الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد البالي: تياران.. سياسي وإيديولوجي (7)

محمد البالي: تياران.. سياسي وإيديولوجي (7) محمد البالي

بعد عرض مكونات الحزب الاشتراكي الموحد، التي تعامل معها جزء من المجتمع الحزبي كتيارات، رغم عدم انتظامها في مسالك التيارات العلنية والتنظيمية. ننتقل الآن إلى تصنيف مغاير. بل هو استنتاج تصنيفي، مستخلص من متابعة خطابات أوراق ومن ملفوظات وممارسات مسؤولين ومجموعات. فانطلاقا من المدونة الخطابية ومن الأفعال الحزبية، أمكننا، مؤقتا، التمييز بين تشكيلات متنوعة، نجملها في ثلاث: تيار إيديولوجي، وتيار سياسي، وبينهما آراء ومسالك، فردية وجماعية، في الخطاب وفي الممارسة. ولوضوح علامات في الخطاب وسمات في أفعال الكلام، ارتأينا، مؤقتا، تقديم نموذجين، يبدوان على اختلاف في الرؤية وفي الموقف وفي التحركات. ويلتقيان في كثير من مقومات حزب يساري ديمقراطي يشرعن الاختلاف وينظمه.

 

تيار سياسي:

بعد تقييم ونقد عام للوحدة الإيديولوجية في اليسار الاشتراكي الموحد، ونكوص "تجمع اليسار الديمقراطي"، تشكلت بمؤتمر الأمل سنة 2005، وحدة سياسية جمعت مكونات اليسار الجدري الراديكالي ومكون من اليسار الإصلاحي الديمقراطي. فاجتمعت بذلك إيديوجية اشتراكية ثورية باشتراكية ديمقراطية. ومثّل هذا تفردا في الحياة السياسية المغربية، بقيام حزبية أساسها خط سياسي وبرنامج أكثر من قيامها على عقيدة إيديولوجية. خط سياسي أداته استراتيجية نضالية ديمقراطية، تنفتح على تنسيقات وتحالفات لتقوية جبهة الانتقال إلى ملكية برلمانية.  وتجلى ذلك، لاحقا، في أرضيتين:

 

- الديمقراطية هنا والآن...

وهي الأرضية المصادق عليها في المؤتمر الوطني الثالث، سنة 2012. لنتأمل ألفاظها وعباراتها:

- في تشخيص الوضع السياسي: نهاية مرحلة ما سُمِيَّ بـ "المسلسل الديمقراطي". ربط النضال الديمقراطي بصيرورة الزمن الجديد منذ حركة 20 فبراير. مهمة الحزب في التوضيح السياسي.

- نقاط برنامجية: إعادة الاعتبار لفكرة التعاقد في السياسة. مواصلة النضال من أجل دستور الملكية البرلمانية الآن. إعداد أرضية الانتقال إلى الديمقراطية. دعم وتطوير حركة 20 فبراير. تعزيز تحالف اليسار الديمقراطي والفضاء اليساري (عربيا ومتوسطيا وإفريقيا وعالميا). النضال من أجل تحقيق الشروط العامة للانتخابات الحرة والديمقراطية. تكثيف النضال الفكري والثقافي.

- خلاصة: خط النضال الجماهيري من أجل: الديمقراطية... هنا والآن.

 

ملاحظتان:

الأرضية تجميع سبع أرضيات، لذلك يلاحظ تراوح اللغة بين مفردات: التعاقد السياسي، الانتخابات ودستور الملكية البرلمانية، النضال الجماهيري، النضال الثقافي، اليسار الديمقراطي، الفضاء اليساري. ونضرب مثالا بعنواني أرضيتين: النضال الجماهيري الجدري، الثورة الهادئة، وهي أرضية غلب عليها البعد الثقافي.

يهيمن عليها المعجم السياسي، ويفتر الحقل الدلالي الإيديولوجي.

- أرضية الأفق الجديد:

 تتضمن أرضية هذا الحزب، المعنونة بـ "الأفق الجديد بناء قوة المستقبل لتحقيق الانتقال الديمقراطي":

التوجهات الاستراتيجية الكبرى: هوية يسارية متجددة، مستوعبة للتطورات، ومستفيدة من الوجه المشرق لتراثنا الديني والثقافي.

الوضع السياسي القائم: فشل مشاريع الإصلاح ومحاولة العودة الرسمية، مغربيا، إلى ما قبل 2011.

البرنامج الحزبي المطلوب: التحضير لعرض سياسي جديد.

التحالفات: من "الفيدرالية" إلى "جبهة الانتقال".

 

أ- أفعال الكلام:

من سمات أفعال الكلام ما يمكن التعبير عنه بالخلفية التنظيمية تارة، وبالسلوك السياسي تارة أخرى. ومن أمثلته:

- الاستئناس الماضي:

قد يختلف قارئان، أو ملاحظان، في الحكم على الاحتكام إلى الماضي، فيعتبره أحدهما مغالطة، ويعتبره الآخر سمة من سمات العلاقة الحوارية النافعة؛ ذلك أن الأول قد يراها احتكاما إلى سلطة القديم، للحد من حرية الجديد. وهذا ما عبرت عنه أرضية اليسار المواطن، التي رأت فيه منهجية تقليدية تكرس التوافق بدل التعاقد. في حين يرى التيار السياسي، أنه منهج يضمن تمثيل مختلف حساسيات ومكونات الحزب الاشتراكي الموحد، فتكون، في اعتبارهم منهجية ديمقراطية. ولتقدير طبيعة هذا الاحتكام إلى الماضي، لا مناص من استحضار قصدية الخطاب والأفعال. تكون المنهجية مغالطة إذا تم توظيفها للإيقاع بالآخر. لذلك نفتح هذا الإشكال أمام سؤال نترك للقارئ وللمتابع حرية الحكم عليه، وتقدير صوابه من جنوحه: هل يهدف التيار السياسي من فعل إشراك مختلف المكونات ضمان وحدة الاشتراكي الموحد في فضاء الاختلاف، أم الحد من عناصر الجديد التنظيمي؟ وبذلك نقترح عليه التفكير في سؤال ثان: هل الاشتراكي الموحد حزب منفتح أم يجنح للانغلاق؟، وفي انتظار جوابه المفترض، نستعين بواقع هذا الحزب:

يلاحظ أن كل أطياف/ مكونات الاشتراكي الموحد، كثيرا ما تحتكم إلى هويات سابقة: منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، الديمقراطيون المستقلون، الحركة من أجل الديمقراطية، الوفاء للديمقراطية. ويتجلى ذلك خطابيا في عبارات من قبيل: دمقرطة الدولة والمجتمع، النضال الجماهيري الجذري، استراتيجية النضال الديمقراطي...

وإذا كان التيار السياسي، يعتبر الاستئناس بالماضي سمة مؤلفة، بل مميزة للحزب الاشتراكي الموحد، عن مختلف الأحزاب المغربية، فقد كان الاحتكام إلى هذا الماضي فعلا تنظيما؛ حيث كانت تراعى هذه الانتماءات السابقة في تشكيلات المجالس الوطنية والمكاتب السياسية منذ الاندماج، حتى المؤتمر الوطني الرابع، والذي لا نجد فيه تمثيلية للمستقلين ولا للحركيين.  فبعد هذا المؤتمر، صار الاستئناس الشعوري والاحتكام التأليفي، إلى ذاك الماضي، احتماء في بعض الحالات، تستدعي مقاربة أخرى لكشف دوافعها واستجاباتها الأسلوبية والسلوكية.

 

- حكم الجديد، يمكن تمييزه بسمتين:

1- نفس ثوري:

تلون خطاب الاشتراكي الموحد بلغة شباب حركة 20 فبراير، والحركات الاجتماعية: حرية، كرامة، عدالة اجتماعية. بل إن تأثير هذا الجديد امتد إلى الخط السياسي بعد 2011. ونضرب لذلك مثالين:

- في أوج الأثر السياسي لحركة 20 فبراير، غير الاشتراكي الموحد خطه التدرجي في الانتقال الديمقراطي، إلى المطالبة الفورية بإقرار ملكية برلمانية، فقاطع دستور 2011 والانتخابات البرلمانية المترتبة عنه. وشخص خطابه هذا التحول في شعار مؤتمره الثالث، سنة 2012: الديمقراطية هنا والآن... وكان لهذا الاختيار أثر على علاقة الحزب بأجهزة الدولة، التي باتت تتربص، من جديد لتحركات الحزب ولحياة ممثليه الحركيين في المدن وفي البوادي، وتشهد عدد المتابعات والمحاكمات في حق أعضائه، هذا التعامل الجديد.

- في خضم احتجاجات الحراكات الشعبية بجرادة والريف وغيرهما، ومع اتساع الاحتجاجات الشعبية عبر الخريطة المغربية، وفي أجواء المتابعات والمحاكمات، كان شعار المؤتمر الوطني الرابع، سنة 2018: دعم الحراكات الشعبية... وهو ما يعني تغليب كفة النضال الجماهيري أداة في الصراع السياسي نحو الديمقراطية. وحضر جلسة الافتتاح عائلات معتقلي الحراكات الشعبية، وأفردت فقرة فيها لكلمة أحمد الزفزافي، رئيس جمعية ثافرا للوفاء والتضامن لعائلات معتقلي حراك الريف، والد ناصر الزفزافي، أبرز قادة الحراك الشعبي بالحسيمة.

 

2- احترافية:

صار الاشتراكي الموحد، ملتقى بعض الطاقات الديمقراطية الجديدة، الوافدة من المجتمع المدني، والتي كان لها أثر في الخطاب وفي الممارسة، ففضلا عن وفادة شباب حركة 20 فبراير إبان المؤتمر الوطني الثالث، وفدت قبل المؤتمر الرابع خبرات وتجارب فردية وجماعية. وقد برز هذا من خلال الآثار التالية:

- استعان الخطاب بمعطيات بحثية وميدانية.

- تحسن الأداء التواصلي، وتنوعت آلياته الإعلامية، فانتقل الحزب من صوت وحرف إلى صورة مرئية ومقروءة، بوجوه نضالية وبرلمانية وثقافية.

- بات سلوكه الانتخابي احترافيا، بفعل حملات أعضائه الجمعويين الجدد. وقد أثارت انتباه الرأي العام، طريقة الحملة المنظمة والنظيفة لفيدرالية اليسار الديمقراطي في انتخابات 2015 و2016.

هذه التعابير الجديدة لم تخضع، في السلوك التنظيمي، إلى السنّة السالفة في الإدماج، فقد انسحب عمر بلافريج من المكتب السياسي، بعد المؤتمر بفترة وجيزة، ولا نجد في المجلس الوطني تمثيلية لجمعية أنفاس التي شارك ممثلوها في أشغال المؤتمر، ووردت في أرضية الأفق الجديد مكونا في مشروع حزب الاندماج المرتقب الذي نواته فيدرالية اليسار الديمقراطي.

 

(يُتبع)

 

- محمد البالي، باحث في الخطاب المغربي المعاصر