ونحن في اللحظات الأخيرة لاحتضار فصل الصيف حتى يلفظ أنفاسه بما حسب له وما جر عليه من هزات، تحاصرنا العديد من القضايا المرتبطة بتلك الشهور الثلاثة. وعلى الرغم من تعددها وتنوع تجليات مجالاتها، يبقى القطاع السياحي من أبرز الملفات التي لا يمكن القفز عليها، خاصة في ظل ما ثقلت به مسامع المواطن عن 10 مليون سائح، وتشجيع السياحة الداخلية، إلى جانب الرفع من مستوى الخدمات مقابل تخفيض فاتورات الأداء. إنما ومقابل كل هذا، يلاحظ نوع من الإحتشام في طرق ظروف عمل سفراء هذا الميدان، إن على المستوى المادي أو المعنوي، ناهيك عن مدى حظوتهم بالقيمة الإعتبارية التي يستحقونها كرجال ونساء يشكلون عمادا، رغبنا أم أبينا، لتقديم الصورة اللائقة للمغرب كوجهة مفضلة لكثير الأجانب ومن شتى الجنسيات. "أنفاس بريس" ولغرض السعي أكثر وراء كشف ما تحتفظ به هذه الشريحة من خصوصيات، التقت محمد أبو يحيى، وهو إطار رفيع المستوى في المجال، قبل أن تعود من مجالسته بالحوار التالي:
+ بداية، كيف يمكن أن تجمل لنا الواقع السياحي المغربي بعيدا عن إيحاءات الخطابات الرسمية المألوفة لدى المواطن؟
++ وأنا بدوري أقول لو أعلم بأني سأعيد ما يتردد صباح مساء في الندوات وأمام الميكروفونات لما قبلت الدعوة. وعليه، أشدد على أنه وبالموازاة مع ما يلاحظ من جهود تتغيى الدفع بهذا القطاع إلى الأمام، توجد هناك الكثير من المعيقات التي ما زالت تتحدى أي خطوة تقدمية، وتأبى إلا أن تطرح أزيد من إشكال على السير العادي للأمور، إن على الصعيد العام أو لدى كل مؤسسة على حدة. وهنا تجدر الإشارة إلى كافة المخططات التي تم الترويج لها، لكن لم تترجم إلى حقيقة على أرض الواقع مما ينعكس سلبا على موظفي الميدان قبل أي طرف ثان.
+ هل تقصد بأنه وقبل الحديث عن أي نداء بتجويد خدمة الزبون النظر إلى تجويد وضعية مقدم الخدمة؟
++ هذا شأن لا شك فيه. إذ كيف يمكن أن تطلب من شخص الإبتسامة في وجه وافد و"القهرة واصلة فيه للعظم"؟. إنه التناقض بعينه. ومع ذلك، نجد هؤلاء الموظفين يقدمون تضحيات على أعلى نطاق، ويبذلون قصارى جهودهم ليكونوا في الأفق المطلوب وأكثر وكأنه "ما خاصهم حتى خير".
+ أين يمكن أن تشخص ذلك الخلل الذي يشوش على وضعهم؟
++ طبعا يأتي في المقدمة الجانب المادي. فلا يعقل مثلا أن نبلغ سنة رقمها 2017 ومازال منتم للميدان يجد حرجا في كيفية إتمام الشهر بالأجر الذي يتقاضاه، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار واتصال المناسبات المرهقة لميزانيته. ويكفي أن نستدل بالظرف الحالي الذي يصادف الدخول المدرسي وتبعاته، علما بما سبقه من استنزافات عيد الأضحى والعطلة الصيفية، وقبلها عيد الفطر ورمضان. بمعنى وكما يقول المثل الدارجي "يدو فيد خوه"، بحيث ما إن يجد الرجل وقتا لالتقاط أنفاس الخروج من أزمة حتى تتلقفه أخرى. والأمَر من هذا، هو استمرار تلك المغالطة بكون المشتغل في السياحة يستفيد من "الإكراميات" وكأنها تلقى عليه بـ"الرزامي". في حين أن جلهم يكابد ظروفه لمجرد أن يبدو بالمظهر المريح، مع التذكير بأن المجال السياحي من المجالات التي تعتمد على دوام الهيأة الأنيقة، والحاجة باستمرار لاقتناء الجديد من البذلات. ومن ثمة، بالله عليك، كيف يمكن لهذا الإطار أن يشتري من فترة قصيرة لأخرى بذلة بـ 1500 أو 2000 درهم؟ اللهم إن أراد الإستعانة بملابس مستعملة من "درب غلف" بالبيضاء.
+ أكيد أن الخوض في المسألة المادية من الصعب وضع نهاية له، لذلك هلا تحدثنا عن غيرها من المشاكل..
++ عطفا على ما أوليته للشق المادي من أولوية، أضيف إليه نظيره المعنوي. فالمجال السياحي معروف بأجوائه الضاغطة والساعات الإضافية التي تأخذ من وقتك الكثير على حساب التزاماتك الأسرية. وأيضا من المهن التي لا تعترف بالعطل سواء الوطنية أو الدينية، بل وأحيانا تستدعى من بين أبنائك لأداء مهمة أو على الأقل الإفادة بمعلومة أو توجيه كما لو أنك عنصر من عناصر "التدخل السريع" الذي يمنع عنه إغلاق هاتفه. إنما يبقى كل هذا في كفة، وتعامل بعض الزبناء في كفة ثانية. وسأختصر الموضوع في من لم يمتلكوا بعد القدر الكافي من اللباقة، ومنهم من لا زال يتعامل بعقلية "لا علاقة" مع يستوجبه الحد الأدنى من أدبيات الحوار. ولن أخفيك بأن من الموظفين من تعرض للتعنيف اللفظي وأحيانا الجسدي وبأكبر الفنادق التي من المفترض أن يحجز بها أناس على قدر من الوعي، لكن وللأسف يصدمونك بتصرفات قد تستدعي تدخلا أمنيا.
+ ألهذه الدرجة؟
++ وأكثر، وشخصيا عاينت غير ما مرة سلوكات اضطررنا معها للإتصال برجال الشرطة، كما هو حال واقعة إحدى النساء التي رمت بسلة المهملات على مسؤول بالإستقبال. وبالمناسبة أود التقدم لهؤلاء الأمنيين بجزيل الشكر على الدور الذي يقومون به في تلك الحالات من أجل إعادة الأمور إلى نصابها على أساس أنهم يتفهمون أهمية وضع كل فرد في موضعه وبكل حياد، سواء كان مغربيا أو أجنبيا.