الجمعة 29 مارس 2024
منبر أنفاس

عزيز العويسي: سبتـة المحتلـة

عزيز العويسي: سبتـة المحتلـة عزيز لعويسي
ليس القصد من هذا المقال، التأكيد على "مغربية" سبتة أو مليلية المحتلتين أو غيرهما من الجزر، لأن ذلك حقيقة تاريخية تزكيها الجغرافيا التي لايمكن أن يحجبها أو يتستـر عليها، إلا بعض خصوم وأعداء الوطن في الشمال الذين لم يتخلصوا بعد من مرض الزمن الاستعماري البائد، وفي الشرق ، ونخص بالذكر "آل بطوش" الذين بات المغرب "كابوسهم المزعج"، وليس الهدف أن نبادل الجيران الشماليين الصاع بالصاعين، ردا على استقبالهم للزعيم المغضوب عليه "محمد بن بطوش" بجواز سفر مزور وبهوية كاذبة، في مؤامرة رخيصة وحقيرة، رجحت كفة "الغاز البطوشي" على حساب المصالح العليا والاستراتيجية لجار وشريك استراتيجي من حجم المغرب، أو نركب على صهوة التصعيد، احتجاجا على التصرفات غير المسؤولة للحكومة الإسبانية التي باتت فاقدة للبوصلة تماما، وهي تضع يدها في يد جيران السـوء، الذين نجحوا في "تسميم" العلاقات بين الرباط ومدريد، بعد أن أحسنوا إخراج مسرحية "بطوشية"، عبرت عن مؤامرة قذرة، عكست وتعكس درجة انحطاطهم وعمق خبثهم وحدة عدائهم الخالد لأرض الشرفاء والأولياء والصالحين، ولمغرب اللقاء والحوار والحضارة والتاريخ العريق .
قصدنا وهدفنا من هذا المقال، أن نوجه البوصلة بأكملها نحو موفدة قناة "شوف تي في" إلى مدينة سبتة المحتلة لتغطية ما شهدته المدينـة من نزوح غير مسبوق لمجموعة كبيرة من مرشحي الهجرة غير النظامية، ويتعلق الأمر بالصحافية "فاطمة الزهراء رجمي" التي تم اعتقالها يوم الجمعة الماضي من قبل "كومندو مسلح"، وهي بصدد التأهب للعبـور للجزيرة الخضراء لتغطية وقفة احتجاجية لمغاربة ضد استقبال إسبانيا لزعيم عصابة البوليساريو، قبل أن يتم إخلاء سبيلها من المحكمة بعد ساعات "في الجحيم" من الاستنطاق والتحقيق، لم تخل من ممارسات الإهانة والاستفزاز والترويع والتهديد والتحقير والتجويع - حسب تصريحات المعنية بالأمر -، في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ولشروط وظروف المحاكمة العادلة، التي تقتضي أبجدياتها إيقاف المشتبه فيها واطلاعها فـورا على المنسوب إليها ومنحها الحق في الاتصال بمحام والتواصل مع عائلتها، وتمتيعها بظروف اعتقال وبمعاملة لائقة تصان فيها الكرامة الإنسانية، وفي اعتداء صريح على الصحافة التي تعد "حرية التعبير" خيطها الناظم.
وإطلاق سراح الصحافية "فاطمة الزهراء" بعد ساعات طوال من الإهانة والتحقير، معناه من الناحية الموضوعية، أنه لم تكن هناك جريمة أو قضية تستدعي اعتقالها بطريقة استفزازية أو التعامل معها بمعاملة بلغت فيها الإهانة مداها، وحتى لو افترضنا أن هناك جريمة أو قضية موضوع شكاية ما، كان يفترض احترام سلطة القانون وصون حقوق الإنسان والتقيد بشروط المحاكمة العادلـة، مما قد يفسر حسب ما ورد عنها من تصريحات، أن عملية الإيقاف وما ترتب عنها من إهانة، كانت بسبب أداء واجبها المهني، عبر تغطية الأحداث المتسارعة داخل المدينة المحتلة بسبب ما شهدته من نزوح غير مسبوق لشرائح واسعة من مرشحي الهجرة السرية، كان لابد من رصد ظروفهم وخاصة طريقة معاملتهم من قبل السلطات الأمنية داخل سبتة المحتلة، وكانت بشكل خاص بسبب ترديدها لعبارة "سبتة المحتلة" أثناء تغطيتها المباشرة للأحداث الجارية.
ومن باب الموضوعية، وفي ظل عدم إلمامنا بالحقيقة الكاملة، وخاصة بالظروف التي عجلت باعتقال الصحافية المغربية واقتيادها إلى القضاء في حالة اعتقال، فإن المعطيات التي أفادت بها المعنية بالأمر، يفهم منها أن عملية الاعتقال جاءت كرد فعل سريع لما صدرعنها من تصريحات كررت من خلالها عبارة "سبتـة المحتلـة"، وما يزكي هذا الطرح، ما تعرضت له - حسب ما صدر عنها من إفادة - من إهانة وتحقير وتضييق وتهديد وترويع وكأنها متورطة في جريمة إرهابية، واعتقالها وتصفيدها ووضعها رهن تدبير الحراسة النظرية دون اطلاعها على سبب الاعتقال وعرضها على القضاء، دون أن يتم تلقي تصريحاتها في محضر قانوني، وإخلاء سبيلها بعد ساعات طوال من الاستنطاق والتحقيق، فضلا عما تعرضت له ذات الصحافية - حسب إفادتها دائما - من هجوم ومضايقات من قبل بعض المقيمين داخل سبتة المحتلة الذين نندوا بترديدها لعبارة "سبتة المحتلة"، مما يعني أنه لم يكن هناك أي مبرر مشروع لفعل الاعتقال، وأن ما حدث من اعتقال تعسفي كان من باب الانتقام بسبب ما قامت به الصحافية من فضح للأحداث داخل الثغـر المحتل ومن ترديد لعبارة "سبتة المحتلة".
ما حدث مع الصحافية "فاطمة الزهراء"، بقدر ما هو مقلق ومستفز للمغاربة وخاصة للجسم الصحافي الوطني، بقدر ما نراه أمرا عاديا واعتياديا، لدولة تورطت في فضيحة كبرى، وهي تستقبل مجرما ملاحقا من قبل القضاء الإسباني، باستعمال جواز سفر مزور، في مؤامرة مفضوحة شكلت انتهاكا جسيما لسلطة القانون والقضاء ولحقوق الإنسان وللقيم الحقوقية والديمقراطية التي يقوم عليها الاتحاد الأوربي، وهذا يضعنا أمام دولة وبالأخص أمام حكومة إسبانية يمكن أن نتوقع منها أي سلوك طائش أو تصرف متهور، فمن جهـة تستقبل مجرم حرب لأسباب وصفتها بالإنسانيـة، وفي نفس الآن يتطاول إعلامها الرخيص على الوحدة الترابية للمملكة وثوابت الأمة المغربية، وتتمادى سلطاتها الأمنية والعسكرية بالمدينتين المحتلتين في انتهاك حقوق الإنسـان، في تعاملها مع مهاجرين سريين "عزل" يفترض التعامل معهم في إطار احترام الكرامة الإنسانية وما تحفظه لهم القوانين والمرجعيات الحقوقية من حقوق مشروعة، وتتجرأ على اعتقال صحافية "مزعجة" في اعتداء صارخ على حريـة الصحافة.
وفي المجمل، نحن أمام جارة شمالية انكشفت عورتها خاصة بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، لتدخل في حالة من التخبط والارتباك بلغت مداها، باستقبال مجرم حرب بطريقة إجرامية أشبه بما تقــوم به العصابات الإجرامية، مما يفرض علينا كمغاربة المزيد من التعبئة واليقظة والتضامن وطرح الخلافات القائمة بيننا، لأن مصلحة الوطن فوق كل اعتبـار، حتى نكــون على أهبة واستعداد للتصدي لكل المناورات القـذرة لأعداء وخصوم الوحدة الترابية في الشمال كما في الشـرق، أما الصحافة الوطنية، فهي مطالبة بدورها، بالمزيد من الوحدة والتعبئة لمواجهة ما يتعـرض له الوطن من حملات إعلامية مسعورة، تشكل انتهاكا جسيما للصحافة المهنيـة وأخلاقياتها، أما "سبتة" فهي "محتلة" شأنها في ذلك شـأن شقيقتها "مليلية"، وهما يتنفسان أنسام الوطن بحكم التاريـخ والجغرافيا، شاء من شاء وأبى من أبى، وكما نتقاسم نحن المغاربـة حب رمال الصحراء المغربيـة، نتشارك في عشق نسائم المدينتين السليبتيـن المحتلتين، ولن نقول سيرجعان إلى الوطن، لأنهما الوطن والأرض والتراب والحضارة والتاريخ العريق والهويـة المشتركة، وقبل هذا وذاك، هما "الجغرافيا" .. هما "الحقيقة" التي تزعج الخصوم ويرتعــش لها الأعداء، ونختم بالتضامن مع الصحافية المغربية المفرج عنها، ومن أجل الوطـن نحن جبهة واحدة، مهما تعمقت بـؤر الخلاف وتوسعت دوائر الاختلاف.