الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

محمد بوبكري: مؤشرات الحرب الأهلية في الجزائر

محمد بوبكري: مؤشرات الحرب الأهلية في الجزائر محمد بوبكري
يؤكد صدور بلاغ عن وزارة الدفاع الوطني الجزائرية يتهم حركة "الماك" المطالبة باستقلال منطقة "القبائل" أن الجنرالات يدفعون في اتجاه إشعال فتيل نيران الحرب الأهلية في الجزائر. ويعود ذلك إلى عودة الجنرال "خالد نزار" إلى الجزائر، وخروج الجنرال "توفيق محمد مدين" من السجن، اللذان سبق أن خططا للحرب الأهلية التي عرفتها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، التي عرفت تقتيلا جماعيا أرهق أرواح حوالي ربع مليون جزائري، دون احتساب المفقودين... فهذان الجنرالان لا يستطيعان التفكير في قضايا التنمية، وفي المقابل يبدعان في ممارسة العنف والإرهاب والتقتيل الجماعي، واختلاق الفتن... كما أنهما يبرعان في التخطيط للانقلابات والاغتيالات وتلفيق التهم، حيث رموا أفرادا وجماعات بتهمة الإرهاب لزرع الألغام في صفوف الحراك بهدف تفجير وحدة صفوفه المتراصة وإدخاله في صراعات تؤدي إلى تفتيته و إيقافه...
وإذا كان الجنرالات يسعون إلى ضرب الحراك، فإنهم لا يفهمون أنه ضارب بجذوره في أعماق الشعب الجزائري، حيث لم يعد في إمكان أحد إيقافه. فرغم حالة طوارئ الحجز الصحي التي فرضتها جائحة "كورونا"، انتفض الشعب الجزائري من قلب هذه الظروف، ما يؤكد أن استمراره مرتبط بشروطه التاريخية، لا بإرادة أحد، ولا برغبة جهة معينة. لذلك، لا يمكن منع الشعب الجزائري من حراكه، لأنه صار وسيلته الوحيدة التي يعبر بها عن مطالبه، وإرادته السلمية الحرة.
وهناك مؤشرات تمهد للحرب الأهلية في الجزائر منها: 
- أسعار السوق الملتهبة التي تحرق جيوب الجزائريين، الذين كلما خرجوا للتسوق إلا وأحسوا بالجوع يلتهمهم. وقد نجم عن ذلك غضب شعبي كبير يتجلى في انخراط قطاعات البريد والاتصال والصحة والحماية المدنية... في إضرابات، تعبيرا عن احتجاجهم على أوضاعهم المادية والاجتماعية المتردية، لأن رواتبهم الشهرية الهزيلة لا تمكنهم من تغطية نفقات الحاجيات الأساسية لأسرهم الصغيرة. وهذا ما دفعهم إلى المطالبة برفع أجورهم...
إضافة إلى ذلك، يوكد اليوم وجود جزائريين مشردين في مطارات فرنسا، حيث لا تعير الحكومة الجزائرية أي اهتمام بأوضاعهم الكارثية هناك، كما أن هناك مواطنين جزائريين عالقون في ماليزيا وأوكرانيا يعيشون في الأوضاع المأساوية نفسها...
ونظرا لاحتجاج الشعب الجزائري على ندرة العملة في البنوك ومكاتب البريد، فقد طلب "عبد المجيد تبون" شفويا من وزيره الأول "عبد العزيز جراد" أن تقوم الحكومة بسحب المزيد من الأوراق النقدية ووضعها في البنوك، لكن هذا الأخير لم يعر أي اهتمام لكلام "تبون"، لأنه يدل على جهله بالمبادئ الأولية للاقتصاد، ولا يدرك أن المسألة لا تكمن في السحب من عدمه، بل إنها مرتبطة بمستويات النمو، والإنجازات الاقتصادية... فالاقتصاد الجزائري بلغ مستوى خطيرا من التضخم، وإذا تم سحب ملايين الأوراق النقدية بدون نماء اقتصادي جزا ئري، فإن قيمة الدينار ستزداد انهيارا على انهيار، ما يفيد أن الأوضاع ستزداد سوءا...
- رغبة الجنرالات في تغيير أسباب الاعتقال، عبر تحويلها من اعتقالات سياسية إلى اعتقالات في إطار الحق العام، حيث حدث ذلك مع شباب الحراك "محمد تاجديت" و"مالك الرياحي" وآخرين، كما مورس مع شباب حراك "باب الواد" الذين هم أصلا معتقلو رأي، وألصقت بهم تهم الحق العام، لأن الجنرالات تحايلوا على القانون، وغيروا التهم التي اعتقلوهم بسببها، خوفا من ردود فعل الرأي العام الدولي الذي يساند معتقلي الرأي، وينبذ ضرب الحريات، لأنه يعتبر ذلك انتهاكا لحقوق الإنسان...
ويواجه حكام الجزائر الاحتجاج على هذه الوضعية الكارثية بالقمع والاختطاف والتعذيب والاعتقال، التي باتت كلها أساليب غير مجدية، بل إنها تجعل الشعب الجزائري أكثر قوة من ذي قبل، وأكثر إرادة وتصميما وعزما على بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة... وإمعانا في تعنت الجنرالات، فإنهم صاروا مصممين على دفع البلاد في اتجاه مستنقع حرب أهلية قاتلة للشعب والوطن معا...
- ويتمثل المؤشر الثالث في إرادة الجنرالات وأجهزة مخابراتهم العزف على الوتر الجهوي العرقي، حيث قرروا في هذه المرة استبدال العزف على الوتر الطائفي، الذي عزفوا عليه في تسعينيات القرن الماضي، بالعزف على الوتر الجهوي العرقي، بعملهم على خلق صراع بين منطقة القبائل والمناطق الأخرى، الأمر الذي يشكل مؤامرة مقيتة ضد الوحدة الوطنية للشعب الجزائري.
هكذا، فقد صار مؤكدا أن الجنرالات يقدمون خدمات لحركة "الماك" التي تدعو إلى استقلال منطقة "القبائل"، ما لم يكن يحلم به زعيمها " فرحات مهني"، لأنه هو الرابح الأكبر من عزلة هذه المنطقة. تبعا لذلك، فقد كشف الجنرالات عن كرههم للوطن، لأن ما يهمهم هو ذواتهم ومصالحهم، ولو على حساب الكيان الوطني.
وفي حالة تمكن النظام الجزائري من إشعال فتيل الحرب الأهلية، فإنه قد يقوم بعمليات تقتيل جماعي في صفوف " القبائل"، ويحسبها على الصف الذي يسعون يائسين إلى تحويله إلى مناوئ لها، لأن ما يهم الجنرالات هو البقاء في السلطة، ولو على حساب الوحدة الوطنية؛ وتلك مؤامرة على الوطن!! وللتدليل على ذلك، فقد سبق أن قام الجنرالان "خالد نزار" و"توفيق محمد مدين" بمثل هذه العملية الدنيئة خلال "العشرية السوداء" في تسعينيات القرن الماضي، ولن يترددوا اليوم في تكرارها... ولكن ما لا يدركه الجنرالات هو أن أي اعتداء على منطقة "القبائل" قد تنجم عنه ردة فعل قوية من قبل الرأي العام الدولي، لأن موقفهم هذا نابع من نزعة عرقية مقيتة... كما أن قيام الجنرالات بتلفيق تهمة التسليح إلى "الماك"، يفيد أنهم يدعون أهالي المناطق التي تختلف عنه ثقافيا إلى تسليح أنفسهم ضد هذه الحركة، ما يؤكد النوايا الخطيرة اللاوطنية للجنرالات.
فسكان منطقة "القبائل لا يعادون الشعب الجزائري، وليسوا كلهم أعضاء في حركة "الماك"؛ فقد سمعت مؤخرا الأستاذة "نبيلة إسماعيل" تقول: "أنا قبائلية، وأفتخر بأن أكون جزائرية"، والأمر نفسه ينطبق على مواقف وتحليلات المناضل الأستاذ "كريم طابو" الذي عبر مرارا عن تشبثه بسلمية الحراك الشعبي، ونبذه للصراع الطائفي والعرقي، وتمسكه بالوحدة الوطنية التي يرى أن الجنرالات يسعون إلى تفتيتها عبر زرع الألغام داخل المجتمع الجزائري....
وإذا كان الجنرالات يتهمون حركة "الماك" باستيرادها للأسلحة من الخارج، فإن هذا يقتضي طرح السؤال الآتي: كيف استطاعت هذه الحركة استيراد الأسلحة؟ وهل ليست هناك مراقبة على الحدود؟ إن البواخر التي يستعملها الجنرالات لجلب المواد الغذائية من الخارج للمتاجرة فيها داخل الجزائر هي وحدها التي لا تخضع للمراقبة الحدودية، ما جعل المتتبعين للشأن الجزائري من الداخل يستنتجون أن "الكوكايين" وغيرها من المخدرات الأخرى تدخل إلى الجزائر تحت حماية الجنرالات، لأن ما يستوردونه لا يخضع لمراقبة أحد، ما يفيد أن التسلح الذي نُسب ظلما إلى حركة "الماك" هو أصلا من تدبير الجنرالات، ما يشكل مؤامرة مدبرة من قبلهم ضد هذه الحركة.
ولا يجادل أي مؤرخ اليوم في أن منطقة "القبائل" قد قدمت تضحيات جساما من أجل استقلال الجزائر، كما بذلت الكثير من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. لذلك، فإن الجنرالات يكرهون هذه المنطقة، لأنها وقفت دوما ضد مطامحهم في عهد الاستعمار، كما في عهد الاستقلال إلى اليوم، ما جعل بعض الخبراء الجزائريين يفسرون سلوك الجنرالات تجاه منطقة "القبائل" بكونه يعبر عن حقد دفين عليهم، ورغبة في انتقامهم من هذه المنطقة الوطنية المناضلة ضد الاستعمار والظلم والاستبداد والتهميش والإقصاء والتهميش...
تبعا لذلك، يمكن القول إن رغبة الجنرالات في إشعال فتيل الحرب الأهلية في الجزائر يحمل بصمات الجنرالين "خالد نزار" و"توفيق مدين" وأفراد اصابتهما...
وما دام الحراك الشعبي السلمي الجزائري يجسد الوحدة الوطنية ضد إرادة العسكر، فإن المرحلة التاريخية التي تمر منها الجزائر تقتضي من مناضلي الحراك ورموزه أن يعملوا على تمتين الوحدة الوطنية وسلمية حراكها الشعبي ضد العسكر، لأنها تشكل العامل الحاسم في الانتصار على استبداد العسكر وبناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة...