الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

كريم مولاي : لا تصدقوا انتخابات الجزائر.. إنها ثمرة تضليل وتزوير

كريم مولاي : لا تصدقوا انتخابات الجزائر.. إنها ثمرة تضليل وتزوير كريم مولاي
لم يعبأ حكام الجزائر بكل الأصوات الوطنية التي تم رفعها خلال العامين الماضيين من أجل حوار وطني حقيقي يخدل العسكر إلى ثكناته، ويحرر السلطة من قبضته التي أقعدت الجزائر عن لعب دورها كدولة أولا، ثم كقوة إقليمية تمتلك من مقومات الفعل الحضاري الكثير.
وتستمر فصول المسرحية الهزلية التي يسمونها انتخابات، وهي في الحقيقة لا تعدو أن تكون إخراجا سيئ الصنع لإشغال الرأي العام الوطني وتضليل الرأي العام الدولي بأن في الجزائر انتخابات وصناديق اقتراه ورأي عام يحترم، وهي ادعاءات يعرف كل من يتابع الشأن الجزائري، أنها مزاعم لا علاقة لها بالواقع لا من قريب ولا من بعيد، وأن المشهد مرتب بشكل مسبق من جهات أصبحت مع الأيام مكشوفة للعيان.
كنت واحدا من الذين انتبهوا مبكرا إلى أن ما أنجزه الحراك لجهة وقف العهدة الخامسة للرئيس المريض عبد العزيز بوتفليقة، لم تكن هي الهدف المطلوب من أي حراك، وأن التغيير يستوجب خطوات أكثر جرأة وشجاعة، من خلال حوار وطني جدي يشارك فيها الجميع، وتشرف عليه هيئة تأسيسية منتخبة من الشعب مباشرة، ترسم خارطة انتقال ديمقراطي حقيقي..
لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فقد تمكنت عصابة الحكم من استغلال الحراك وتوظيفه في تصفية حسابات بين أجنحة الفساد، التي ما تزال تخنق الجزائريين، وتحول دون تقدمهم في أي مجال يذكر..
أشعر بكثير من الحزن حقيقة، وأنا الذي خبر دهاليز المخابرات الجزائرية، عندما أشاهد المعارك الانتخابية، والأموال التي تصرف على مهرجانات هي أقرب لإهدار المال العام منها إلى فعل سياسي حقيقي، ويزداد حزني عندما أسمع لبعض السياسيين ممن كان الأصل فيهم أن يقولوا كلمة حق أو أن يلوذوا بالصمت، وهم يروجون لوهم التغيير في ظل المنظومة الحالية..
لم أجد شبيها للانتخابات التي يروج لها قادة النظام الحاكم في الجزائر، إلا الانتخابات الرئاسية التي جرت في سوريا مؤخرا، وأعادت انتخاب قاتل ومشرد أكثر من نصف شعبه بنسبة 95%، في أكثر التطورات مأساوية في المشهد السياسي العربي..
إلا أن المرء حين يراجع نفسه إزاء هذه الأنظمة، التي استمرأت الكذب والتضليل والتآمر على مصالح شعوبها، لا يستغرب منها مثل هذه الأساليب، إذ كيف سيثق الإنسان بنظام قتل وشرد وأخفى أكثر من نصف مليون جزائري في عشرية دموية أنهت تجربة ديمقراطية فريدة مطلع تسعينيات القرن الماضي!
ولك أن تتخيل عزيزي القارئ، أن نظاما يأوي ميليشيات عسكرية مناوئة لدولة جارة، هي المغرب، وحين يعجز عن علاج زعيمها يعطيه جواز سفر باسم مضلل ويرسله إلى إسبانيا للعلاج، قبل أن تكتشف الديبلوماسية المغربية الأمر، وتطالب السلطات الإسبانية بالتوضيح قبل أن تدخل العلاقات بين الرباط ومدريد أزمة لازلنا نتابع فصولها..
كم هو مؤلم في زمن تحتاج فيه الشعوب إلى المصارحة والشفافية والتضامن من أجل مواجهة التحديات الاقتصادية والصحية والأمنية، أن تجد دول نفسها مختطفة بيد عصابات لا تخجل من فعل أي شيء من أجل أن تظل على صدور هذه الشعوب المستضعفة..
فصل الانتخابات التشريعية في الجزائر، الذي يجري في ظل هيمنة العسكر، ليس إلا محطة أخرى في مسار التزييف والتزوير والخداع، الذي ظلت هذه العصابة تمتهنه بحق الجزائريين، ولن يكون له أي أثر على الأرض، سوى أنه سيكرس القطيعة بين هذا النظام والشعب قبل أن يزيد من تعميق الهوة بينه وبين محيطه الإقليمي..
 
كريم مولاي، خبير أمني جزائري