السبت 27 إبريل 2024
كتاب الرأي

مَحمد المذكوري: المخيمات والقطاع الخاص ومسؤولية الدولة

مَحمد المذكوري: المخيمات والقطاع الخاص ومسؤولية الدولة مَحمد المذكوري
المخيمات والقطاع الخاص ومسؤولية الدولةفي غياب القطاع الوصي على المخيمات تناسلت مخيمات خاصة / مصطافات/ فصول تنشي طية صيفية - وتحت أسماء اخرى- في كل أرجاء المدن المتوسطة والكبرى وحتى الصغرى، في المدارس المستقلة والخاصة وفي الفلل والمقاه ومراكز "الاصطياف"، وعرفت إقبالا قل نظيره في ظروف تفاقم أزمة فراغ عطل الاطفال بعد سنة ثانية من الحجر الصحي الناتج عن الوباء الذي تعرفه بلادنا كباقي بلدان المعمور، وما تولد عنها من ضغط نفسي خطير،
الغياب سببه أولا تأخر القطاع إياه بعد تلكؤه لمدة تفوق السنة لإقرار الخطوات اللازمة لمواكبة الرفع التدريجي عن الحجر -والذي قامت به عدة قطاعات- والذي كان منتظرا أو كان يجب انتظاره والتحضير له ولو في غياب المعطيات الخاصة بتطور الوباء - وعدم وضوح تصور أو خطة للمسؤولين بالنسبة لتدبير المنشئات التي تستقبل الجمهور للتحضير اللائق واللازم لفتح فضاءات تنشيط الأطفال والشباب كدور الشباب والمخيمات والمسارح والسينما وقاعات الرياضات ... وتحضير خطة مدروسة تشاركية مع أصحاب الحق في الموضوع ومع القطاعات الأخرى المشاركة،
وسببه الثاني التجاهل القصدي لأداء وظيفة الإشراف الذي يحتمه القانون، لنزوات البعض الذين يرون في ذلك مضيعة للوقت الذي يفضلون تخصيصه لإشرافهم المباشر - لأهداف ذاتية بالأساس- على فضاءات منشئات هذا القطاع الحكومي المكلف بالشباب والرياضة، هذا الإشراف المباشر الذي طغى أكثر من اللازم إلى أن أصبح تسييرا وتدبيرا مباشرا وترك جزء منه للتنظيمات العاملة في الميدان تحت هيمنة متفاوتة للوزارة، وقد سبق وأن تم الاتفاق وتجريب تقاسم المسؤوليات بالتسيير المباشر والتيسير المشترك المخيمات مع الجمعيات في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، والتي أعطت أكلها، تحضيرا لانسحاب الإدارة إلى موقع المؤطر والمراقب والمنظم وليس المسير، ومن تم تتمكن الإدارة من الإشراف على القطاع ككل.
للتذكير فأين يتجلى الإشراف وأين يتجلى التخلي في موضوع مخيمات القطاع الخاص:
الإشراف الحالي هو فقط عبر مراقبة المؤطرين التربويين والإداريين والماليين لهذه المخيمات الخاصة في حال خضوعهم لمراحل تجريبية لتزكية شواهدهم التكوينية، ويكون عن طريق مراحل تطبيقية تحت إشراف مسؤولين من وزارة الشباب والرياضة. وفي بعض المخيمات بصرف منح التغذية كما في القطاع العام، للمستفيدين الذين قد تدعم إدارات مؤسساتهم بشكل او بآخر ميزانية تغذية الاطفال!
ويتجلى التخلي في عدم تطبيق القانون القاضي بضرورة فتح المخيمات بقرار من السلطة الحكومية المكلفة بقطاع الشباب والرياضة. هذا الفتح الذي يجب أن يرتبط بالمنشئات من جهة ومعاييرها وبتواريخ المراحل التخييمية ومددها وبوقوعها تحت طائلة القانون فيما يخص نسب التأطير البيداغوجي ودرجاته ونوعية البرامج، وهو ما لا يطبق في حالات عديدة منها من يحول صالات خلفية لمقاه ومسابح أو حدائق وفلل الى مخيمات.
هذا التهرب من المسؤولية فرضه أمر واقع لعاملين في القطاع ودوا لو بقي الأمر على ما هو عليه في اشرافهم فقط على ما تحت مسؤوليتهم المباشرة ومن هنا جاءت مقولة" على ربي نتكافاو غير معا اللي عندنا".
هذا هو الذي خلق حالة من التسيب، حيث تقوم مؤسسات شبه عمومية أو خاصة،  وفي البدء كانت المؤسسات الخاصة تقوم بفتح مخيمات لأبناء مستخدميها، ولكن الآن  ومنذ مدة والقطاع الخاص يتمطط ويزحف في غزوات تجارية محضة بتبني هذا النمط التنشيطي واستعمال مقرات المدارس و بعض " المراكز الاخرى" لتنظيم مخيمات مفتوحة في وجه القادرين على الأداء(العموم)، نظرا لعدم قدرة مخيمات القطاع العام والقطاع شبه عمومي والخاص على استيعاب كل الراغبين في ذلك، ووجود أطفال خارج المنظومات السائدة التي توفر هذا النشاط، حيث أضحى اليوم هو المساهمة المعتمدة في أزمة يخلقها فراغ العطل المدرسية واستغلال الأولياء أو عدم قدرتهم على تنظيم أسفار عائلية ملائمة، وضعف المنتوج المعروض، وقد يشكل في المستقبل ثقلا كبيرا من حيث العدد والانتشار يضيف أزمة الى أزمة قائمة بمعطيات أخرى، فخطورة الموضوع الآن هو أن يصبح هذا "بديل" لما هو حقيقي، كما يجري في قطاع التجارة من فراشة يفرضون كبديل على عدم حماية التجارة المقننة، وأن يهمش الفعاليات التي أسست لهذا النشاط واطرته ودافعت على دمقرطته وتوسعته وساهمت في ارساء هذه المؤسسة كعنصر من عناصر التنشئة الاجتماعية ومؤسسة تربوية مكملة للمؤسسات التي تتدخل في التربية.
وان فتح بعض من هذه المخيمات بالمبيت!، يشكل تحدي كبير للسياسة غير واضحة المعالم لما تنوي الوزارة القيام به في هذا الصيف، والذي هو فتح فضاءات محدودة لأنشطة كانت تقام في كل الفضاءات مع صرف ميزانية تغذية وتنظيم لتبرير صرف الابواب المسجلة في المالية! وكانت تلك المؤسسات تجد صعوبة في تناوب المنظمين على فضاءاتها القليلة وغير المجهزة فبالأحرى لأنشطة استثنائية.
موضوعنا اليوم لا يناقش مقترح صيفيات 21 الذي لنا فيه رأي سنوضحه في وقت لاحق وفي محله، 
على المسؤولين إن كانوا يرغبون فعلا في تنظيم قطاع المخيمات التربوية أو منشئات ومؤسسات استقبال جماعات الأطفال والشباب بالمبيت وبدون مبيت، أن يعملوا أولا على استصدار قانون المخيمات التربوية يتضمن مسؤولية جهاز مكون من الفعاليات الحكومية وغير الحكومية العاملة حسب شروط انخراط واضح واجباري،  وهو ما نسميه جهاز دستوري، يتقاسم الأدوار مع الدولة حيث يسير ويشرف على القطاع مع العاملين فيه ويترك للدولة دورها في التأطير والمراقبة والتحكيم، ويوسع مجال الإشراف إلى كافة المخيمات الجماعية حيث ينتظر القطاع معيرة في المستوى وضبط قوانين تسييره، والاعتراف بدور المنشطين ليس كحلقة ضعيفة في المنظومة بل كعنصر أساسي لمكونات هذه المؤسسة المجتمعية، ويعترف بالحق في العطلة المنظمة ويفتح الباب للاستفادة منها لأكبر عدد من الأطفال والشباب بعدالة مجالية مدروسة ومخطط لها واستقطاب فضاءات أخرى وإنشاء مراكز جديدة بمعدل مقبول في كل الجماعات كخدمة عمومية وحق وليس امتياز طبقي وفئوي.
ولن يتأتى هذا الا بعمل وطني تشاركي يضيف خبرات الفاعلين وتجاربهم وتنوعها الى حنكة الإدارة وقدراتها في عملية تعبوية شاملة تحافظ على مكتسبات مخيمات مغربية ساهمت في صقل وبلورة وتكوين أجيال من الذين سنحت لهم فرصهم الاستفادة منها، وتنطلق في خطط متعددة على مستوى توسيع دائرة المستفيدين وحمايتهم وتنويع الفضاءات وتجويد القائم منها، بالاستفادة من الإمكانيات القائمة اليوم كالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية والاستثمار وخطة توسيع قاعدة التكوين المهني والتقني مع الالتزام بالتوجه نحو جهوية موسعة،
اليوم على المسؤولين وباستعجال توقيف هذا النزيف بخطة محكمة بمنع هذا السلوك الناهب والمستغل لفرص صعبة في حياة الاسر، وتعبئة كل الإمكانيات المتعددة والمتنوعة لإصلاح ما لحق من أعطاب بالبرنامج الوطني للتخييم كحق وكمكتسب وكخدمة عمومية، وكذا على مستوى المنشئات لحمايتها وتثمينها.