الجمعة 29 مارس 2024
اقتصاد

من المسؤول عن إجهاض التسوية القانونية لأراضي سيدي بوزكري بمكناس؟

من المسؤول عن إجهاض التسوية القانونية لأراضي سيدي بوزكري بمكناس؟ مشهد من احتجاجات الوحدات الصناعية والتجارية بسيدي بوزكري بمكناس
تعيش منطقة سيدي بوزكري بمكناس على صفيح ساخن، فبعد مرور أزيد من 7 أشهر على التسوية العقارية للمنطقة السكنية المسماة " المنطقة ألف " والتي مكنت مستغلي العقارات المتواجدة في الأحياء السكنية ( 13 حيا ) من الاستفادة من عملية التمليك، حيث اتخذ قرار التسوية العقارية أو التمليك مقابل 100 درهم، ليسدل الستار على قضية وملف اجتماعي ساخن شهد أحداثا صعبة بلغ صداها الإدارات والمؤسسات المركزية، عاد الملف من جديد إلى الواجهة، وبالضبط في المنطقة باء المسماة بمنطقة الأنشطة الاقتصادية والتي تضم عددا من المستودعات والوحدات الإنتاجية والخدماتية والتجارية.
وتبلغ المساحة الإجمالية لأراضي سيدي بوزكري 596 هكتارا. سُميت بلقب ولي صالح عاش في عهد السلطان مولاي إسماعيل، تقول الروايات المتداولة هنا بمكناس إن السلطان منحها له لمكانته العلمية.
ويطالب أرباب الوحدات الصناعية والتجارية نظارة الأوقاف بتملكيهم العقارات الواقعة تحت استغلالهم (280 هكتار ) ( ما يفوق 300 وحدة نتاجية صناعية تشغل 3400 من اليد العاملة ) والتي سبق لنظارة أوقاف مكناس أن التزمت بها بمقتضى الاتفاقية الموقعة مع عدد من الأطراف ( ولاية جهة مكناس- تافيلالت سابقا، عمالة مكناس، جماعة مكناس، مؤسسة العمران، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ) وكان من المرتقب أن تنطلق عملية التسوية القانونية للمنطقة باء، بعد انتهاء عملية تسوية المنطقة السكنية، لكن يبدو أن التعثر أضحى سيد الموقف، في ظل الصمت المطبق لمختلف الجهات المتدخلة في هذا الملف الشائك، علما أن الوحدات الصناعية والتجارية بسيدي بوزكري قامت بمسح طبوغرافي للمنطقة باء وضعته رهن إشارة السلطات المحلية .
وبدل أن تبادر الجهات المتدخلة في هذا الملف إلى الدعوة إلى طاولة للحوار تمهيدا لانطلاق عملية التسوية التي يرتقب أن تمكن وزارة الأوقاف من جني مداخيل تقدر بأزيد من 90 مليار سنتيم، فوجئت الوحدات الصناعية بدعاوى قضائية تطالبها بالإفراغ من طرف نظارة الأوقاف بمبرر التماطل في تسديد الواجبات الكرائية أو بدعوى مراجعة السومة الكرائية، وهو الأمر الذي اعتبرته انتهاكا لمضامين الاتفاقية الموقعة ولمحضر الاتفاق الموقع بمقر عمالة مكناس بتاريخ 18 فبراير 2018 ، وهو المحضر الذي يتضمن اعتماد التوزيع المقترح من طرف شركة العمران الذي يتضمن 16 وعاء عقاري مع عرض الملف على أنظار لجنة مختصة تم تشكيلها لهذا الغرض في أجل أقصاه 18 مارس 2018، كما تم التأكيد من خلال المحضر على الشروع مباشرة بعد المصادقة على التقسيم في إعداد تصاميم إعادة هيكلة والملفات التقنية من أجل استخراج الرسوم الفردية لكل بقعة.
كما تم الاتفاق مع ناظر مكناس على وقف مسطرة رفع دعاوى جديدة تستهدف الإفراغ أو مراجعة السومة الكرائية باستثناء تتبع القضايا الرائجة، وهو الأمر الذي لم يتحقق لحدود، فهل هذا المعطي يشير إلى تراجع نظارة الأوقاف بمكناس عن الالتزام بمضامين الاتفاقية والتي وقعت في خضم أحداث حراك 20 فبراير 2011 وما عرفته من مشاهد ساخنة لم تخلو من مآسي وأحداث عنف..؟ !
سؤال مؤرق قادنا للقاء جواد مهال، رئيس جمعية النور للوحدات الصناعية والتجارية والأراضي الفلاحية والذي أكد لجريدتي " أنفاس بريس" و" الوطن الآن " أن الغموض يظل سيد الموقف، مبديا امتعاضه من توصل الوحدات الصناعية والتجارية بمراسلات من نظارة الأوقاف بمكناس من أجل أداء الوجيبة الكرائية المتراكمة لا تتعدى مدتها ثلاث أو أربع أشهر داخل أجل 8 أيام، مع العلم أن أصحاب هذه الوحدات كانوا يؤدون الواجبات الكرائية داخل أجل ثلاث إلى أربع سنوات في السنوات السابقة، دون أن يسأل عنهم أحد، بل إنه – يضيف- حتى ولو وافقت هذه الوحدات على أداء ما في ذمتها من واجبات كرائية لنظارة الأوقاف فإنها لا تجد من يتسلم منها هذه الأموال بذريعة عدم التوصل بالكناش الجديد وأحيانا بمبرر سفر القابض، وكل هذا من أجل التمهيد لانقضاء أجل 8 أيام والذي ستعقبه دعوى قضائية تطالب بالإفراغ، وهي كلها " مناورات يندى لها الجبين " - يضيف مهال.
وأوضح محاورنا أن مكتب جمعية النور قرر عقد لقاء مع ناظر مكناس من أجل الجلوس إلى طاولة الحوار، لمعرفة مدى ايمانه بالاتفاقية التي تم توقيعها بتعليمات ملكية، ومن أجل ترسيم هذا اللقاء، قدم طلبا إلى رئيس المحكمة الابتدائية من أجل تمكين الجمعية من عون قضائي، وهو الطلب الذي حظي بموافقة رئيس المحكمة، لكن عند ذهاب مسؤولي الجمعية رفقة العون القضائي إلى مقر نظارة مكناس فوجئوا بجواب الكاتبة بكون ناظر الأوقاف غير موجود، فكان جوابهم بأنهم من الممكن أن ينتظروه، لكنها أجابت بأنه من الممكن أن يتأخر في الحضور بالنظر لوجود بعض الالتزامات ، فقام العون – يضيف مهال- بتمكينها من رقمه الهاتفي مع تأكيده على أنه سينتظر اتصاله إلى غاية الثالثة بعد الزوال من نفس اليوم، دون أن يتلقى أي اتصال، علما أن الزيارة تمت في حدود الساعة 10 صباحا.
فما الذي يخفيه ما حدث ؟ وهل يؤشر ذلك إلى أن الملف سينحو نحو خيار التصعيد والتوتر بين الأطراف؟ وما موقف عامل مكناس باعتباره رئيس لجنة الإشراف والتتبع بمقتضى الاتفاقية اذا استحضرنا أن التسوية القانونية لأراضي سيدي بوزكري الممتدة الأطراف انطلقت عمليا منذ سنوات طويلة وقبل شروع نظارة أوقاف مكناس في المنازعات القضائية بهذه المنطقة أواخر التسعينيات من القرن الماضي ؟
بعض المصادر أشارت لـ" أنفاس بريس" و " الوطن الآن " أن نظارة الأوقاف بمكناس عاينت وهي تحاول النبش في هذا الملف الشائك، معطى وجود ما يفوق 7000 وحدة سكنية، وما يفوق 300 وحدة انتاجية صناعية وكلها تستند على وثائق رسمية ( سجلات تجارية، عقود للربط بشبكة الماء الصالح للشرب والكهرباء، عقود للربط الهاتفي، شبكة للتطهير السائل.. ) بل الأكثر من ذلك إقامة مقرات لإدارات عمومية ( مقر جماعة مكناس، مقر جماعة الزيتونة سابقا، مستوصفات، مدارس، المقاطعة 16، المقاطعة 17..) فوق أراضي الأوقاف والتي لم تكن حسب المصادر سوى أوقاف معقبة لصالح ورثة سيدي بوزكري قبل أن تكتسي صبغة الوقف العام استنادا على حكم قضائي للمجلس الأعلى.
تساؤلات قادتنا إلى تعميق البحث في هذا الملف، حيث أكدت لنا مصادر موثوقة أن نظارة الأوقاف بمكناس لم تتراجع أبدا عن تفعيل الإتفاقية المتعددة الأطراف لتسوية ملف سيدي بوزكري، مضيفة بأن لها إرادة قوية لتسوية الملف وفقا للمساطر القانونية.
وأشارت المصادر أن لجنة التتبع برآسة عامل مكناس تتابع الملف ومنكبة على تمكين المستفيدين المتوفرين على الشروط القانونية المدرجة في الإتفاقية من الاستفادة من تمليك البقع الأرضية التي يحتلونها.
وفي ما يتعلق بالتسوية القانونية للأراضي التي تستغلها الوحدات الصناعية والتجارية أشارت المصادر ذاتها أن تقسيم الرسم العقاري عدد 4650/ ك لثلاث مناطق دليل على كون إرادة أطراف الاتفاقية كانت تسير في منحى عدم التسوية القانونية لفائدة الوحدات الصناعية والتجارية، وبالتالي بقائها ضمن الأملاك الوقفية، وذلك لاعتبارات واقعية أهمها كون المنطقة ألف عبارة عن منطقة سكنية أغلب سكانها ينحدرون من أسر فقيرة، أما المنطقة باء فهي عبارة عن مستودعات تابعة للوحدات الصناعية والتجارية.
وأضافت أن نظارة الأوقاف بمكناس تتوفر على الرسم العقاري للأراضي المستغلة من طرف الوحدات الصناعية والتجارية والذي يعد سندا للملكية، وهو نهائي ولا يقبل الطعن، فضلا عن كونه وقف عام وفق المادة 51 من مدونة الأوقاف وهو ما قضت به المحاكم بمختلف درجاتها بأحكام قطعية حائرة قوة الشيء المقضي به، يخضع لتفويته للمقتضيات القانونية المنصوص عليها في مدونة الأوقاف وفق مسطرة طلب العروض – تشير نفس المصادر .