى إعادة النظام الرئاسي لتونس الذي لن يكون كنظام بنعلي، فمن عاشر او حكمه استاذ القانون الدستوري نال من دستورانيته، سيكون نظاما رئاسيا مشيدا هذه المرة فوق ارضية ديمقراطية .ايقاف صراع الرئاسات يتطلب هذا ،والانكباب على هموم تونس الحقيقة يتطلب أيضا مركزة للقرار، وكذلك النصر على كورونا لا يكون إلا على يد قيادة سياسية موحدة للسلطة تنفيذية برأسين.
ان ما وقع بتونس مؤشر على أن دول العالم العربي بل ودول العالم الثالث ستعيش أعواما عجاف وعصيبة لن تنجح في اجتيازها إلا الدول التي تمتلك رؤيا وبصيرة وديمقراطية حازمة محفزة فاعلة وجامعة لا ديمقراطية مائعة منفرة مقسمة. أخوف مااخافه أن يكون الجناح الغربي للأمة العربية هو المتضرر مما يجري بتونس بعد أن تضرر الجناح الشرقي مما جرى بها سابقا بعد القومة ضد بنعلي.
اما تونس فلن تسير نحو الفوضى. بل ستدشن مرحلة جديدة ستكون لها ارتداداتها التي لانعرف مداها وشكلها على عالمنا العربي..
فيما يخصها، ما حدث فيها ليس انقلابا، بل هو انعطافه لاهي بالخشنة تماما ولا بالناعمة تماما في زمن كورونا نحو نظام رئاسي أظن أنه سيكون هو المجدي لها في ظل هذه الظروف.
 
الدكتور خالد فتحي، مختص في الطب النسائي