الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

التامك الحقوقي في مواجهة أدعياء حقوق الإنسان وطنيا ودوليا

التامك الحقوقي في مواجهة أدعياء حقوق الإنسان وطنيا ودوليا محمد صالح التامك، يتوسط منصف المرزوقي، ومدير مراسلون بلاحدود(يسارا)
اعتدنا في الواقع على مسؤولين عموميين أشباه أشباح لا يتواصلون، ولا تجدهم يتفاعلون بحيوية حول ما يكتب عنهم وعن مؤسساتهم، ولا تلقاهم ينتفضون للدفاع علنا، وبأوجه مكشوفة، عن مبادئهم حتى ولو تطلب منهم ذلك المجازفة المعنوية والتواصلية بذلك التعاقد البارد المسمى تجاوزا "واجب التحفظ". كما لو طلب من هؤلاء المسؤولين أن يتحولوا إلى "براد ثلجي" لحفظ الموقف والحقيقة والمبادئ والتكتم عنها.
ما يعيشه محمد صالح التامك، مؤخرا، بصفته مناضلا حقوقيا ومسؤولا عموميا عن إدارة السجون، هو شيء غير مسبوق  فقد فتح ثلاث جبهات على الأقل، وبنفحة "دفاعية" عما يراه "المصالح العليا للبلد"، الأولى مع من يسمون أنفسهم مناضلين حقوقيين، والثانية مع الرئيس السابق لتونس، منصف المرزوقي، وها هو يفتح مؤخرا جبهة ثالثة ضد "كريستوف ديلوار"، الأمين العام لمنظمة "مراسلون بلا حدود"... 
هي جبهات بقضية واحدة مشتركة يدافع عنها باستماتة: قضية سليمان الريسوني وعمر الراضي، التي تم تدويلها اليوم على أنها قضية اعتقال "أصحاب رأي وقلم" عبر قضاء "غير نزيه"، لا تعد أن تكون قضية جنائية تخص مواطنين اثنين متابعين باعتداءات جنسية ضد أفراد، تم استغلالها من طرف "جهات مناوئة ومتربصة بالدولة" لجعلها شماعة أو ربما "زيت مصباح" تحرق بها كل محاصيل حصاد الحرية والديمقراطية بالمغرب.
كانت ردة فعل بعض الحقوقيين على تصريحات التامك مرتكزة على جملة من الاعتبارات التي اعتقدوا أن الرجل هوى "بمعوله" على ما اعتبروه "مظلومية" الصحفيين. 
ففي اعتقادهم: 
1- خرج التامك عن واجب التحفظ كمسؤول عن مؤسسة عمومية طالما كانت قيد الظل وطي الكتمان؛
2- جعل نفسه حكما على قضايا ما تزال في طور التحقيق والتداول القضائيين وبالتالي تجاوز سلطاته واختصاصاته؛
3- توجه برسالة لرئيس دولة سابق، ينشط كثيرا في الدفاع عن وحدتنا الترابية، فيها خطاب "مشخصن" اعتبره المنتقدون ضربا من السلطوية في تدبير الخطاب، بل ومناوشة مع أصدقاء المغرب من السياسيين بغض النظر عن مواقفهم العارضة.. 
لنبدأ بالتمحيص في اتهامه بخرق واجب التحفظ العمومي
التامك، وللذين لم ينتبهوا لشكل خرجاته وتواصله، لم يتكلم أبدا بصفته العمومية كمندوب عام لإدارة السجون، وإنما حمل قلمه بصفته الجامعية والشخصية. وحقه في الكتابة والبوح، حتى في قضايا مقترنة بأحد مواضيع عمله، هو ربما حق في التعبير مشمول بالدستور يتحمل فيه كامل المسؤوليات المعنوية.
أيضا، والسؤال هنا يطرح باستغراب. كيف نجيز لفريق من الفاعلين السياسيين والحقوقيين والمنتمين لأحزاب وحركات دينية معينة، أن تستبيح قضية الريسوني وتتكلم عنها بالحابل والنابل، لتدخل منها لمضامين تروق لها كثيرا كشيطنة القضاء، والتطبيل بأدلوجة الدولة البوليسية، ورفع لواء مظلومية ضد المؤسسات بما فيها إدارة السجون؟ كيف نجيز كل هذا التعبير "العاطفي" كحق يراد به باطل، ونمنع عن الرجل حقوق الرد ونستكثر عليه على الأقل أن يعبر فقط بهواجس رجل حقوقي لا أظن أن أحدا من هؤلاء عانى ما عاناه في غياهب سجون المغرب في وقت "الظلام الحقوقي البائد" التي لم يكن يتجرأ أحد للحديث عنه في ذلك الوقت.
ربما الرجل يريد أن يقول شيئا بسيطا وواضحا يتم التشويش عليه بشكل ممنهج: يريد أن يقول أن القضاء هو سيد الملف وليس، لا الفيسبوك ولا ردهة فندق باليما، ولا حقوقيي الليل، ولا منابر "حوادث السير"، ولا برلمانييي العدالة والتنمية وشيوخ التوحيد والإصلاح ولا يسار "الكفيار" الإيراني. 
يريد أن يوضح في رسائل غير مشفرة، أن ما يقع اليوم لقضيتي الريسوني والراضي لا يعدو أن يكون تجييشا محكما لا يمل ولا يكل ضد مؤسسات الدولة في توقيت سياسي حاسم. أول ملامح التجييش هو الانتقاء، لأن الحقوقي الصلب الواضح لا ينتقي قضية واحدة فقط يرى فيها تجاوزات مسطرية ويتناسى مئات قضايا أخرى محتملة. 
ثم لماذا هذا الانتقاء، والريسوني ليس ولم ولن تكون حالته هي الأوحد فيما يتعلق بالإضراب عن الطعام. البارحة فقط أضرب شباب الريف المعتقلين عن الطعام أيضا لكن لم نرى كل هذا التضامن وكل هذا التباكي... التكتيك واضح، هو استغلال الريسوني وصورته كضحية وتناسي ضحيته الحقيقية التي رفعت به دعوى الاعتداء الجنسي، وإهمال حقها وعدم التجريح بها كضحية عنف... أين هي المقاربة الحقوقية التي نحللها هنا ونحرمها هناك...؟ ربما هذا أول ما حاول التامك تبيانه.
ثم ماذا عن رسائله للمرزوقي و منظمة "مراسلون بلا حدود"؟ 
طبعا للرسالتين حبر مختلف. الأولى كتبت بحبر فيه شيء من المؤاخذة. حيث آخذ التامك على منصف المرزوقي، تسرعه بالحكم على قضية الصحفيين باعتبارها قضية تضييق وتعسف على كتاب رأي. لم يطلع على ملفيهما ولم يستفسر عن حيثياتهما ولا حتى التواصل مع التامك نفسه أو غيره من الحقوقيين، وأخذته الجوارح فقط مما يكتب في ذلك الإعلام المحايث "للجماعة" لينطلق في التعبير عن استنتاجات غير جديرة برجل دولة يتمتع بالرزانة. أظن أن المرزوقي، الذي لم يرد على رسالة التامك لحد اليوم، قد فهم منزلقه الحقوقي وما اقترفه في حق ملف قضائي وفي حق مؤسساته. 
أما الرسالة الثانية فهي مكتوبة بحبر نقدي منهجي لمنظمة تشتغل بأجندات "حقوقية" إنتقائية. وقليل الاطلاع منا، سيعي ببساطة أنها منظمة تنتقي ملفاتها "الحقوقية" وتنكل السب والشتم والهجاء لدول بعينها وذلك وفق ما تمليه عليها الجهات الممولة لبرامجها وتعويضات مقرريها ومخبريها. 
ودخول المنظمة على خطوط بعض القضايا المعروضة على القضاء، يكتنفه دوما إضمار للفتنة. لم نسمع هذه المنظمة تدافع فعلا عن قضايا عرضت سابقا لمدونين تعرض أغلبهم لشطط قضائي، مادام القضاء غير ملائكي بتاتا.. لكننا نرى اليوم هذه المنظمة تحرك مدافعها وبوارجها نحو المغرب لأنه تم اعتقال "نيلسن مانديلا" و "غاندي".. وأشك أن المنظمة طلبت نسخا من هذه الملفات أو عاينت ظروف الاعتقال أو استقصت عن ملابسات الإضراب عن الطعام الذي حرر عته التامك محاضر "من الداخل" تشكك في أمره وتنتقد استغلاله سياسيا.
بقيت ملاحظة أخيرة تهم من هم خلف ستار الدفاع المستميت عن متهم خلف قضبان.
نتذكر جميعا ما قام به حزب العدالة والتنمية للتشويش على عمل القضاء في ملف آيت الجيد الذي أعيد فتحه لمستجدات جنائية ضد عبد العالي حامي الدين كشريك في القتل. أقام أنصارهم وذبابهم وبرلمانييوهم الدنيا وأقعدوها لجعل المتهم بريئا والقيام بوقفات احتجاجية وتجمهرات في ساحات المحكمة وساحات الفيسبوك وتوجيه أوامر لتبرئة المعني بالأمر بالرغم من وجود دلائل مادية وقرائن وشهود تدينه.
أظن أنها نفس البهرجة والجدبة والشطحة التي يحاول الإسلاميون اليوم التعبير عنها لينصروا أولا أخاهم (ظالما أو مظلوما) ثم ليلعبوا نفس دور "ضحية الدولة" في زمن انتخابي خاص. 
بقي إجراء حقوقي مهم لم يطبل له أحد حتى ولول كان منهجيا: ففي عمق هذه الجدبة حول إضراب الريسوني عن الطعام، عملت إدارة التامك مع مجلس حقوق الإنسان والنيابة العامة ووزارة الصحة على إخراج مساطر مؤسساتية جديدة للإحاطة الحقوقية والإدارية والصحية والقضائية بحالات الإضراب عن الطعام.. كيفما كانت وليست فقط حالة الريسوني ومن معه. وهو إجراء يحسب لمسار الإصلاح المؤسساتي السجني وهذا اهم من أية حالة فردية مستعصية.