الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد بوبكري: ثقافة التزوير متحكمة في عقلية جنرالات الجزائر

محمد بوبكري: ثقافة التزوير متحكمة في عقلية جنرالات الجزائر محمد بوبكري

من المعلوم أن الديمقراطية تنهض على احترام الآخر المختلف، كما أنها تقوم على احترام الأقلية لقرارات الأغلبية... ويرى خبراء جزائريون أن الأقلية هي التي تحكم الأغلبية في الجزائر، فاستنتجوا أن النظام السياسي الجزائري يتعارض جذريا مع النظام الديمقراطي. وقد عللوا ذلك بأنه منذ حوالي عقدين والانتخابات الجزائرية تعرف نسبة مشاركة تقل عن خمسين بالمائة، ما جعلها فاقدة للشرعية، لأنها كانت دوما تمكن الأقلية القليلة من التحكم في الأغلبية.

 

ويؤكد خبراء جزائريون، انطلاقا من تحليل للمعطيات الرسمية للانتخابات الرئاسية الأخيرة أن نسبة المشاركة لم تتجاوز %20، وفندوا بذلك ادعاء السلطات الجزائرية القائل إن نسبة المشاركة في هذه الانتخابات قد بلغت %35. ورغم ذلك، فإن كلامها يعني أن نسبة المقاطعة قد بلغت 65%. وهذا ما يؤكد أن الأغلبية الساحقة قد قاطعت هذه الانتخابات، ما جعلها فاقدة للشرعية السياسية. وتجدر الإشارة إلى أن "تبون"، الذي نجح في هذه الانتخابات لم يكن له حزب، حيث كان معزولا... كما استقل في بداية الحملة الانتخابية المدير الذي كان سيدبر وطنيا حملته هذه. وقد تبعه المسؤولون المحليون عن حملته في مختلف الولايات، ما يعني أن "تبون" لم يقم بأي حملة انتخابية منظمة، كما أنه لم يكن يمتلك خطابا سياسيا، ولا أي مشروع سياسي، ولا مجتمعي يمكن أن يستقطب بهما الناخبين. ومع ذلك، فقد انتصر في هذه الانتخابات، حيث نجح بقرار من الجنرال " القايد صالح"، ما دفع الحراك الشعبي إلى رفض ذلك ، حيث رفع شعار: "تبون مزور، جابوه العسكر". ويؤكد هذا المثال كذلك أن الأقلية هي التي تحكم الأغلبية في الجزائر، وأن إرادة العسكر فرضت تهميش أغلبية الشعب الجزائري وحرمانه من المشاركة في تدبير شؤونه...

 

وإذا تأملنا في الاستفتاء الأخير على الدستور، نجد أن الجهات الرسمية قد أعلنت في الساعة الخامسة زوالا أن نسبة المشاركة قد بلغت %17. وبعد مرور ساعتين، أعلنت هذه الجهات أن نسبة المشاركة قد بلغت %23. وهذا أمر مثير للشكوك، ومع ذلك، إذا سلمنا بالنسبة التي أعلنت عنها الجهات الرسمية، فإن هذه الانتخابات مطعون فيها، كسابقاتها، لأنها فاقدة لأية شرعية سياسية، حيث قاطعتها الأغلبية، ما يؤكد أن الأقلية تحكم الأغلبية في النطام السياسي الجزائري..

 

أما بالنسبة للانتخابات المقبلة، فإن كل المؤشرات تؤكد أنها ستعرف مقاطعة واسعة. لقد أغرت السلطات بعض الشباب بدعم مادي هزيل إذا ترشحوا لهذه الانتخابات، لكن هذا الوعد قد تبخر، لأنها أخبرتهم مؤخرا أنها ستدعم اللوائح لا الأفراد، ما يعني أنه يجب عليهم أن يترشحوا ضمن لوائح، كما أنها قالت لهم إنهم لن يتسلموا الدعم المادي مسبقا، بل يجب عليهم أن ينفقوا من أموالهم الخاصة، وبعد ذلك يقومون بتسليم فواتير تثبت ما أنفقوه على حملتهم الانتخابية إلى السلطة، ليتم تعويضهم. هكذا، فإن كل أولئك الذين تم الاتصال بهم من قبل السلطات للترشح، قد اكتشفوا كذب هذه السلطات، وتراجعوا عن التقدم بترشيحاتهم، ما يعني أن هذا قد يؤدي إلى رفع نسبة المقاطعة في هذه الانتخابات بسبب نقض السلطة لوعدها .

 

يدل كل ذلك على أن الانتخابات الجزائرية  ملتبسة ومشكوك فيها، بل إنها تثير الشبهات، ما جعلها غير شرعية، فحكم عليها الشعب الجزائري وعلى نتايجها بأنها ستكون مزورة.

فضلا عن ذلك، هناك عبارة، متداولة بشكل واسع، على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر، تقول: "عندما تتقدم إلى الانتخابات، التي تم بسببها سجن مواطنين، فلا علاقة لك بالمواطنة، ولا بالسياسة، ولا بالانتخابات، بل إنك مجرد بيدق في لعبة لا تفهمها".

 

يبدو أن هذه العبارة واضحة تمام الوضوح، لأنه عندما يتم اعتقال المواطنين بسبب رفضهم لانتخابات يعلمون مسبقا أنها ستكون فاسدة ومزورة، حيث إن قانون الانتخابات الجزائري الحالي قد تم وضعه بخلفية تكريس تزوير الهياكل المنتخبة، التي ستكون فارغة، كما أنه لن يتم تشكيل "البرلمان" من قوى سياسية، حيث يعمل الجنرالات عل تشكيله من أغلبية من "المستقلين"، لا انتماء سياسي لهم، ما يعني أن هذا "البرلمان" سيكون فقيرا فكريا، لأنه لن يكون مؤهلا لتطوير مشاريع سياسية، ولا اقتصادية، ولا اجتماعية، ما سيصيب الجزائر بالعقم، الذي سيضربها بالجفاف في جميع المجالات..

 

قد يقول قائل : إنه من حق المستقلين أن يترشحوا للانتخابات، لكن ليس من الديمقراطية في شيء أن يتحولوا إلى أغلبية تهيمن على المؤسسة التشريعية، حيث يمكن أن يكون عددهم قليلا، ما لا تتحول معه "المؤسسة التشريعية" إلى مجرد مقهى عمومي، أو جمعية رياضية، لا طعم لها، ولا رائحة. وإذا تأملنا في تشكيلات البرلمانات في البلدان الديمقراطية، نجدها أنها مكونة من قوى سياسية متعددة تمنحها حياة سياسية فعلية، تنعكس إيجابا على المجتمع بأسره، ما يستلزم أنه لابد أن تتشكل أغلبية أعضاء البرلمان من قوى سياسية.

 

ويدل تشكيل البرلمان من أغلبية "مستقلة" على أن هؤلاء "المستقلين" ليسوا مرتبطين بأي حزب سياسي، علما أنهم مرتبطون في الجزائر بالجنرالات ومخابراتهم، حيث لا يمكن أن يكون أحدهم عضوا في البرلمان الجزائري بدون أي ارتباط بالجنرالات، أو مخابراتهم. ويعني هذا أن الجنرالات وأعضاء مخابراتهم يتحكمون في البرلمان وكل "المؤسسات" الأخرى، حيث يديرون الحياة السياسية عن بعد. وهذا دليل على أن الجنرالات قد تحولوا إلى حزب سري يمسك بخيوط "المؤسسة البرلمانية" و"المؤسسات" الأخرى ويحركها جميعها في الخفاء بما يخدم إرادة العسكر وطموحاتهم ومصالحهم... وبذلك، فإن الجنرالات سيديرون "البرلمان" سريا، حيث يختفون وراءه، ولا يظهرون في الصورة. وهذا ما دفع بعض المتتبعين الجزائريين إلى اعتبار ذلك بكونه تجسيدا لمنتهى الجبن والمكر والتدليس...

 

وإذا كان الجنرالات سيحركون البرلمان من وراء حجاب، فإن هذه "المؤسسة" ستفقد دلالتها، لأن ذلك سيفرغ الحياة السياسية في الجزائر من مضمونها، حيث ستفقد كل الأشياء جدواها، ويتم إفراغ السياسة من كل معانيها، كما أن "البرلمانيين" سيتحولون إلى مجرد أدوات، أو إلى مخلوقات لا تفكر، ولا تحس، ما سينزع عنهم إنسانيتهم، ويحرمهم من المواطنة، حيث يتحولون إلى مجرد أدوات في يد غيرهم، أو عبيد في كنف أسيادهم الجنرالات...

 

تبعا لذلك، فإن الحياة السياسية ستفقد معناها الإنساني، لأنها ستتحول إلى ممارسة بدون فكر، ولا وجدان، ولا قيم، ما يؤكد أنها ستكون مناهضة لكل ما هو إنساني، حيث ستنتج العنف، الذي قد يفضي إلى تدمير البلاد والفتك بالعباد...

 

علاوة على ذلك، فقد قام الجنرالات بتزوير هوية "إبراهيم غالي"، حيث قاموا بتسفيره إلى إسبانيا بأوراق مزورة، كما أنهم زوروا ملامحه، حيث صبغوا شعره، وقاموا بحلق شواربه من أجل ألا ينتبه إليه أحد. ولم يتوقف تزويرهم عند هذه الواقعة، التي فضحتهم أمام العالم، فتأكد للعالم أجمعه أن حكام الجزائر مزورون... فقد تورطوا في نقل التزوير إلى الساحة الإفريقية، حيث بعثوا المدعو "جمال بوراس" إلى المشاركة في مجلس البرلمان الإفريقي لمساندة مرشح "الزيمبابوي" ليتم انتخابه رئيسا لاتحاد البرلمانيين الأفارقة. ونظرا لان البرلمانيين الأفارقة يعلمون أنه قد تم حل البرلمان الجزائري، حيث أثارهم حضور هذا الشخص، فأدركوا أن الأمر يتعلق بمحاولة تزوير انتخاب الرئيس، ما جعل مجموعة من البرلمانيات الإفريقيات تنتفض ضده، فتم طرده من قاعة هذا الاجتماع، ما شكل حجة على بداية انهيار الحضور الجزائري في الساحة الإفريقية، حيث أدرك الأفارقة أن حكام الجزائر لا يمكن الثقة فيهم، لأنهم مجرد مزورين يجب الحذر منهم...