Monday 7 July 2025
سياسة

أمل مسعود: شباط وبنكيران.. فرامل لكبح الديمقراطية بالمغرب

أمل مسعود: شباط وبنكيران.. فرامل لكبح الديمقراطية بالمغرب

"عبد الإلاه بنكيران يدعو إلى مراجعة وتعديل الدستور المغربي".. عندما قرأت هذا الخبر انتابتني الحيرة، هل أضحك بسخرية؟ أنظر إلى الخبر بلا مبالاة؟ أصفق بتهكم؟ ووجدتني أتساءل في قرارة نفسي عما معنى أن تكون سياسيا في المغرب؟

فبعد أن كان رئيسا للحكومة منذ أكثر من ست سنوات، وبعد أن كان يتحاشى، وهو في مركز القرار، الحديث عن الدستور المغربي، ولم يخرج أي نص من نصوصه التنظيمية إلى حيز الوجود طيلة فترة ولايته، وبعد أن كان يصرخ ليل نهار بأنه "خادم للملك"، ها هو السيد عبد إلاه بنكيران بعد أن أصبح بعيدا عن مراكز القرار ولا يملك سلطة تنفيذ خطابه السياسي، يعود إلينا من جديد بقفشة من قفشاته مفادها بأن "رئيس الحكومة شريك للملك".

أليس من العبث أن يطالب رئيس الحكومة بتعديل للدستور، ونحن ندرك بأنه تنازل عن كثير من صلاحياته الدستورية أثناء فترة ولايته؟ إذا كان الدستور الحالي بدا لعبد الإله بنكيران فضفاضا واسعا متقدما، وعجز عن تنزيله أثناء فترة ولايته ليمارس الحكم بمنطق العهد السابق لأن ذاك بالضبط ما يجيده وما يؤمن به، فهل سيستطيع تنزيل دستور أكثر حداثة على أرض الواقع؟

خطاب عبد الإله بنكيران شبيه بالخطاب السياسي لحميد شباط.. فليس من الصدف أن تجمعهما الكثير من الأحداث السياسية المشتركة، فهما في السياسة المغربية كتوأمين متلازمين: يظهران معا ويختفيان معا.

فبعد أن مارس حميد شباط لسنوات طويلة التحكم بحزب الاستقلال، وقبلها بنقابة الاتحاد العام الشغالين، إذ طرد خيرة القادة الاستقلاليين، فقط لأنهم عارضوه في سابقة لم يجرأ أي زعيم استقلالي الإتيان بها، كما كان يتحكم في النقابة بيد من حديد، وعبرها كان يتحكم في جل المؤسسات العمومية بابتزاز ومضايقة مدرائها، ها هو اليوم يخرج بخطاب سياسي ضد التحكم، وكأن ما كان بقوم به طيلة فترة ممارسته السياسية والنقابية لم يكن مبنيا على التحكم والسيطرة على العباد سواء بأسلوب الترهيب أو بأسلوب الترغيب.

ومن يتأمل في خطاب وأفعال كل من بنكيران وشباط، سيدرك تماما بأنه لا بنكيران مهتم فعلا بتعديل الدستور، ولا شباط مهتم فعلا بمحاربة التحكم. فكلاهما متعطش فقط للوصول إلى الحكم والسلطة، وكلاهما فيروس سياسي هدفه إبقاء الأوضاع السياسية بالمغرب كما هي وبنفس قواعد اللعبة القديمة، أي بالتباكي وبخطاب المظلومية وبالمبالغة في نظرية المؤامرة  والتآمر، وبالتظاهر بمحاربة المخزن كعدو للديمقراطية والتفاوض باستمرار معه في نفس الوقت لفرملة الانتقال الديمقراطي بالمغرب.

فكثير من السياسيين بالمغرب كبنكيران وشباط، ليس في مصلحتهم البتة أن يعيش المغرب انفراجه السياسي وينتقل إلى الديمقراطيات الحديثة، لأنهم كقناة الجزيرة لا ينتعشون إلا مع مآسي الآخرين. فهم لا يملكون إلا الخطب الجوفاء القاتمة، التي تسلب للمواطن إرادته الحية وتجعله يعيش الإحباط السياسي المستمر، فيشعر بأنه عاجز تماما عن عمل أي فعل أو القيام بأية مبادرة، وهم لا يجيدون إلا منطق الصراع والتصادم، لأنه يطيل عمرهم السياسي، فهم لا يملكون برامج ولا يملكون رؤى ولا يملكون أفكارا ولا يملكون إرادة فعلية للنهوض بالوطن. فالديمقراطية تقتضي الشعور بالحرية والتحلي بالإرادة وتحمل المسئولية، وكلها أمور لا نلمسها في الخطابات السياسية لبنكيران وشباط.

ولهذا السبب، عندما أتأمل الخطاب السياسي لبنكيران وشباط، أجدني أدعم بدون قيد أو شرط الخطاب السياسي للأخ نزار بركة، لأنه يؤمن بطاقة الإنسان وإرادته وبقدرته على تغيير الأوضاع، ولأنه يؤمن بالعمل والأمل كطريق أوحد للوصول للهدف المنشود، ولأنه لا يتملص من مسئوليته السياسية ولا يتبنى خطاب المظلومية، ولأنه يشتغل وفق استراتيجية ورؤية واضحة ومبنية على أرقام ودراسات ومقاربة ميدانية، ولأنه يؤمن فعليا بالديمقراطية كممارسة وسلوك و ليس فقط كشعار للمزايدات السياسوية...