في سياق الأخذ بالأسباب، اقترحت أسماء رموز تاريخية ودينية وسياسية وثقافية تنتمي للشمال، لتحصين مبادرة الدكتور عبد الوهاب التدموري، المنسق العام لمنتدى حقوق الانسان لشمال المغرب، لحل مأزق حراك الريف، والتي ما زلنا ننتظر تفاصيلها، من أمثال: عائشة الخطابي، وعبد الرحمان اليوسفي، وأحمد المرابط، وأحمد الخمليشي، ومحمد سلامة الموسوي، وأحمد البلعيشي، وعيسى بويازيضن، وجمال أمزيان...
وإذ تبقى هذه اللائحة مفتوحةعلى درب مباركة كل جهد وطني لمصالحة حقيقية في الريف، من منطلق تعاقد سياسي جديد، على أرضية المشروع المجتمعي الحداثي الديمقراطي للعهد الجديد (وهو المشروع الذي مع الأسف الشديد، تم إقباره مبكرا)، فإني أعتبر أن استنكاف نخبة الريف عن الخوض في الموضوع، يرجع إلى مناخ التخوين الذي خلفه الحراك في حق أي رأي مخالف لاستبداد الزعيم بالصدفة. كما يرجع، من جهة أخرى، إلى عدم الثقة في وعود المخزن، الذي له تاريخ حافل في نكث العهود. فبقي بذلك ظهر الريف مكشوفا يواجه مصيره المجهول، بفقدان بوصلة السير أولا لدى أبنائه الشباب.
وكان من نتائج هذا الوضع، غياب مناخ الثقة، الذي جعل كل أطراف هذه المعادلة، في موقع البحث عن ضمانات؛ فمعتقلو الحراك تبلورت لديهم الحاجة إلى ضمانات، خصوصا وأن منهم من تقدم بطلبات العفو دون جدوى (وهنا تكمن علة الفرق بين تسوية في إطار صفقة سرية، وبين تسوية في إطار تعاقد معلن). كما أن الدولة، هي الأخرى، في حاجة إلى ضمانات، بالنظر إلى تعقيدات هذا الملف، وقد ركبته نزوعات انفصالية وجمهورية، لها صداها في الريف.
من هنا سأقف ضمن أسماء هؤلاء الرموز، التي اقترحتها لتحصين مبادرة الدكتور التدموري، على اسمين من باب تقريب المعنى؛ معنى الآفاق الواعدة لهذه المبادرة، وأنا على وعي بمناقب الآخرين وفضلهم. لذلك أعتقد أن وساطات يقودها المجاهد سي عبد الرحمان اليوسفي، الذي استلهم الميراث التحرري والتحديثي لمولاي موحند، وهو يكتب فيما مضى، عن "مؤسسات جمهورية الريف"، في سياق انشغال رواد المدرسة الاتحادية بهذا الميراث، لبناء الدولة الوطنية الديموقراطي، وهو المحامي المتألق دوليا، الذي بلا شك، سيكون لسان صدق، وهو يرافع في هذا الملف مباشرة مع المستويات الحقيقية للحسم فيه، وإلى جانبه الفقيه العلامة والقانوني، الشريف سيدي أحمد الخمليشي، الذي يحظى، بحكم انتمائه لمنظومة زوايا وشرفاء الريف الأوسط، باحترام عميق في الريف، حيث ستكون لهذه الوساطة فرصة للنجاح، خصوصا وأن عاهل البلاد يعرف عن قرب نزاهة الرجلين، وصلابتهما في قول الحق، وزهدهما الصوفي، مما سييسر الكثير من الصعاب. لكن هل ستسمح العقلية المخزنية بهذا التقارب بين حراك الريف ورمز البلاد، عبر وساطة نخبة الشمال، خصوصا وقد تم إجهاض مفاعيل خطاب العرش بسرعة؟
إنه بالرغم من هذا التساؤل، الذي يخفي مسحة من التشاؤم، فأنا لا أخفي أملا سبق أن عبرت عنه في السابق، وهو أن تكون مقاربة حراك الريف، في ظل خلاصات ورش العدالة الانتقالية، وبرقابة الآلية الحقوقية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، مختلفة تماما عن تلك التي حكمت انتفاضة الخبز سنة 1984 في الشمال، وإلا فما الفرق بين عهدين في معالجة احتقان مطبخنا الداخلي؟
نحن نعرف أن في اقتحام عقبات السياسة ليس هناك تأمين سياسي. لكن تبقى سلامة القصد ونبل الغايات والأهداف، حافزا لنا جميعا، على أداء كلفة مضاعفات هذا الاقتحام.
بقي لدي كلام في سياق تحصين مبادرة الدكتور التدموري، موجه للتدموري نفسه، وجهات أخرى، لنا موعد معه في مقال لاحق. وعلى الله قصد السبيل!