الثلاثاء 23 إبريل 2024
فن وثقافة

حبشي: الأثر الصوفي والطرقي والجهادي في ملحمة سَاكَنْ مرثية "اَلْعَلْوَةْ وُمْوَالِيهَا"

حبشي: الأثر الصوفي والطرقي والجهادي في ملحمة سَاكَنْ مرثية "اَلْعَلْوَةْ وُمْوَالِيهَا" الباحث التهامي حبشي بجانب "القبة"

لما كان موضوع فن "اَلسًاكَنْ" هو التغني مدحا وإطراء بالأولياء والصالحين والشرفاء، والتمسح والتوسل ببركاتهم وطلب الغوث والخير والغيث منهم؛ فإن "سَاكَنْ اَلْعَلْوَةْ" يجسد بوضوح خصائص هذا اللون الغنائي البدوي الشعبي، من خلال التغني بأمجاد ومكارم وكرامات عدد من الأولياء الصالحين المبثوثة أضرحتهم فوق أرض الشاوية وما جاورها من أرض دكالة والحوز والأطلس.

 

تكاد المقاطع أو "اَلْبَرَاوِيلْ" الصوفية في سَاكَنْ أو مرثية "اَلْعَلْوَةْ"، تدور حول أسماء محددة لبعض الأولياء الصالحين المحليين، كما نجد ذلك في متن قصيدة "اَلْعَلْوَةْ"، كما أداها وأنشدها الفنان القدير السي أحمد وَلْدْ قَدٌورْ، المنحدر من منطقة أمْزَابْ بمدينة بن أحمد، بحيث يرد ذكر أضرحة كل من :سِيدِي حَجًاجْ ـ مْـﯖـعًدْ اَلسْفِينَةْلَاتَعْوَاجْ ـ . ومُولْ اَلدِيوَانْ سِيدِي عْلِي بَنْعِيسَى. وسِيدِي عَبْدْ اَللهْ من "عِيسَاوَةْ"بمنطقة رأس العين. وسِيدِي بَنْﯕَاسَمْ، مُولْ اَلدْوَايَةْ وُلَقْلَمْ. وسِيدِي عُمَارْ صَمْصَامْ من اَلْهَادِي بَنْ عِيسَى. وأَوْلَادْ اَلْخَلَافَةْمن نقط التماس بين أمْزَابْ وأَوْلَادْ حْرِيزْ.والمقدم اَلْعَرْبِي. واَلْوَالِي مُولْ اَلْحَيًةْ. وبُويَا امْحَمًدْ. وبُويَا اَلجِيلَالِي. وسِيدْ اَلْحَاجْاَلتًاغِي/اَلطًلْبَةْ فِيهْتْلَاغِي (وهو دفين الزاوية التاغية قرب بن أحمد). وسِيدْ اَلْبَطًاحْ/ تَادًاوِي لَجْرَاحْ. و مُولْاَلتٌوتَةْ / خَيْلَكْ مَنْعُوتَةْ. اَلشًامَخْلَـﯕْدَرْ/ قُبْتُو مَنْ لَحْجَرْ. ومُولَى جَعْرَانْ/ لَمْطَوًعْ اَلْحَرًانْ. وحَمٌو اَلْبَهْلُولْ/ تَرِيكَةْ اَلرًسُولْ. وامْحَمًدْ اَلْبَهْلُولْ/ مُولْ اَلسًرْ اَلْمَكْمُولْ (ويعرف أيضا بعَزْرِي اَلْعَلْوَةْ، أو شَامَخْ اَلقْدَرْ.و مُولْ اَلرًاﯖُوبَةْ. ومُولَى عَشْرْ قْبُبْ.و اَلْبَهْلُولِي.و اَلْمَهْبُولْ.. وهو الشيخ الولي الصالح سِيدِي امحمد اَلْبَهْلُولْ أحد رموز الكرامات بالشاوية، عاش في القرن الحادي عشر الهجري/ السابع عشر الميلادي، له رباعيات نظمية تلقب بـ "اَلْعْرُوبِي"، في إشارة إلى حميمية ودَرْوِيشِيًةْ شخصيته وفخامتها في الوجدان الشعبي لقبائل الشاوية. (راجع في هذا الصدد كتاب: الكلام المكمول لسيدي امحمد البهلول ديوان عزري العلوة، تأليف: د. المصطفى وزاع وتقديم: د. سعيد يقطين، منشورات الزمن، الرباط،2008.).

 

و يَرِدُفي أغنية/ "سَاكَنْ اَلْعَلْوَةْ" ذكر أسماء وأضرحة محلية أخرى من قبيل: مُولَايْ عَبْدْ اَللهْ/ عْلَى اَلنًبِي صَلًى. وسِيدْ اَلذًهْبِي/ مُولْ اَلثًوْرْاَلشًطْبِي. وسِيدْ اَلزٌبَيْرْ/ فِيكْ اَلْكِمِيَةْ وَالَبِيرْ.وامْحَمًدْ اَلْفَكًاكْ/ لَمْعَارِيفْ خُدًامُو.ومُولَى مْحَمًدْ/ اَلِلي زَارَكْ مَا يَنْكَدْ. وبُويَا اَلجِيلَالِي/ عْلَامُو يْشَالِي. ومُولْ اَلدِيوَانْ/ اَلْخَيْلْ كُلْهُمْ جَذْبَانْ. و سِيدِي امْحَمًدْ مْبًارَكْ/ اَلْحَاضِي اَلْقَبْلَةْﯕُدًامَكْ...مع الختم بإيقاع عيساوي حمدوشي قوي ومهزوز إلى النهاية.

 

أما عند إستماعنا إلى "سَاكَنْ اَلْعَلْوَةْ"، كما أداه الثلاثي "قَرْزَزْومَحْرَاشْ وحَمٌو"، فإننا لانجد إلا بعض أسماء الأولياء التي يذكرها الفنان القدير السي أحمد وَلْدْ قَدٌورْ، في حين يرد ذكر أسماء أخرى يتجاوز مكانها تراب أَوْلَادْ حَرِيزْ، مثل: سِيدِي اَلسْمَاحِي في أَوْلَادْ سْعِيدْ.واَلْعَوْنَاتْ في دُكًالَةْ. ومُولَايْ بُوعَزًةْ (الشيخ أبي يَعْزَى مريد أو تلميذ مُولْ اَلسًارْيَةْ أبي شعيب الدكالي دفين أزمور) عند أقدام الأطلس المتوسط. وسِيدِي عْلِي بَنْ إبْرَاهِيمْ في اَلْحَوْزْ. علاوة على بعض أضرحة المنطقة، مثل: لَفْحَلْ سِيدِي دَاوَدْ. واَلزًمِي بَنْ بُوشْعَيْبْ. هذا فضلا عن ورود ذكر بعض الأسياد أو السادة من خدام الشرفاء والقبائل، مثل: أَوْلَادْ سِيدِي عَبْدْ اَللهْ. وهم من فَخْذَةْاَلْفُقْرَا بِأَوْلَادْ حْرِيزْ. وأَوِلَادْ سِي مُوسَى من قبيلة"لَقْرَاقْرَةْ" بمنطقة رَاسْ اَلْعَيْنْ. وأَوْلَادْعَبْيَابَةْ. وأَوْلَادْ اَلجِيلَالِي بَنْ أَحْمَدْ...

 

وعند مقارنتنا لهذه القصيدة بما أنشده وأداه الشيخ لَكْوَامَنْجِي اَلصًاحَبْبَلْمَعْطِي، وجدنا ذكر نفس الأسماء المركزية في "اَلْعَلْوَةْ"، وهي لَقْبَبْ بخمسة، منهم سِيدِي امْحَمًدْ اَلْبَهْلُولْ. ولَفْحَلْ سِيدِي دَاوُدْ. وسِيدِي امْحَمًدْ اَلْفَكًاكْ.وسِيدِي حَجًاجْ. وبَابَا عَمُرْ واَلْكَنْبُوشِيًاتْ...وقد أضاف إليها (نفس الشيخ) أسماء أضرحة أخرى مجاورة، مثل سِيدِي وَعْدُودْومُولَايْ بُوشْعَيْبْ اَلرًدَادْ دفيني مدينة أزمور. علاوة على ذكره لبعض القبائل كبني مَسْكِينْ بناحية الَبْرُوجْ، وبعض رموز الشرفاء وخدام الأولياء، كالَمْعَلًمْ سِي بَلْعَبًاسْ، والَمْقَدًمْ سِيدْ اَلْحَاجْ اَلْعَرْبِي، واَلْبْهَالَةْ لَحْرَارْ، وأَوْلَادْ مِصْبَاحْ، وأَوْلَادْ خَلِيفَةْ.

 

وبالعودة إلى متن آخر لقصيدة "اَلْعَلْوَةْ"، كما أدتها الشيخة ضُونَةْ رفقة الشيخ العازف على آلة الفْحَلْ/ اَلِليرَةْ المرحوم عُمَرْاَلْمُوكِي، نجد أن الإنشاد والتمجيد قد طال عددا من الأسماء والأولياء في مقدمتهم عَزْرِي اَلْعَلْوَةْ. والَفْحَلْ سِيدِي دَاوُدْ. ومُولَايْ عْمُرْمَولْ اَلزِيتُونَةْ. وسِيدِي خَمْلِيشْ. واَلْغَزْوَانِي مُولْاَلتًاغِيًةْ. والشيخ عَبْدْ اَلْقَادَرْبَنْ عَبًاسْ.

 

وقد وردت في هذه الأذكار إشارة إلى اَلْخَمِيسْ، أي الملك محمد الخامس طيب الله ثراه، إلى جانب أسماء وصفات بعض الشخصيات من الأعيان والأعوان، مثل الباشا بَنْ حَمْدُونْ. والباشا وَلْدْشْمِيشَةْ (وهو الشريف محمد بن عبد السلام برشيد قائد أولاد حريز والمذاكرة وأولاد علي)، بالإضافة إلى اَلْقَايْدْ عُمَرْ. والقاضي عُمَرْ. والَمْقَدًمْسِيدِي اَلْحَاجْ اَلْعَرْبِي. والَحْرِيزِي اَلْحُرْ اَلْمِيلُودِي بَنْ كَابَرْ. واَلرِيًاحِي آلْحْبِيبْ. هذا علاوة على ذكر بعض الأماكن والقبائل واَلْفَخْذَاتْ كقبيلة أَوْلَادْ حَرِيزْ. وارْيَاحْ،والْبرِيرَاتْ، ولَغْفِيرَاتْ، وأَوْلَادْ سَعِيدْ، وأَوْلَادْ حَدٌو، ومَدْيُونَةْ، ورَأْسْ اَلْعَيْنْ، وأَجْبَالَةْ، وجْبَالْ اَلشْلُوحْ،أي الأطلس المتوسط.

 

إن أهم ما يميز مرثية "اَلْقُبًةْ" أو قْصِيدَةْ"اَلْعَلْوَةْ وُمْوَالِيهَا"، هو الإحساس الصوفي أو الشعور الجماعي الشعبي الشديد،والولع بقدسية الأرض والتراب المحلي كمكان يضم رفاة السادة الأولياء والصالحين. إنها ملحمة أرض الشاوية المهددة بالغصب والنهب والسلب، وبالنفي والهجران، وبالترحال من حال إلى حال، وبالتيه والضياع والفقدان. كما نلامس كذلك، في ثنايا هذه القصيدة/ الملحمة أطياف حلم يبشر بالعودة "اَلْمَهْدَوِيًةْ" إلى فضاء العلوة الممتد والشاسع الأطراف، حيث يرقد السادة الفرسان يحرسون العلوة بعيونهم اليقظة التي لا تنام، كما قال سعيد الشرقاوي، في مقالة له عن قصيدة العلوة: بكائية الزمان والمكان(أنظر: جريدة الإتحاد الإشتراكي، عدد يوم 22 أبريل 1995).

 

لهذه الإعتبارات تبقى هذه المرثية الصوفية أو الملحمة "اَلْعَيْطِيًةْ" الطويلة النفس، كواسطة العقد الفريد في الغناء الشعبي المحلي، وبالتالي تبقى متميزة وراسخة في الذاكرة الشعبية لأهل الشاوية وما جاورها من الربوع الأطلسية، مثلما تبقى مطلوبة ومرغوبة للأداء والإستماع، لأنها مؤثرة في الوجدان الجماعي للمغاربة، ولذلك، فلا غرابة إذا وجدنا أن إنشادها أمر مثير يحترمه الأشياخ والجمهور على حد سواء، ويترقبه الجميع في الأعراس والمناسبات العائلية، كما في المواسم والحلقات الشعبية.

 

ويظهر واضحا الأثر الصوفي والطرقي في ملحمة اَلْعَلْوَةْ، سواء من حيث المتن أو اللحن، الذي ينشد ويمجد الأضرحة والأولياء.أو من حيث الميزان أوالإيقاع، الذي يأخذ شكل قدام حَمْدُوشِي عِيسَاوِي مَهْزُوزْ، ينتهي، في الغالب، بإيقاع ﯖْنَاوِي صاعد وعنيف. وهي كلها إيقاعات ترجع إلى تأثيرات الطائفة اَلْعِيسَاوِيًةْ واَلْحَمْدُوشِيًةْ بالمنطقة، وخاصة بقبائل أَمْزَابْ ومنطقة رَأْسْ اَلْعَيْنْ، وبقبائل ارْيَاحْ واَلْبْهَالَةْ والخلافة المجاورة.

 

 الباحث التهامي حبشي