الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

رشيد لبكر :الأحزاب المغربية  لا تهمها مسألة المشاركة السياسية  إلا في زمن الانتخابات

رشيد لبكر :الأحزاب المغربية  لا تهمها مسألة المشاركة السياسية  إلا في زمن الانتخابات رشيد لبكر
تحت إشراف مختبر الدراسات السياسية والقانونية والدولية وبمساهمة فريق البحث حول السياسات العمومية بمنطقة البحر الأبيض المتوسط، نظمت كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية  التابعة لجامعة مولاي إسماعيل بمكناس ندوة وطنية هامة في موضوع " " المشاركة السياسية والمسألة الانتخابية بالمغربية" بتنسيق احزرير ومشاركة كل من صبح الله الغازي والحطاب رئيس جمعية الباحثين في القانون الدستوري وآخرون؛ وقد تميزت بمداخلة  الباحث رشيد لبكر، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بسلا التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط فكيك خلالها واقع الأداء الحزبي في المغرب  " أنفاس بريس " تبرز بعضا  من هذه المداخلة  :

 شرح رشيد لبكر واقع العمل الحزبي ببلادنا، وتوقعاته إزاء الاستحاقات  الانتخابية القادمة، والتي لم تعد تفصلنا عنها إلا بضع شهور.  وأوضح الباحث في مستهل كلمته، أن اختيار موضوع المشاركة السياسية لمناقشته في رحاب الجامعة، وإن كان يدل على انخراط  هذه الأخيرة في محيطها، إلا أن المنطق يفترض أن تكون مثل هذه المواضيع، الهاجس الرئيسي الذي يؤرق الأحزاب المغربية، وأن ينبغي أن تكون هي المبادرة إلى عقدها ومناقشتها، على اعتبار أنها المعنية الأولى بمسألة المشاركة، إن كانت تنظر إليها  فعلا من باب شرعية التمثيل وتمتين البناء الديمقراطي، وإلا فإن الأحزاب، كما قال الباحث: " لا تهمها مسألة المشاركة إلا في زمن الانتخابات لجمع الأصوات وكسب  المقاعد، وهي نفعية ترسخ الاعتقاد الشعبي بأن الأحزاب بالمغرب تحولت إلى مجرد دكاكين سياسية لكيل الوعود وبيع المتمنيات". لأجل ذلك، يعيب الباحث على الأحزاب، أنها لم تستغل التطورات التي عرفتها بلادنا خلال السنين الأخيرة، ولا حتى الأحداث الجارية في العالم، من أجل تطوير  خطابها وطرق تواصلها مع المواطنين، وذكر في هذا الصدد: " أن الخطاب الحزبي لم يساير مستوى التطور الحاصل إزاء ظاهرة تناول الشأن السياسي بالبلاد، بسبب الاستعمال المهول لمنصات التواصل الاجتماعي على مختلف أصنافها، بل على العكس، ظل خطابها، متخلفا، مهمشا، عاجزا عن مسايرة الإيقاع، موغلا في التقليد، يستقي مادته من قاموس متجاوز، لا يمكن بأي حال المراهنة عليه من أجل  حمل المواطنين على الاعتقاد  بأهمية الفعل السياسي ودفعه بالتالي إلى  المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية القادمة".
 ومن الظواهر التي رصدها الباحث في هذا الإطار، قوله ، أن الحماس السياسي لدى الأحزاب " يشتعل" بمناسبة  مناقشة أي قانون جديد يرهن مستفبلها أو يهدد مصالحها، ضاربا المثل بقضية " احتساب القاسم الانتخابي على أساس المسجلين باللوائح بدل المصوتين فعلا"،  لكن هذا النقاش " سرعان ما تخبو جدوته بعد  التصويت على القانون، ليصبح كل ذلك الحماس الحواري جزءا من التراث السياسي ليس إلا"، مستطردا أن " المشكل ليس في القانون دائما، فقد تأتي بقانون دون المتوسط لكن نتائجه ستكون في المستوى الجيد إذا سهرت على تنفيذه كفاءات وطنية واعية بأدواره التاريخية  إذ من الطبيعي أنها ستؤول روحه في الاتجاه الذي يدعم مصلحة الوطن، والعكس صحيح أيضا، إذ يمكن أن  تنتج قانونا في  المستوى الجيد، شكلا ومضمونا،  لكن بغياب الحس الوطني سيؤول التطبيق في الاتجاه السيء والرديء، لذا أنا أعتقد – يقول الباحث- أن مشكل المغرب، ليس في التشريع، ولكن في حكامة التطبيق، وبفهم الفاعل السياسي لدوره التاريخي بشكل عميق، أي بالثقافة السياسية السائدة مع الأسف".
وبخصوص، توقعاته إزاء المشاركة السياسية في الانتخابات القادمة، قال رشيد لبكر  إن ذلك رهين بالبحث في متغيرات العملية الانتخابية، "إذ لا يمكن انتظار مخرجات متغيرة إذا كنا ما زلنا نقبع عند نفس المدخلات وربما أسوأ"، وقال في هذا الصدد: " يؤسفني القول أن الأحزاب المغربية، ابانت عن محدودية كبيرة في آدائها إزاء قضايا عاشتها البلاد، وكان المواطن ينتظر منها  الأفصاح عن مواقف واضحة بشأنها، ولكنها خذلته بسلبية قوضت وجودها ؛مقابل تقوية عضد السلطة، بدليل، أن وجودها خلال الوضعية الوبائية كان شبه غائب، ولم تبد أي موقف، إيجابي أو سلبي أو حتى توضيحي إزاء الإعلان عن  حالة الطوارئ،  وغيرها من قضايا عديدة صاحبت هذا الوباء، ولم تلعب دورها الحقيقي كمشارك للدولة في السلطة وفق ما ينص عليه الدستور، واختارت الخطاب المهادن، وسمحت  في دورها الأساسي المعبر عن الشعب، أي تخلت  في  أن تكون وسيطا بينه وبين الدولة، وفي نقل معاناته وتوجساته و آماله، مع الأسف،  مصطفة معه على خط واحد، تنتظر مثله بيانات الدولة، لذلك لم يحس بأهمية وجودها من عدمه في حياته".
وأضاف الباحث، أن السلبية ذاتها، تعاملت بها الأحزاب، مع قضايا أخرى، كقضية هجرة بعض مواطنينا إلى سبتة، أو استقبال إسبانيا لزعيم الكيان الوهمي، وأيضا قضية المسجد الأقصى، " ففي كل هذه القضايا، بدا أن الأحزاب – مع استثناءات معدودة- كانت متوجسة من الإفصاح عن ردودها، مترددة في الإعلان عن  رأيها، وكانت السلطة هي المصدر الوحيد للشعب لتلقي المعلومات وبناء المواقف، وعلى العكس من ذلك، كانت الأحزاب شرسة في الدفاع مثلا عن قانون معاشات البرلمانيين، فكيف نريد من المواطنين بعد كل هذه الأنانية المفرطة في الانتهازية، أن يعيد رتق حجاب الثقة الممزق بينه وبين الأحزاب...لا أعتقد أن المواطن مازال مستعدا لتوقيع شيك على بياض، والأحزاب عليها أن تراجع نفسها وتعيد النظر في أسلوب عملها".
لأجل ذلك، يرى الباحث، بأن معدل المشاركة، لن يختلف عن سابقه، وقد يتحسن قليلا، ليس ثقة في الأحزاب، "ولكن بالنظر إلى الحياد الإيجابي الذي ستلعبه الدولة، من خلال حث المواطن على المشاركة، وكذا عبر الطريقة الجديدة التي سيحتسب بها القاسم الانتخابي، فضلا عن النموذج التنموي الجديد، الذي يعتبر هدية من السماء إلى الأحزاب في هذه  الآونة، لأن خيالها يبدو خاليا من الأفكار الجديدة التي يمكن أن تفتح النقاش بشأنها مع المواطنين،  لكن اللجنة أنقذت الموقف، وطرحت نموذجها، في هذا الوقت بالذات، كي ترفع الحرج عن الأحزاب"،   أوضح  الباحث رشيد لبكر في الأخير أنه " لست باحثا عدميا، ولا أتبنى الطرح العدمي من الأساس، لكن الموضوعية تلزمني بقول الحقيقة كما أراها وأقدرها، كما أن نقذ الأحزاب ليس بدعة جديدة في مشهدنا السياسي، فقد سبقنا إلى ذلك صاحب الجلالة  في العديد من خطبه،". بعدها يختم مداخلته بالإشارة إلى : " كلنا مؤمنون بدور الأحزاب،  ومقتنعون بأن وجودها شرط ضروري لأي بناء ديموقراطي، ووجودها  كالماء بالنسبة للحياة، لكن شريطة أن تمارس مهامها كشريك قوي للدولة، لأن الدولة محتاجة اليوم إلى من يساعدها بالنقد والتقويم وطرح أفكار جديدة، وليس من يصطف ورائها بلا إضافة، لذا فما نقوم به اليوم، هو من باب محاسبة الأحزاب، على أدوارها المسطرة بوضوح  في مقتضيات المادة 7  من الدستور.