يرى سعيد جعفر، دكتور في التواصل وتحليل الخطاب وعضو المجلس الوطني للإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية أن تصريحات بنكيران في الآونة الأخيرة والتي تركز على كواليس إعفائه من رئاسة الحكومة هي واحدة من أسلحته ذات المفعول القصير جدا في علاقته بالأجهزة والدولة، مشيرا الى أن الدولة تفهم أن بنكيران يزايد بما يقوم به أكثر مما يملكه من قوة.
+كيف تنظرون إلى تصريحات بنكيران في الآونة الأخيرة والتي يركز فيها على مسألة التمديد له لولاية ثالثة، وكذا الحديث حول كواليس إعفائه من رئاسة الحكومة ؟
++في الحقيقة لا يمكن فهم تصريحات السيد عبد الإله بنكيران إلا في سياقها العام أي السياق السياسي والسياق الحزبي، فمن المعلوم ان الحياة السياسية المعاصرة تخضع لما يمكن أن نسميه منطق الدورات الحزبية والدورات السياسية والدورات التاريخية، ومقتضاها أن كل مرحلة سياسية تعيش دورة سياسية، وهذه الدورة السياسية تتم بأجندة سياسية وأيضا بحاملين لهذه الأجندة السياسية والذين هم في نهاية المطاف الفاعلين السياسيين، وبما أن الحياة السياسية تقوم على الحزب السياسي، فالفاعلين هم أمناء الأحزاب السياسية بالدرجة الأولى. اذن، هذه المسألة تحدث في المغرب وفي جميع الديمقراطيات والحقول السياسية والحقول الحزبية في العالم، وما يحدث في المغرب هو أن دورة سياسية تقترب من الإقفال، وهي دورة ابتدأت في 2011 وكان من المفترض أن تنتهي في 2016 بعد ولاية سياسية، إذ كان من الضروري وجود فاعلين قادرين على التفاعل مع الحراك الذي عرفه المغرب إما من أجل تطويره أو تقويته او تحجيمه حسب السياقات، إذن الذي حدث هو ان الدورة اقتضت فاعلين سياسيين بمواصفات معينة، وأذكر السيد عبد الإله بنكيران والسيد حميد شباط والسيد إلياس العماري، اذن فالمنطق افترض زعامات سياسية في سياقها، واليوم نحن أمام مرحلة جديدة..مرحلة هدوء سياسي، الدولة متدخلة بثقلها في المشهد السياسي، وبالتالي ليست هناك حركية اجتماعية وحركية سياسية تقتضي فاعلين سياسيين يمكن بطريقة ما ان يلعبوا دور الوساطة وأن يتحكموا أو يحجموا الحركية الإجتماعية، واعتقد أن الدورة السياسية الحالية تقتضي زعماء سياسيين مختلفين كليا عن الزعماء السابقين.
+البعض يقول أن الحديث الجاري الآن داخل " البيجيدي " بخصوص التمديد لبنكيران لولاية ثالثة على رأس الحزب هو نوع من التحدي للمؤسسة الملكية وأيضا من أجل رد الإعتبار لشخص بنكيران، ما رأيك ؟
++كنت كتبت مقالا منذ مدة نشره موقع " أنفاس بريس " أشرت فيه الى أن بنكيران يعي تمام الوعي أن دورة سياسية بدأت في الولادة، وأنه لم يعد رجلا مركزيا في الممارسة السياسية الحزبية وفي الأجندات السياسية الحزبية، وبنكيران يحاول لعب أوراق متعددة لفرض إسمه أو على الأقل إبقاء إسمه ضمن خريطة الأسماء التي يمكن أن تلعب أدورا بالوكالة، فالرجل يحمل شرعية تاريخية شئنا أم أبينا باعتبار أنه يجر معه حوالي 40 سنة من التفاعل السياسي من داخل الشبيبة الإسلامية ثم من داخل الجماعة الإسلامية الخ، ويجر معه قوة تنظيمية باعتبار أن النواة الصلبة لحزب العدالة والتنمية هي حركة التوحيد والإصلاح، وهو رجل فاعل بل إنه منظر حركة التوحيد والإصلاح، ثم إنه يجر بطريقة أو بأخرى صورة أو بروفايل صنعه منذ خمس سنوات في تحاوره مع المواطنين والمواطنات كآلة تواصلية، واليوم هو في الحقيقة لايمارس التحدي في علاقته بالمؤسسة الملكية، فهو لا يستطيع، لايملك القوة، باعتبار أنه خرج بطريقة ما من أقبية وزارة الداخلية، لكن الذي حدث هو أن كل فاعل سياسي في لحظة ما يخرج كل الأسلحة المتوفرة لديه، وبنكيران تتوفر له شرعيات ويحاول الضغط ما أمكن من أجل تحقيق مكاسب سياسية، لهذا يريد من خلال هذا الضغط ليس التمديد – لأن التمديد في نهاية المطاف لن يضيف له شيئا – لكن يضغط من أجل إبقاء حظوظ حركة التوحيد والإصلاح داخل حزب العدالة والتنمية .
+وكيف تفسر تصريح بنكيران بأن إعفائه من رئاسة الحكومة ألحق الضرر بالمغاربة ؟
++حتى شباط قبل بنكيران قال إنه لايمكن أن نعيين الحكومة في شهر ثم ننتقدها، فالمشهد السياسي أتبث أن الزعماء السياسيين من اجل الحفاظ على مكاسب ذات طبيعة سياسية أو انتخابية أو تنظيمية غالبا ما يرفعون السقف الى أبعد الحدود، ولا ننسى أن زيان محامي الحكومة ومحامي المؤسسات في لحظة ما قال إنه ليست هناك حقوق الإنسان من بعدي، فهذا انتقاد لفلسفة الدولة ولإستراتيجيات الدولة، وبالتالي ينبغي فهم تصريح بنكيران بكونه واحد من الأسلحة ذات المفعول القصير جدا في علاقته بالأجهزة والدولة، وأظن أن الدولة تفهم أن السيد عبد الإله بنكيران هو يزايد بما يقوم به أكثر مما يملكه من قوة، وبالتالي فهو لايحرج الدولة ولا يحرج السلطات، وإذا تتبعنا خطاباته منذ الملتقى الشبيبي بفاس سنلاحظ أن الرجل كما لو يكشف أسرارا، ولكنه أضحى يفقد المساندة داخل حزب العدالة والتنمية .
+وبماذا يمكن تفسير تركيزه على كواليس إعفائه من رئاسة الحكومة ؟
++أفضل طريقة لفهم سياق سياسي معين هو مقارنته بالسياق ككل، ألا تلاحظون أنه بنفس الطريقة التي يتحدث فيها بنكيران عن ملابسات إعفائه هي نفس الطريقة التي يتحدث بها شباط على ملابسات تشكيل الحكومة، فهما يسيران بخطين متوازين كما لو أنهما يتبادلان الأدوار بشكل ما هذا ما يتوفر للأمين العام لحزب العدالة والتنمية المعفى من رئاسة الحكومة، أي الشرعيات التي تحدتث عنها قبل قليل، وفي نفس الوقت هو يحاول استغلال ورقة الأسرار المتعلقة بالإعفاء ومفاوضات تشكيل الحكومة الخ. وبالتالي فليس له في نهاية المطاف ما يقوله لا للرأي العام ولا لوسائل الإعلام ولا للأحزاب ولا للدولة ولا لحزب العدالة والتنمية نفسه وقاعدتهن وبالتالي فهو يلعب الورقة تلو الأخرى بنوع من الذكاء .
+وهل يسعى من وراء ذلك الى دغدغة مشاعر مناضلي الحزب لإقناعهم بمسألة التمديد ؟
في تقديري الشخصي أنه يتوجه الى الدولة أكثر من توجهه الى منتسبي ومنتسبات حزب العدالة والتنمية، لانه يعرف في نهاية المطاف أن الدولة يمكنها أن تؤثر بطريقة أو بأخرى في المسارات القادمة لحزب العدالة والتنمية، وهو متأكد من كون الدولة تملك القوة ليس للتدخل فقط في حزب العدالة والتنمية بل أيضا في أحزاب أخرى، ويعرف طبيعة البنية السياسية المغربية، اذن فهو يتوجه للدولة، تارة يتحدث بخطاب مزدوج من قبيل تصريحه " الدولة بحاجة الى الملكية...الملك هو أميرنا.." الى غير ذلك من الخطابات التي توجه الى الملك في شخصه، ثم يعود في نفس الوقت الى عتاب الأجهزة وإن كان قد قدم نفسه في تأبينه الراحل مولاي عبد الله إبراهيم على أن البلاد مازالت محتاجة لشخصه، وقد ركزه على مسألة شخصه بل إنه حاول المماثلة مابين تجربة مولاي عبد الله إبراهيم وتجربته الشخصية، فهو يقول أن مولاي عبد الله الذي أسس للدولة الحديثة اقتصاديا على الأقل، في لحظة ما احتاجت الدولة لخدماته مباشرة بعد حالة الحصار مابين 1965 و 1970 حيث اضطرت الدولة الى استعادة مولاي عبد الله ابراهيم كمستشار خفي الخ. السيد عبد الإله بنكيران ربما يريد القول أن الدولة مازالت محتاجة إليه على أساس أنه يمثل نموذجا للإسلام المعتدل والإسلام الوسطي، وأنه قفل داخل حركة التوحيد والإصلاح وأنه مقرر بشكل ما لكونه يملك مفاصلها، لهذا فهو يقول بطريقة ما أنه حتى اذا فكرت الدولة اليوم في بناء قيادات جديدة وحقل سياسي جديد لابد ان تحتفظ بي كورقة لمرحلة ما، حيث قال " لايهمني التمديد آنيا ولكنه يهمني أن يفتح باب العودة من جديد الى الأمانة العامة " وقد قرأت الفكرة بكون بنكيران يريد أن يبقي على شعرة معاوية مع الدولة وأجهزة الدولة، فهو يرى أنه قام بمجهود جبار مابين 2011 و 2016، اتخذ موقفا ما من الحراك، أكثر من ذلك أنه سهل عملية عدد من الملفات التي كانت الدولة تعجز عن الإقتراب منها ( ملف المقاصة، ملف التقاعد..) وفي نفس الوقت يقول عن نفسه أنه مازال في جعبته الكثير من الأوراق ومن الجهد من أجل تحقيق الأهداف الإستراتيجية للدولة بما فيها القضايا الأكثر صعوبة والقضايا الشائكة.