Monday 7 July 2025
سياسة

من كان يعْبُد بنكيران فبنكيران قد مات!

من كان يعْبُد بنكيران فبنكيران قد مات!

بصرف النظر عن الاختلاف الواضح بين قيادات البيجيدي بخصوص "البوتفليقية" التي يريد عبد الإله بنكيران، الأمين العام للحزب، فرضها على أتباع المصباح في مؤتمرهم الوطني القادم، فإن ورقة «الولاية الثالثة» تعتبر، في رأي المراقبين، ضربة قاتلة للديمقراطية الداخلية لهذا الحزب الذي يعيش أسوأ أيامه على الإطلاق منذ تأسيسه.

فبينما يدفع المنادون بـ «الولاية الثالثة» في اتجاه تثبيت بنكيران ودعم استمراره على رأس الحزب كشكل من أشكال الممانعة للحفاظ على «الرصيد الشعبي» الذي راكمه بمهاراته الخطابية والمسرحية والتنكيتية وعفاريته وتماسيحه المشهود له بها، يرى آخرون من داخل البيجيدي أنهم ليسوا «عبدة أصنام»، و«أن من كان يعبد محمدا، فإن محمدا قد مات»، مبرزين أن التشبث بإعادة ترشيح بنكران لولاية ثالثة هو تكريس للتوجه الاستبدادي داخل حزب المصباح والحيلولة دون دوران النخب وتداول الاجيال على القيادة.

وتطرح الرغبة في تجديد الالتزام السياسي مع صاحب التماسيح لولاية ثالثة بشكل مبكر (قبل انعقاد المؤتمر)، ودون أية اعتبارات للوضع السياسي العام ومدى قدرته الفعلية على مواجهة تحديات ما بعد «الفشل الحكومي»، موقفا استباقيا لمواجهة «جناح الوزراء» ومنعهم من الهيمنة على التنظيم، للإبقاء على «الإشعاع الحزبي»، أولا؛ ولتأجيل قتل «الزعيم» خوفا من عدم قدرة الحزب على التكيف مع هذا المتغير الذي بإمكانه أن يفرض كلفة سياسية جديدة على الحزب، ثانيا؛ أما ثالثا، فخوفا من توسع المعارضة الداخلية التي بدأت مع الفشل الذريع في تشكيل الحكومة، ولم تنته مع الضعف الذي أبان عنه رئيس الحكومة الحالي سعد الدين العثماني.

إن الدعوة إلى ترشيح بنكيران لولاية ثالثة رغم هشاشة وضعه السياسي، تتجاوز بكثير الواقع الحزبي الداخلي، خصوصاً أنها مرتبطة   بمبدأ كهنوتي يقوم على «تقديس البشر»، وذلك في شخصنة المؤسّسات وقدسنة الزعامات وأصنمة الهويات. وهو ما نقف عليه في مختلف النظريات  المرتبطة بعلم الاجتماع الديني، أي تلك التي تشير الى ارتباط الدين بالسياسات واقتران القداسة بالزعامات، وهو الواقع الذي يعزز «المجتمع القطيعي» النابع من تصور مفاده أن الأفراد والجماعات المحكومة في «التنظيمات الدينية المتخلفة» (حالة البيجيدي) من العجز والسلبية لدرجة أنها تفتقر لأي مظهر من مظاهر الحكمة المعرفية أو الرشاد الاخلاقي، ولذلك فهي بحاجة إلى زعيم يقيم مملكة الله فوق أرضه. وهذا يطرح أكثر من تساؤل:

ما فائدة الحديث عن الديمقراطية إذا البيجيدي ميالا إلى «تأبيد» الزعامات السياسية  التي بتفردها المصطنع تتخطى حواجز الواقع و تتجاوز حدود المجتمع؟

ما فائدة المجلس الوطني والمؤتمر الوطني والأجهزة الحزبية الأخرى إذا كان البيجيديون كلهم عاجزين عن تأمين «القانون الأساسي للحزب» وتأمين مبدأ التداول على الزعامة؟

ما فائدة «القيادة الحزبية» كمؤسسة قائمة الذات في ظل أتباع يهيمون بشخصية الزعيم ويعتبرونه كالتمّيمة السحرية التي ستصد عنهم الشرور والمفاسد؟

إن الولاية الثالثة التي يسعى بعض البيجيديين إلى تمكين أمينهم العام منها تسهم في تشجيع «البوتفليقية» وخلق وتهيئة الأجواء المناسبة لصيرورة الزعامة الكاريزمية، لأن لا أحد يمكنه الحيلولة دون السقوط في «الولاية الرابعة» أو «الولاية الخامسة» أو «الزعامة المؤبدة». كما أنها لم تنبع من الفراغ ولم تظهر من العدم بقدر ماهي مشروطة بظروف خاصة وأوضاع استثنائية مرتبطة بظروف إعفاء عبد الإله بنكيران من رئاسة الحكومة، وأيضا بوقوع الحزب في كل ما يرفضه أمينه العام بعنجهية متعاظمة لا تقيم وزنا لإكراهات بناء الأغلبية..

لا أحد ينكر أن البيجيديين يعيشون حالة استثنائية ونقاشا محتدما حول من سيكون على رأس الحزب خلال الولاية المقبلة، ولا أحد ينكر الآن أن الديمقراطية الداخلية داخل هذا الحزب ستعيش اختبارا حقيقيا في لحظة المؤتمر الوطني الذي سيضع الجميع أمام أمرين، إما أنه حزب سياسي ديمقراطي، وإما أنه مجرد «زاوية» يُعْبَدُ فيها الزعيم المستبد الذي ينتفع كثيرا من امتداد الأزمة، ليمارس عمله في صناعة أسطورته، كما يعمل بصيغة مشرعنة (سلطة المؤتمر)، على تهويل صورته الرمزية في العقل و من خلال صورته المرئية في وسائل الإعلام.

هذا هو الرهان الذي ستحسم فيه لحظة المؤتمر الوطني القام لحزب المصباح!!

(تفاصيل أوفر حول هذا الموضوع تقرؤونها في غلاف العدد الحالي من أسبوعية "الوطن الآن")

Sans-titre-1