الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

محمد نجيب: بيان وزارة التربية بشأن حالة سعيد ناشيد مكتوب بحبر مستخرج من سم أفاعي

محمد نجيب: بيان وزارة التربية بشأن حالة سعيد ناشيد مكتوب بحبر مستخرج من سم أفاعي محمد نجيب
البيان الذي يتحمل أمزازي، الوزير غير الاسلامي، مسؤوليته تمت صياغته بلغة ادارية قروسطية مشحونة بالحسد وبالحقد الإداري على كل إنسان حر وعصامي ينفلت من الضبط المحبط، بحيث لم يكتف البيان بتقديم وتعليل  قرار العزل، بل مضى الى حد القدف و السعي الى تشويه سمعة مفكر مغربي اكتسب الاحترام والتقدير داخل البلاد وخارجها بفضل بحثه واجتهاده في ميادين  الفلسفة والفكر، واظهاره بمظهر المعلم غير المتمكن وحتى غير الملم بالف باء التربية و الإنسان غير المسؤول والمتهور ...وما إلى ذلك مما يصلح لملء محاضر البوليس بالاتهامات و"تغراق الشقف" ولا يصلح لصياغة بيان ادارة مسؤولة عن تدبير قطاع التربية والتعليم، المفروض ان تكون قد استوعبت اهمية التربية على الحرية وحقوق الانسان بعد العدالة الانتقالية و طي صفحة سنوات الرصاص السابقة، التي نخشى اليوم ان يوجد هناك من يرغب في احيائها وارجاع البلاد القهقرى وفاء لارث الاباء الذين تورطوا في كل ماهو سئ واساؤوا لمواطنينا وعرضوهم للتعديب الجسدي والنفسي وكل اشكال المعاناة التي لم توثق بعد بشكل كامل، وبالاخص فيما يتعلق بشقها المتعلق بتصرف الادارات، ومن بينها ادارة التعليم التي كان بها مكلفون بالتدمير ونشر الظلام.
ومن المثير ان بيان امزازي بمحاولته الاساءة للاستاذ سعيد ناشيد بطريقة خبيثة و بتصرف غير اداري وغير اخلاقي، ومناقض للضوابط القانونية المتعلقة باستعمال المعطيات الشخصية، انما فضح بشكل سافر تكالبا ونزعة انتقامية تورط وزير التربية عبر شهادته الواردة في بيانه وتورط رئيس الحكومة الذي وضع توقيعه ببلاهة سياسية، على افتراض ان توقيعه لم يحركه حقد ابن تيمية على باروخ اسبينوزا، على قرار انتقامي في حق احد مثقفي البلاد المحترمين داخليا وخارجيا.
ذلك ان البيان بتاكيده ان الادارة قامت باعادة الاستاذ ناشيد الى وضعيته السابقة كمعلم في الوسط القروي بعدما تم تكليفه بتدريس مادة الفلسفة، التي يعتبر من المتخصيين والمؤلفين فيها كما تشهد على ذلك كتبه ومقالاته ومداخلاته، يفضح عملا انتقاميا رديئا حركته اياد اثمة تسعى لالحاق الادى بكل من يفكر ويجتهد خارج المنظومتين المخزنية والاسلامية و لا يمكن اخضاعه للرداءة الادارية المحمية بنزعة التسلط. من يعتبر ان هكذا تصرف مع الاستاذ ناشيد عاد بالمعايير الادارية لايمكن ان يكون الا مخبرا في ادارته او خارجها، او متملقا او تابعا للذباب الالكتروني للاسلاميين المعروف انه تعبا دائما للتبليغ عنه بهدف حرمانه من التدوين او اعادة نشر مقالاته في هذا الفضاء الازرق. ذلك ان نقله من موقع الى موقع هكذا وكانه كركوز غرضه الحاق ضرر بليغ به وارباكه ودفعه الى ردود الفعل من اجل استغلالها ضده وايصاله الى وضع التسول كما لم يفت بعض الحاقدين ان يعترفوا بذلك.
البيان يفضح ايضا ممارسة رديئة باتت الادارات المغربية تلجأ إليها عبر استعمال بعض البيادق، ممن وصلوا إلى الدرك الأسفل من الحقارة، للتجسس على التدوينات في مواقع التواصل الاجتماعي بغرض الايقاع بكل من تسول له نفسه في بلاد المخزن ان يفكر بشكل حر ويعبر بشكل حر ويتجاوز هذا الوباء الفكري الراسخ ببلادنا الذي يجعلنا ندور في حلقة مفرغة ونخطئ المواعيد مع التاريخ و نخطو دائما خطوات الى الوراء بعد كل خطوة الى الامام. وهذا ما لا يليق بالدولة المغربية في حالها الحالي، ماقبل الديمقراطي، و لا يتناسب والتزاماتها الدولية التي لاءمت دستورها مع البعض منها، و يسئ الى سمعتها لانها ستعتبر دولة تبث جواسيسها في كل ركن و تتجسس على مواطنيها في كل وقت وحين وفي كل موقع وتقتحم خصوصياتهم بدون استئدان، وهذا ما كان يسم الدول الشمولية التي ارتكبت الفضاعات في حق شعوبها وفي حق الانسانية.
و ذلك فضلا عن ان البيان يخلط بين الخاص والعام ويؤكد ان هناك تصرفا في المعلومات الشخصية التي لا تهم الادارة لامن قريب او من بعيد، واكاد اجزم بان ما اشار اليه البيان هو مشاركة الاستاذ ناشيد في انشطة الاشتراكي الموحد بالدرجة الاولى، ولو شارك مع اخنوش و ضيعته الحزبية لما تجرات الادارة على الاقتراب منه و لتلقى من الوزير تهنئة، ولو شارك مع الزاوية او حزب العدالة والتنمية لرفض رئيس الحكومة التوقيع على قرار العزل ولاعتبر القرار مؤامرة من وزير التربية ضد الاسلام.
البيان يفضح ايضا، وبغباء ليس عليه من مزيد، ان في الوزارة، على الصعيد المركزي، من هم اكثر حقدا على الاستاذ سعيد ناشيد من المسؤولين الجهويين، بحيث لم يرضهم قرار المجلس التاديبي الذي اتخذ بالتوقيف لمدة ثلاثة اشهر، فقرروا، و الوزير مسؤول شخصيا في هذه الحالة، اتخاذ العقوبة الاقصى بفصل الاستاذ عن العمل و تعريضه، في تصورهم، للتشرد و الضياع كي لا يفكر ولا يكتب ولا يبحث بعد ذلك ويكون بذلك عبرة لكل من لا يخضع لهم و لا يشبههم ولا ينشغل مثلهم بتصريف الأحقاد وممارسة الانتقام وتحويل عمل الادارة الى مجموعة من الشكليات الفارغة والمغرقة في التخلف. واكاد، كغيري، اشتم رائحة اسلاموية في القرار، وايضا في تقرير المفتش الذي تحدث عنه البيان، مع العلم ان من معضلات التعليم ببلادنا خلال العقود الاخيرة توسع استقطاب الاسلاميين وسط مفتشي القطاع و توجه عدد منهم الى ممارسة مختلف الضغوط على المعلمين والاساتذة الذين لايتبعون لهم في مقابل التغاضي على الموالين لهم والمتملقين لهم ولو انشغلوا عن مهامهم بالدروس الخصوصية التي باتت تشمل التربية الإسلامية.
و مما يستغرب له في البيان ان مدبجيه يربطون المرض بالاستلقاء الدائم على الفراش في انتظار الموت، وكان المريض، وكيفما كان نوع مرضه، مطالب بان لا يفكر ولا يكتب ولا يشارك في اي نشاط تسمح به حالته الصحية، وهذا غباء ايضا، اذ اؤكد لهم انني مريض مند سنة وتكاد الاوجاع لا تفارقني، لكن ذلك لايمنعني من ان اقرا واكتب وادون واحضر انشطة عندما تسمح بذلك حالتي او تهدا اوجاعي. و البين انهم اكدوا، بلا وعي، انهم كانوا يتربصون بالاستاذ ناشيد ويستغلون مرضه للايقاع به، بما في ذلك باستعمال الجواسيس الذين يتتبعون حركاته وسكناته وبتحريض زملائه وحتى اولياء التلاميذ. نحن امام فضيحة وليس امام بيان يليق بوزارة في دولة متحضرة يترفع مسؤولوها عن السفاسف والصغائر. ووزير التربية ورئيس الحكومة يسقطون بالقرار المتخذ الى اسفل سافلين.
اما فيما يتعلق بحديث البيان عن كون الاستاذ ناشيد دون المستوى ويجب ان يبدل مجهودا لرفع مستواه، فان اي متتبع للحياة الثقافية والفكرية والبحثية في بلادنا سيعتبره نكثة من النكث "البايخة" التي لا تضحك احدا، لان انتاج الاستاذ ناشيد اكسبه مكانة مرموقة وجعله اسما محترما ورائجا خارج حدود البلاد و جالبا للاحترام والتقدير للمغرب. ولعل هذا ايضاما جعله مستهدفا، والبيان يلح على مغادرته التراب الوطني وبشكل يبين ان مشاركة الرجل، المعلم، في فعاليات في العالم العربي واسيا وغيرها تثير الحسد والحنق.
عندما يستهدف مثقف مغربي أتذكر الرئيس شارل دوغول لدى دفاعه عن سارتر، المعارض له بشكل جدري، و اعود الى واقعنا الذي يضعف فيه منسوب الحضارة والتصرفات الحضارية رغم كل المظاهر الخادعة. التصرف مع الاستاذ ناشيد يجعلني اخاف على مستقبل بلادي واجيالها الصاعدة والقادمة، فالمخزن لم يمت بعد وتحرص الادارة المغربية على استمراره بشكله العتيق و غير المتناسب مع النظام الديمقراطي.