الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد بوبكري: المغاربة متشبثون بسيادة بلدهم حتى الموت

محمد بوبكري: المغاربة متشبثون بسيادة بلدهم حتى الموت محمد بوبكري
عندما نتأمل في العلاقة السائدة اليوم بين المغرب والقوى الاستعمارية التقليدية الأوروبية نجد أنها تراوح بين البرود والتوتر، في حين تطمئن هذه البلدان إلى النظام الجزائري أكثر من اطمئنانها إلى المغرب... وهذا ما يفرض علينا تسليط الضوء هذه العلاقة لفهمها، إذ لها أسباب ينبغي الكشف عنها لمعرفة كيفية التعامل مع هذه الدول الاستعمارية التقليدية، التي يتضح يوما بعد يوم أنها تريد عرقلة تطور المغرب وتقدمه... ولفهم ذلك، ينبغي الرجوع إلى التاريخ، لأنه السبيل الوحيد الذي يساعدنا على إضاءة ما يجري اليوم من برود وتوتر في العلاقة بين المغرب وهذه البلدان الاستعمارية.
يكاد يجمع المؤرخون على أن الدولة المغربية ممتدة في التاريخ، كما أن جذورها راسخة فيه، الأمر الذي جعل القوى الاستعمارية التقليدية الأوروبية تعقد "مؤتمر الجزيرة الخضراء" لتقسيم المغرب، لأنها كانت مقتنعة آنذاك أن ذلك هو السبيل الوحيد للتحكم في تطوره واغتيال طموحاته للحيلولة دون تقدمه، والقضاء على إمكانية نهوضه، لأنه يمتلك في عقله ووجدانه قوة دفع تاريخية يمكن أن تجعل منه قوة منافسة لها. ومنذ ذلك الحين، وهذه القوى الاستعمارية تتخذ الحذر من المغرب، حيث كلما ظهرت بوادر نهضته، إلا وهبت للعمل على كبح انطلاقته. ويعود سلوك هذه القوى الاستعمارية إلى إدراكها أن للمغرب طموحات وإمكانيات، كما كانت له مساحة شاسعة، ما جعل هذه القوى ترى أنه يستوجب عليها الحيلولة دون استرجاع وحدة كيانه كاملة، لأن ذلك قد يشكل مقدمة لانبعاثه ونهوضه في اتجاه تحقيق طموحاته. لذلك، فإنها تنظر الى المغرب باعتباره طاقة قد تكون منافسه لها مستقبلا، ونجدها تعمل على توحيد جهودها لعرقلة نهوضه عبر افتعال مشاكل له يمكن أن تجره إلى الخلف وتغرقه في دوامة من الصراعات الإقليمية تحول دون نهضته، التي تعتقد هذه القوى أنها ستهدد مصالحها، لأنها ستجعل المغرب منافسا لها، الأمر الذي ترفضه. كما أن بعض هذه القوى الاستعمارية قد انخرطت مؤخرا في تحالفات مع دول مجاورة للمغرب بغية جره إلى مشاكل مفتعلة قد تشغله عن اهتمامه بذاته، وبتنمية قدراته ومؤهلاته، وذلك من أجل عرقلة تطوره ونموه، وانفتاحه على محيطه الإفريقي الذي شرع في الانفتاح عليه بهدف التعاون معه، لا بهدف استغلاله كما تفعل هذه القوى الاستعمارية، لأن فلسفة وسلوك المغرب في التعامل مع محيطه الإفريقي يختلف جذريا عن منظور وسلوك هذه الاستعمارية التقليدية، التي تهدف إلى الاستغلال البشع لأفريقيا، لا إلى التعاون معها، وتنمية طاقاتها...
لذلك، عندما قرر المغرب الإفريقي الانفتاح على محيطه الأفريقي، أنشأ بنوكا مغربية في مختلف البلدان الأفريقية، وأسس منشآت اقتصادية في كل "أنغولا" و"نيجيريا" و "إتيوبيا" و"كينيا"... فضلا عن ذلك، فقد شيد المغرب ويخطط لبناء موانئ كبيرة، وتوغل في صناعة السيارات التي يجني منها تسعة مليار دولا سنويا...
أضف إلى ذلك أن الخضر والفواكه المغربية قد أصبحت تنافس المنتوجات الفلاحية الإسبانية في السوق الأوروبية. وإذا أضفنا إلى ذلك ما يمتلكه المغرب من ثروات بحرية، فإن ذلك يفسر تحالف إسبانيا مع الجزائر لعرقلة تقدم المغرب وإضعافه اقتصاديا... لكن أنى لهما أن تنالا من عزيمة المغرب وإرادته... 
عندما نقارن موقف. هذه القوى الاستعمارية من المغرب ونظام الجنرالات في الجزائر، فإننا نجد أنها تفضل النظام الجزائري، لأنها تعتقد أنه سيظل تحت سيطرتها، لأنه يمكنها من استغلال خيرات الجزائر بأثمنة بخسة، وسيظل زبونا لها في مجال ما تتطلبه الحياة اليومية من مواد أساسية، وكذا في مجال التسلح. كما أنه لا يمتلك أي طاقة، ولا رؤية، تجعلانه منافسا لها مستقبلا. فجنرالات الجزائر يستوردون الحبوب من فرنسا، رغم أن الجزائر بلاد شاسعة ولها فرشة مائية تقدر بعشرات المليارات المكعبة، ما يؤهله لإنتاج ما يكفي العالم من القمح، لكن حكامها لا يملكون الرؤية والإرادة لتحقيق ذلك... لهذا، فقد بدأت تنظر هذه القوى الاستعمارية إلى المغرب بكونه يسلك طريقا تجعل منه منافسا حقيقيا لها. وهذا ما جعلها تعمل على بقاء المغرب غارقا في المشاكل الناجمة عن مخلفات استعمارها له، وذلك حتى لا ينهض من جديد.
وما يحصل اليوم من برود وتوتر في العلاقات بين المغرب وهذه البلدان الاستعمارية ناجم عن استمرار هذه البلدان في التمسك بالعقلية التي تحكمت فيها أثناء تقسيمها للمغرب في "مؤتمر الجزيرة الخضراء" ...
وجدير بالذكر أن المغرب متشبث بسيادته، التي لا يمكن أن يتنازل عنها مهما كلفه ذلك من ثمن. وهذا ما يجعله مختلف جذريا عن النظام العسكري الجزائري، حيث صرح "وزير الخارجية الجزائري صبري بوقدوم"مخاطبا وزيرة الخارجية الإسبانية قائلا لها: "يمكنك أن تتحدثي باسمي وباسم الجزائر"، ما يفيد أنه يتنازل عن سيادة بلده لصالح إسبانيا، حيث إن مايهمه هو هزيمة المغرب، ولو كان ذلك مقابل التنازل عن السيادة الجزائرية. لكن، وعلى العكس من ذلك، لا يوجد مسؤول في المغرب يستطيع قول ما قاله هذا "الوزير"، لأن مفهوم "السيادة الوطنية" عند المغاربة مفهوم مقدس لا يعلو عليه أي شيء. كما أن المغرب لا يرغب في معاداة الجزائر، ولا يحقد عليها، لأن علاقاته الخارجية تنهض على مبادئ التعاون المربح للجميع، وأنها تقوم على التعاون المثمر، لا على صنع الأعداء؛ فالمغرب لا يريد أن يكون له أعداء. لذلك، فإن انفتاحه على محيطه الأفريقي قائم على التعاون، لا على الاستغلال، وينهض على صيانة سيادة الدول أفريقيا، وينأى بنفسه عن إلحاق الضرر بسيادة أي بلد من بلدان المعمور.
فضلا عن ذلك، لما كان رجل الأعمال الجزائري "علي حداد" في زيارة إلى الصين خاطب رجال الأعمال الصينيين قائلا لهم: تعالوا إلى الجزائر، حيث يوجد المال والنساء".
علاوة على ذلك، فمن المعروف أن المدير السابق للمخابرات الفرنسية "إيف بوني" قد أمر "سعيد شنقريحة" بالسماح لعميل فرنسا "الجنرال خالد نزار" بالعودة إلى الجزائر، ففعل "شنقريحة" ما طلبه من "إيف بوني" الذي كان حريصا على عودة "خالد نزار" إلى الجزائر ليظل عينا لفرنسا على ما يجري هناك.. لذلك قام" شنقريحة" بضرب السيادة الوطنية، فألغى أحكام القضاء الصادرة في حق "نزار" وعصابته، ما أكد أن جنرالات الجزائر قادرون على مقايضة السيادة الوطنية بالبقاء في السلطة..
عند نتأمل سلوك "الجنرال سعيد شنقريحة" وكلام كل من "بوقدوم" و"علي حداد"، نفهم منه أنهم لا يمتلكون مفهوم "الوطن"، ولا مفهوم "المواطنة"، ما جعلهم لا يحترمون الجزائر والجزائريين، ولا يدركون فتيلا في مفهوم "الدولة"، حيث دفعهم جهلهم إلى الحط من الجزائر والجزائريين معا. وبذهابنا بعيدا في التحليل، نكتشف أن لجنرالات الجزائر نزعة قبلية بدوية جعلتهم يحقدون على المغرب، حيث يؤمنون أن الحياة إلى جانب المغرب والتعايش معه مستحيلان، علما أن المغرب يقبل بجوارهم وبالتعاون معهم، ويرفض أن يلحقهم الأذى...