الخميس 25 إبريل 2024
سياسة

يا تجار الدين لا تجعلوا صلاة التراويح مطية للتشويش على الأمن الروحي للمغاربة

يا تجار الدين لا تجعلوا صلاة التراويح مطية للتشويش على الأمن الروحي للمغاربة في زمن الأوبئة الفتاكة يجوز إقامة الصلوات (والتراويح ضمنها) في المنازل فرادى أو جماعة مع الأهل

عادة ما يظهر في ظروف الحرب والأزمات والكوارث الطبيعية والإنسانية تجار الشر، وهم فصيلة من "البزناسة" و"الشناقة" الذين يستثمرون في تلك الظروف للإثراء، وللمزايدة على السلط القائمة، ولتصفية حساباتهم السياسية والذاتية.

 

نحن اليوم في مثل ذلك الوضع، حيث وباء كوفيد 19 يواصل تهديده لأمن المغاربة وعدد من شعوب العالم، وحيث تبذل السلطات أقصى جهدها من أجل تطويق آثار الوباء، ومواجهة تبعاته الصحية والاجتماعية والاقتصادية. ومن داخل ذلك ينبري تجار الدين والسياسة لتعبئة الشارع، وتجييش فئات من أبناء شعبنا البسطاء الذين نعرف روحهم السمحة، وتدينهم الوسطي، لكنهم يقعون اليوم ضحية نصب للدفع بهم للمطالبة بفتح المساجد، والسماح بإقامة صلاة التراويح ردا على القرار الرسمي القاضي بـ "تشديد قيود حظر التجول الليلي في شهر رمضان" ضمن حزمة الإجراءات التي اعتادت أن تتخذها السلطات بحسب تنامي أو خفوت حالات الإصابة بالكوفيد.

 

اللافت للنظر أن هؤلاء "الشناقة" الدائرون في فلك الأصوليين الظلاميين والمتطرفين والتكفيريين، لم يظهروا في العلن قبل اليوم للقيام بمبادرات مدنية، مادية واجتماعية مثلا، للتخفيف على العاملين المتضررين بقطاع السياحة او المقاهي والمطاعم أو الحمامات والصناع التقليديون وغيرهم من الفئات المتضررة ودعمهم بالمال والأعمال، أو للإسهام في الحملة الوطنية للتوعية والتحسيس، أو لإسناد مواقف الدولة لمواجهة الكلفة الكبرى لهذا الوباء.

لم يظهروا الا اليوم فقط لأن ما يهمهم ليست صحة البلاد والعباد، ولا التفسير الديني والإنساني الصحيح لقرار إغلاق المساجد في مثل هذه الظروف الوبائية، حيث سبق  للمجلس العلمي الأعلى أن أصدر، في  أبريل 2020، فتوى تؤكد "أن الحفاظ على الحياة من جميع المهالك مقدم شرعا على ما عداه من الأعمال، بما فيها الاجتماع للنوافل وسنن العبادات"، و"أن الإمامة العظمى إمارة المؤمنين رفيقة بنا في حماية حياتنا أولا، وفي قيامنا بديننا ثانيا، وهي رقيبة على الوضع الصحي في المملكة، وهي أحرص ما تكون على فتح المساجد من ضمن العودة إلى الحياة العادية متى توفرت الشروط".. كما وضحت "أن العمل مع الله، مهما كان نوع هذا العمل، لا يسقط أجره بعدم الاستطاعة حتى ولو كان العمل فرضا، مثل الحج، وكذلك في مختلف رخص الشرع، فبالأحرى ألا يسقط الأجر في ما انعقدت عليه النوايا وتعذر عمليا من أعمال السنة، ومنها صلاة التراويح وصلاة العيد"، و"أن عدم الخروج إلى صلوات التراويح قد يعوضه إقامتها في المنازل فرادى أو جماعة مع الأهل الذين لا تخشى عواقب الاختلاط بهم، ومعلوم شرعا أن الجماعة في الصلاة ما زاد عن الواحد".

 

إن ما يهم هؤلاء ليس جوهر القرار ونبل المقاصد، ولكن فقط تتفيه المجهود المبذول من طرف الدولة، والتشويش على الدور الذي تضطلع به إمارة المؤمنين.

 

والأكثر من ذلك أن اللافت للنظر كذلك هو الموقف الغامض والانتهازي لرئيس الحكومة وقياديي حزبه الذين عوض أن يواجهوا هؤلاء من أجل التوضيح، وهدي الناس إلى فهم جيد لحيثيات القرار، ولأبعاد قرار الاغلاق. عوض ذلك نراهم يصمتون، بل يقدمون تفسيرات وقحة من قبيل القول بأن قرارا من هذا النوع ليس من اختصاص الوزراء، أو الحكومة برمتها، لكنه من اختصاص إمارة المؤمنين، فقط للتهرب من المسؤولية السياسية والأخلاقية كما هو ديدن الأصوليين و"الدواعش" وتجار الدين الجبناء في كل مكان.

 

إنه سلوك الهمزة اللمزة التي تأكل النعمة وتسب الملة. تضع رجلا هنا ورجلا هناك، وتنتظر أن تواتيها الفرص للانقضاض من أجل افتراس الغنيمة، مثلما هو حال "الخلايا النائمة" وكل المنافقين الدجالين أمس واليوم وغدا.