الثلاثاء 16 إبريل 2024
فن وثقافة

الباحث عبد العالي بلقايد يسلط الضوء على دلالات المشيخة في الموسيقى التقليدية  

الباحث عبد العالي بلقايد يسلط الضوء على دلالات المشيخة في الموسيقى التقليدية   الباحث عبد العالي بلقايد ومجموعة أولاد البوعزاو
تفاعلا مع فعالية تأبين الفنانين الشعبيين "قَشْبَالْ وَزَرْوَالْ"، اخترنا لعشاق العيطة نموذج مجموعة "أَوْلَادْ اَلْبُوعَزًاوِي"، لاعتقادنا أنهم يمثلون امتدادا لكل من الشيخ "اَلْمَارِشَالْ قَيْبُو"، والشيخ "بُوشْعَيْبْ اَلْبِيضَاوِي"، الذين يشكلون "اَلْمَشْيَخَةْ" في فن العيطة اَلمَرْسَاوِيًةْ، وهذه "اَلْمَشْيَخَةْ" التي بنوها انطلاقا من محددات، شكلت الإتجاه الذي تنحوه كل فعالية غنائية أرادت أن تسير في هذا الإتجاه  الذي يدمج بشكل عجيب بين الفن وبين المنزع الصوفي، من جهة، وبين الفن وما يحدث بالعمران البشري.
إن الفنان ينتج تصرفات اتجاه ما  يمور بالعمران البشري. لأنه  ملزم أن ينتج موقفا إزاء ما يحدث بالمجال، لأن وظيفة الفن هي وظيفة سوسيو ثقافية،  وبذلك فالموقف تبعا لـ "اَلْمَشْيَخَةْ" الفنية ضروري، عكس "اَلْمَشْيَخَةْ" الطرقية التي غالبا ما تسلك الحياد السلبي حول ما يكتنف الحياة الإجتماعية، وإن كان هذا الأمر لا ينسحب على كل الزوايا التي نشأت أول ما نشأت لغاية الجهاد الذي يعتبر ضروريا حين تغتصب الأرض التي هي على علاقة وطيدة مع المقدس، لأنها أرض الإسلام.
إن منزع التصوف المغربي في اعتقادنا بدأ يتشكل منذ العصر الموحدي حين إتجه المغاربة الى الإحتفاء بالمولد النبوي .وهذا مرتبط بطموح المغاربة بأن يبنوا إمبراطورية تتجه في جميع الإتجاهات، شرقا نحو المشرق العربي، وغربا نحو أوروبا،  وجنوبا نحو إفريقيا.
 هذا الطموح التاريخي جعل المغاربة ينتجون معاني لكي يمنحوا المجال دلالات، وبهذا تم تمهيد الطريق لإنتاج الشعر باللغة المغربية الصرفة التي هي إستدماج للعنصر العربي في العنصر الأمازيغي التي تعتبر عملية تاريخية تكون بداياتها الأولى منذ عصر مولى إدريس أو قبل.
المنزع الصوفي لا يتحدد فقط في ذكر الصلحاء الموجودين بالمجال، ولكن يمكن أن نَتَلَمًسَهُ في الترتيب الذي تخضع له "لَعْيُوطْ" حسب تتابع زمني طيلة الليلة، مع تحديد العيطة الماجور التي يجب أن تبدأ بها الفرجة.
المنزع الصوفي لا يقتصر على ما ذكرنا، بل يشمل كذلك الملبس الذي يتلائم مع العيطة، والذي يستحضر الصلاح والموقف، وخاصة في فترة الصراع مع الآخر الذي يريد أن يطمس الذاتية الوطنية.
فهو ملبس مغربي يقتضي التمايز على الآخر الذي يقدم نموذجا  مغايرا في مناحي الحياة. فقد ظل "اَلطًرْبُوشْ اَلْوَطَنِي" و"اَلْجِلْبَابْ" و"اَلْقَنْدْرِيسِي" و"اَلْبَلْغَةْ" و"اَلْفَرَاجِيًةْ" و"اَلتْشَامِيرْ"، و"القفطان" من أساسيات الملبس، وهي أمور مشتركة بين الكثير من الفئات: علماء، أعيان، فرسان .والموسيقيون من الفئات صاحبة الحظوة بالمجتمع المغربي، فخيمتهم كانت بجوار (فْرَاﯕْ) السلطان بالمحلة السلطانية .
إننا حين نسعى إلى بسط هذه التيمة، فغايتنا أن نوضح قدر الإمكان بأن المشيخة ليست فعلا فرديا، أو أسلوبا في العزف يختص به هذا العازف دون داك، بل هي تصرف شامل يتبنين من خلال البعد الفني، والتصرف المهني، وأخلاقية المهنة التي تعتبر أساسية وضرورية، لتأكيد الإنتماء إلى ثقافة مجتمع ظل وفيا لثقافة الأم -حسب تعبير عبد الله العروي- الذي يرى هيمنة هذا المحدد على كل مناحي حياتنا.
ومن بين أساسيات هذه الثقافة هي الشفوية، فأخذ صنعة الغناء يتم عبر المصاحبة للشيخ والنقل عليه ما يغني عبر تخزينه بالذاكرة.
إن سيادة الشفوي على المكتوب هو ما جعل المغاربة  يهجرون تِفِينَاغْ كحرف (حسب ما قاله عبد الكبير الخطيبي في كتابه النقد المزدوج)، فحياتهم منظمة بالأعراف التي تجعل مظاهر حياتهم أكثر قوة وإبهار. وجعلت الحدود غير واضحة بين الفعاليات لأن كل شيء هو لأجل خدمة تماسك المجتمع المحلي .والذي يتخذ بعدا وطنيا حين يتعلق الأمر باستباحة الأرض من طرف الآخر الغازي، أو المحتل.