الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

أظهرتها الكركرات وزكاها غدر الإسبان.. لماذا تدير العدل والإحسان ظهرها للمغرب والمغاربة؟

أظهرتها الكركرات وزكاها غدر الإسبان.. لماذا تدير العدل والإحسان ظهرها للمغرب والمغاربة؟ الكركرات وفي الإطارين الوزير الأول الإسباني سانشيز (يمينا) والعبادي زعيم العدل والإحسان

في كل محطة يحتك فبها المغرب مع عدو خارجي (جزائري أو إسباني أو غيره)، إلا ويضع المغاربة خلافاتهم الداخلية لنصرة سيادة الوطن أولا، والاصطفاف مع المغاربة ضد من يود شرا بالمغرب ثانيا.

وحدها جماعة العدل والإحسان التي تبقى شاردة في هذه المحطات المفصلية وتفضل تجييش وتعبئة أنصارها لنصرة قضايا الشرق الأوسط بدلا من قضايا المغرب.

أبو وائل الريفي رصد هذا السلوك في مقال مطول نشره بموقع "شوف تيفي"، وهو الرأي الذي تتقاسمه "أنفاس بريس" مع قرائها:

 

"في ظل حرص المغرب على عدم الانتقاص من سيادته والتصدي لكل من يتعامل معه بانتقاص واستعلاء يظهر معدن المغاربة الحقيقي الذي يميز بين الأولويات فيتناسى بعض الخلافات أو يؤجلها انتصارا لقوة الوطن ووحدته وتقوية لجبهته الداخلية. لقد ألف المغرب هذا الأسلوب على مر التاريخ وكم كانت المعارضة نبيلة وحكيمة في السبعينيات حين ميزت بين خلافها مع النظام وبين أولوية الدفاع عن وحدة الوطن. كان حينها جيل من السياسيين يستحق أن تدرس تجربته للأجيال اللاحقة. لقد كان مستهجنا جدا أن يطفو على السطح كالعادة الموقف الشاذ لجماعة العدل والإحسان طيلة مدة الخلاف المغربي الإسباني الذي بدا فيه المغرب مدافعا عن مصلحة مغربية ليس حولها خلاف تتمثل في طعن المغرب من خلال استقبال زعيم انفصالي بهوية مزورة ورفض عرضه على القضاء بعد دعاوى تقدم بها مشتكون تعرضوا لتعذيب من طرفه. هل التعبير عن موقف واضح وصريح ومبدئي ومبكر يستدعي كل هذا التفكير والتأخر؟

 

لماذا تفضل الجماعة الصمت تجاه كل ما يهم المغاربة؟ هل حساباتها السياسية لا تستحضر إلا النظام وما يجنيه من مكاسب من أي موقف صادر عنها؟ وهل ما زال النظام محتاجا لموقف إيجابي منها؟

 

ومقابل تخلف الجماعة عن التفاعل المبكر والصريح مع قضايا الوطن يلاحظ المغاربة تفاعلا مع قضايا قومية أخرى. فهل هذا سببه فقط حسابات سياسية أم سببه الحقيقي عدم إيمان بحدود الوطن الجغرافية وعدم اقتناع برابط الوطنية وعدم استعداد لتحمل تبعات فكرة المواطنة بمعناها الديمقراطي بالنسبة لجماعة لم توضح بعد موقفها من الديمقراطية؟

 

لماذا تبادر الجماعة وتجيش من أجل قضايا قومية مقابل صمت رهيب تجاه قضايا وطنية إذن؟ أليس في هذا تناقض مع ما تدعيه الجماعة من أنها تنظيم قطري وليس عالميا؟ ولو أن هذه صارت من الماضي ولا يمكن الاستمرار في تجاهل الامتدادات التنظيمية للجماعة في دول كثيرة بما يجعلها في تناقض صارخ مع مبادئها التي تأسست عليها. هل تنكر تمثيلية مؤسسات الخارج في أجهزتها التدبيرية والتقريرية؟ هذه أمور لم تعد تخفى على أحد.

 

لنعد قليلا إلى الوراء أثناء حادث الكركرات، حيث لاذت الجماعة بالصمت ولم تعبر عن موقف ولم تتفاعل بفعل ميداني واقتصرت على بيان يتيم صدر متأخرا جدا بعد أن حسم الموضوع وتاريخ صدوره سيبقى وصمة عار على الجماعة لأنه يبين أنه صدر تحت الضغط الشعبي وربما ضغط قواعد الجماعة وحكمائها. بمعنى أن صدوره أو عدم صدوره لن يفيد القضية. لقد تباطأت الجماعة في التفاعل مع حادث الكركرات رغم أن الجزائر وجبهة البوليساريو وإسلاميي العسكر لعبوا بها كورقة ضد المغاربة وضد المغرب ووحدته الترابية. ولكن استبشر البعض خيرا لأن المثال يقول أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي، وقال بعض آخر أن هذه ستكون بداية مقاربة جديدة للجماعة مع القضايا الوطنية.

 

في لحظة الخلاف الإسباني المغربي أكدت الجماعة بسلوكها وخطابها وصمتها أنها لم تغير طريقة تعاملها مع قضايا الوطن، وأنها تستحضر حسابها مع الدولة كأولوية ولو على حساب مصلحة المغاربة. وهذا أكبر خطأ سياسي تسقط فيه قيادة الجماعة حيث تحول المعارضة، وهذا حقها الطبيعي، إلى حقد أعمى ضد الدولة متناسية أن المغرب ينتصر لسيادته واستقلال قراره ومصلحة شعبه. تحول المعارضة إلى حقد يخرج العمل السياسي من طبيعته النسبية ويبعده عن دائرة البحث عن الانتماء للوطن. وهذا قد تدفع الجماعة ثمنه غاليا سياسيا وشعبيا.

 

للأسف، لم تتردد الجماعة في قيادة احتجاجات الفنيدق وظهرت بتجييشها المبالغ فيه في المنطقة، ولكن فجأة تبخرت وكأنها لم تكن بالأمس. هل سيفوت المغاربة هذا الصمت والغياب؟ وحدهم المغاربة سيحاسبون كل واحد. ولن ينسوا نهائيا أن هذه الجماعة لم ترفع ولو مرة علم البلاد في وقفة أو مسيرة أو نشاط مما يجعل اقتناعها بفكرة الوطن محل شك. وليتأكد القارئ أن هذا مؤشر بسيط لأن العلم الوطني ليس ملكا لأحد ورفعه في المناسبات العامة داخل البلد وخارجه أدنى تعبير عن الانتماء للوطن. للأسف ما يوجه موقف وحركة الجماعة في القضايا الوطنية ليس هو مصلحة البلاد ولكن هو ما يضرها. فأين ما وجدت ضررا أو مضرا بالبلاد ووحدتها ونظامها ومصالحها تجد الجماعة في مقدمة المصطفين. وهو ما صار يعيه الكثير من أعضاء الجماعة ومحيطها وصاروا يبتعدون عنها.

 

قد تجنح قيادة الجماعة للتطرف تجاه النظام للتغطية على مشاكل داخلية والتجذر في المعارضة للحفاظ على وحدة تنظيم تتآكل تدريجيا بفعل مرور الزمن وحالة الجمود وفشل التدبير وعدم مسايرة التحولات، ولكن هذا الأسلوب هروبي فقط ولن يدوم طويلا. وفيه لعب بالنار لأن الجماعة تغامر بمستقبلها من خلال اختيارات معارضة للمغاربة.

 

موقف جماعة العدل والإحسان من القضايا الاستراتيجية للمغرب ذكرني بسؤال سبق أن طرحه الدكتور مصطفى الفقي، السكرتير الأسبق للرئيس المصري حسني مبارك على أحد قيادات جماعة الإخوان هل يختار علم مصر أم علم الإخوان، القيادي الإخواني لم يجب على السؤال بشكل سريع، بل أخذ لنفسه فرصة للتفكير قبل أن يجد لنفسه مخرجا ويقول يختار الاثنين.

 

الجماعة قبل الوطن وهذا منطق العدل والإحسان، فالمغرب ليس في حاجة إلى جماعة لا تؤمن بقضايا الوطن وبالمصالح العليا للوطن.

 

الآن وقد صوت البرلمان الأوروبي على توصية ناور من أجلها البرلمانيون الإسبان فماذا بعد؟

 

كانت إسبانيا تسعى إلى تحقيق إجماع أوروبي ضد المغرب، لكنه تكسر رغم كل محاولات إسبانيا من أجل تعديل مشروع التوصية التي رفضت 12 نقطة منها، فلم تحصل في الأخير إلا على 397 صوت فيما عارضها 85 وامتنع 196 عن التصويت بحكم أن النواب الفرنسيين لم يجاروا إسبانيا بالشكل الذي كانت تتمناه.

 

فأين نحن من تصويت البرلمان الأوروبي ضد الجزائر في 26 نوفمبر 2020 عندما صوت 669 نائب ضد الجزائر، ولم يعارض مشروع القرار إلا نائبين اثنين، لكن الأهم هو ماذا بعد؟ ستبقى إسبانيا أكبر متضرر اقتصاديا من أي تدهور للعلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي، لأن المغرب يملك أوراقا أخرى في العلاقات الثنائية مع إسبانيا ومن بينها ملف الصيد البحري لأن أي تعليق لهذا الاتفاق سيكون بمثابة الضربة القاضية للحكومة الإسبانية الحالية، ولهذا فإنها تبحث عن وقف تدهور العلاقات من خلال سحب ملف علاقاتها مع المغرب من وزارة الخارجية وتكليف نائبة رئيس الحكومة مباشرة بملف البحث عن صيغ مع المغرب لعودة العلاقات إلى سالف عهدها، وهو شيء يبقى القرار الأول والأخير فيه للمغرب.

 

فبمجرد تبني البرلمان الأوروبي للتوصية تحركت حكومات بلدان أوروبية وازنة من أجل التأكيد على استراتيجية علاقة التعاون مع المغرب لأن إسبانيا تبقى في الأول والأخير منافسا تجاريا للمغرب بالنسبة للصادرات الفلاحية.

 

لقد لعب المغرب ورقة الأندلس التي تعتبر أكبر متضرر في إسبانيا من تدهور العلاقات بين البلدين والانتخابات القادمة في هذه الجهة كفيلة بإعطاء المغرب عناصر قوة في مفاوضاته مع إسبانيا بالشكل الذي يجعل توصية البرلمان الأوروبي بدون مفعول حقيقي ويعيد الأمور إلى وضعها الطبيعي كعلاقات ثنائية بين المغرب وبلدان الاتحاد الأوروبي بما فيها إسبانيا.

 

والأيام بيننا".