يتطرق محمد الهاشمي، أستاذ القانون العام بجامعة أبي شعيب الدكالي بالجديدة، للأسباب التي دفعت قيادة وشبيبة "البيجيدي" إلى التفكير في التمديد لبنكيران، مشيرا إلى أن هناك زاويتين للنظر إلى هذا الموضوع: زاوية الديمقراطية الداخلية، مبديا رفضه للالتفاف على القوانين الداخلية أو قواعد الديمقراطية لإرضاء أشخاص أو نزوعات.. وزاوية ثانية، وتتعلق بالإحساس المتنامي داخل "البيجيدي" بكون الحزب يواجه تحدي الاستمرارية، ووجود ظرف استثنائي بالمغرب، والذي يفرض إيجاد فكرة استثنائية والتي ليست في آخر المطاف سوى التمديد لبنكيران لولاية ثالثة.
+ كيف تنظر إلى النقاش الدائر حاليا بخصوص التمديد لبنكيران لولاية ثالثة على رأس "البجيدي"؟
- أعتقد أن مسألة التمديد لبنكيران لولاية ثالثة مازالت في حدود النقاش داخل الحزب، فالقرار لم يتبلور لحد الآن، وفي اعتقادي أن هناك زاويتين للنظر للموضوع:الزاوية الأولى تتعلق بالديمقراطية الداخلية والتي تعتبر عنصر أساسي في الحياة الحزبية داخل أي تنظيم سياسي- حزبي، ولا يمكن مواجهة أي تحدي يواجهه الحزب عبر الالتفاف على القوانين الداخلية أو قواعد الديمقراطية بشكل عام لإرضاء أشخاص ونزوعات معينة..أما الجانب الثاني، والذي ربما يصب في مصلحة من يدافعون عن ولاية ثالثة لبنكيران وهو أنه لا يمكن أن يطلب من حزب سياسي أن يكون ديمقراطيا وأن يحترم قواعد الديمقراطية الداخلية في ظل نظام سياسي لا يوفر الشروط الديمقراطية لمختلف الفاعلين، أي الأحزاب وباقي الفاعلين، ولا يلتزم بهذه الشروط، بعبارة أخرى -بالنسبة لمن يدافعون عن ولاية ثالثة بنكيران- هو أن الحزب يواجه تحدي كبير فيما يتعلق باستمراريته وأنه مستهدف من طرف جهات معينة داخل النظام السياسي المغرب، وأن هذا الاستهداف بدأ عام 2003 أو ربما قبل ذلك، وبالتالي فأمام حالة استثنائية ينبغي ايجاد فكرة استثنائية، فهم يعتبرون أن الظروف التي يمر منها المغرب هي ظروف استثنائية حيث تم وضع عراقيل تحول دون تشكيله للحكومة وتم إعفاء بنكيران رغم كونه سياسا كان الشخص الذي يفترض أن يقود الحكومة وتم تعويضه بشخص آخر، ، ويبدو لي أن هناك صراع مع جهة معينة في السلطة وليس بالضرورة المؤسسة الملكية.
+ الالتفاف طال أيضا قانون الأحزاب السياسية، فلما يصرح بنكيران مثلا: "مرحلتي انتهت.. إلا اذا كان مناضلو الحزب يرغبون في بقائي على رأس الأمانة العامة.." ما رأيك؟
- هناك خصوصية لطريقة الترشيح داخل حزب العدالة والتنمية، فالترشيح لا يأتي من الشخص، بل من طرف القواعد عبر هيآت الحزب، وهذا هو المقصود بتصريح بنكيران، وهذه مسألة تمييز حزب العدالة والتنمية.
+ هل هذا يكشف غياب التربية على الديمقراطية داخل "البيجيدي" ما داموا يؤمنون ببقاء بنكيران ويرفضون التداول على المسؤوليات داخل الحزب؟
- ما طرحته لا يقتصر على حزب العدالة والتنمية، بل هي جزء من الثقافة السياسية في المغرب بشكل عام، والتي تتمحور حول الشخص أكثر من كونها مؤسسة على الولاء للفكرة أو لمشروع سياسي معين، وهذه مسألة واضحة، فنحن نفتقد لثقافة سياسية مبنية على الأفكار والمشاريع الكبرى، فالأشخاص هم المحددين الأساسيين، والحدود بين الشخصي والفكري في الممارسة السياسية في المغرب ليست واضحة لحد الآن.
+ هناك من يشير إلى كون حركة التوحيد والإصلاح هي التي تقف بشكل كبير وراء الترتيب لبنكيران لتولي ولاية ثالثة، اعتبارا لكون بنكيران هو الشخص الوحيد الآن القادر على حماية مصالحها، ما رأيك؟
- أكيد أن التداخل بين الدعوي والديني والسياسي له دور كبير في توجيه اختيارات حزب العدالة والتنمية، سواء في هذه المسألة أو في مسائل أخرى.. وأعتقد أنه يمكننا النظر الى مسألة التمديد لبنكيران من زاوية أوسع من وجود تيار دعوي غالب، فهناك وعي سياسي داخل الحزب، وعلى الخصوص داخل شببيبة الحزب، والذي اتضح من خلال اللقاء الذي عقدوه بفاس في الصيف الماضي، فهناك نوع من الوعي السياسي لدى شبيبة العدالة والتنمية والذي يمكن فصله صراحة عن كل ما هو ديني.. ربما تحركه عناصر فكرية ذات مسحة دينية، والتي ترتكز على كون موقف التمديد لبنكيران ينبغي أن يرتكز على القراءة الحالية للتحديات المطروحة على "البيجيدي"، وهناك اتجاه داخل شبيبة الحزب يعتبر أنه في حالة عدم التمديد لبنكيران فذاك يعني نهاية الحزب وتحوله الى مجرد رقم في الساحة السياسية كما حدث مع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وبالتالي فالشخص الوحيد القادر على مواجهة السلطة وأن يقول "لا" هو في نظرهم -عبد الإله بنكيران- بالنظر لتجربته في قيادة مرحلة تشكيل الحكومة أو ما يسمى ب "البلوكاج" نهاية 2016 .
+ إذا استحضرنا التجارب المقارنة، فالأحزاب في الأنظمة الديمقراطية يصعب عليها إجراء أي تعديل على أنظمتها الأساسية مهما كانت التبريرات، بينما العكس هو ما نلاحظه في المغرب، و"البيجيدي" خير مثال، ما رأيك؟
- أكيد.. هذه سمة من سمات الأنظمة السياسية التي لم تبلغ فيها درجة المأسسة مستوى معين يسمح لها بتعاقب الأشخاص بشكل سلس على تنفيذ مشاريع سياسية معينة، في المغرب الشخص هو الذي يعتبر العنصر الأساسي وليس المشروع، وهذا يعود ليس فقط للبنية الداخلية للأحزاب، ولكن يعود كذلك للمناخ الذي تشتغل فيه.. ففي أوروبا التي تسود فيها الأنظمة التعددية بشكل كبير، لا توجد ظاهرة الالتفاف على القوانين الداخلية أو تعديلها بشكل ظرفي نظرا لأن خط الأحزاب يمكن الإشتغال عليه بغض النظر على تعاقب الأجيال، وأعطيك مثال الحزب الاشتراكي الفرنسي.. فالديمقراطيات في هذه البلدان تتيح إمكانية الاشتغال للأحزاب أكثر بكثير مما تتيحه مثلا الأنظمة السياسية المغاربية بشكل عام والمغرب بشكل خاص، وبالتالي فهذا النزوع الى تغيير الأنظمة السياسية للأحزاب يعود الى نوع الثقافة السياسية السائدة لدى هذه الأحزاب، كما يعود إلى طبيعة البنيات السياسية الموجودة.