الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد الكبير طبيح: المحكمة الدستورية لم تنتصر للقاسم الانتخابي وإنما انتصرت لسيادة الأمة

عبد الكبير طبيح: المحكمة الدستورية لم تنتصر للقاسم الانتخابي وإنما انتصرت لسيادة الأمة عبد الكبير طبيح

حضي القاسم الانتخابي الذي ستوزع بناء عليه مقاعد مجلس النواب في الانتخابات المقبلة، بقدر مهم من النقاش الذي انخرط فيه الفاعل السياسي والحزبي والقانوني والمجتمعي. وهو نقاش نريد له ان يزداد ويكثر لما فيه من فائدة كبيرة لتطوير الفكر الديموقراطي ببلادنا بمعاييره المتعارف عليها دوليا.

في مقال لي نشر على صفحات هذه الجريدة في شهر ماي 0202 تحت عنوان (هل ستحشر المحكمة الدستورية في قضية ذات طبيعة سياسية)، عبرت فيه على وجهة نظر مفادها ان المحكمة الدستورية التي ستبدي رأيها في ذلك الخلاف قد تستعمل صيغة "ليس فيه ما يخالف الدستور" . لان المهمة التي اوكل لها الدستور القيام بها هي مراقبة هل قانون معين هو مطابق للدستور ام غير مطابق له. وأن اجتهاد القضاء الدستوري في المغرب استعمل تلك الصيغة في بعض القوانين التي لا تتعارض مع الدستور في نفس لا يوجد فيها ما يخالفه. فتستعمل تلك الصيغة من أجل عدم عرقلة قانون صوت عليه نواب الامة الممثلين لها.

وأن المحكمة الدستورية أصدرت قرار مؤرخا في 8/4/2021 بمناسبة بتها في مطابقة التعديلات التي أدخلت على القانون التنظيمي المتعلقة بانتخاب اعضاء مجلس النواب، تناولت فيه رايها بخصوص التعديلات التي ادخلها مجلس النواب على المادة 84 التي أحدثت تغييرا في القاسم الانتخابي.

ومن المفيد الإشارة الى انه عندما يعبر المتتبعون والفاعلون في المجال السياسي او الحزبي او القانوني عن رٍايهم بخصوص ما تصدره المحكمة الدستورية من قرارات , بما فيه الرأي الذي عبرت عليه في المقال المشار اليه أعلاه, فأن تلك الآراء على اختلافها لا يتجاوز اثرها مجال التعبير عن الرأي الشخصي القابل للنقاش، لكنه رأي غير ملزم لا فكريا ولا سياسيا ولا أخلاقيا. وبالأحرى دستوريا وقانونيا.

لكن عندما يصدر التعليق عن قاض دستوري كان عضوا سابق في المجلس الدستوري  وهو اليوم عضو المجلس الأعلى للسلطة القضائية، فأن ذلك التعليق يختلف عن بخصوص أثره و تأثيره عن باقي التعاليق التي تصدر عن الاخرين. مما يدفع الى التوقف حول سؤال صعب. هو هل المحكمة الدستورية أخطأت فيما ذهبت اليه بخصوص القاسم الانتخابي.

من أجل استجلاء أكثر لهذا السؤال الصعب لا بد من الرجوع الى ما عللت به المحكمة الدستورية قراره، والرجوع كذلك الى ما عقب به عليها القاضي الدستوري السابق.   

بالرجوع الى ما قررته المحكمة الدستورية وهي تفحص مطابقة او عدم مطابقة التعديل الذي ادخل على المادة 84 للدستور, نجدها ضمنت في تعليلها ما يلي:

حيث ان الدستور اسند , بمقتضى الفقرة الثانية من فصله 62 لقانون تنظيمي بيان النظام الانتخابي لأعضاء مجلس النواب وهو النظام الذي يندرج ضمن مشولاته الاحكام المتعلقة بطريقة توزيع المقاعد المخصصة للدوائر الانتخابية  المحدثة , بغض النظر إذا كانت وطنية او جهوية او محلية , وكذا الاساس الذي يستخرج منه القاسم الانتخابي.

وحيث ان الدستور يكون , تـأسيسا على ما سبق, قد جعل موضوع النظام الانتخابي لأعضاء مجلس النواب ضمن مجال التشريع , حيث ادرج ضمن المشمولات التي ينفرد القانون التنظيمي بتحديدها و يؤول امر سن الاحكام المتعلقة بها حصريا الى المشرع , وفق سلطته التقديرية , و التي لا يمكن للمحكمة الدستورية التعقيب عليها طالما لم تخالف احكام لدستور.

كما أضافت المحكمة الدستورية في تعليلها ما يلي:  

وحيث أن المحكمة الدستورية , لا يندرج ضمن صلاحياتها , التعقيب على السلطة التقديرية للمشرع , في شأن اختيار نوعية التدابير التشريعية التي يرتضيها او المفاضلة بين اختيارات تشريعية ممكنة او اقتراح بديل تشريعي من شانه ان يحقق الغايات الدستورية نفسها طالما ان ذلك لا يمس الدستور.

 إن القراءة الهادئة والمحايدة فكريا لهذا التعليل، والتي تنفذ الى عمق ما تحمله الكلمات التي استعملت في صياغته, تؤدي الى فهم واضح وهو ان المحكمة الدستورية تدافع على استقلالية المشرع في التقرير فيما يدخل في اختصاصه ولا يتعارض مع الدستور. باعتبار أن مجلس النواب كمشرع هو ممثل لسيادة الامة طبقا للفصل 2 من الدستور.

فماذا كان راي القاضي الدستوري سابقا في المجلس الدستوري وعضو المجلس الأعلى للسلطة القضائي حاليا, حسب ما تداولته بعض المواقع الالكترونية, يقول القاضي الدستوري سابقا ما يلي:

De ce point de vue, nous pensons que la Cour, en proclamant plus d’une fois, haut et fort, qu’il ne relève pas de ses attributions d’évaluer le pouvoir discrétionnaire du législateur en matière de quotient électoral a comme démissionné de la fonction de régulation inhérente à sa qualité de juge. Elle a insisté sur le fait, sans fondement à nos yeux, qu’elle ne saurait apprécier le choix du législateur, en tournant complètement le dos au critère de proportionnalité dont elle doit constamment se pourvoir pour éviter les abus. Nous serions d’avis que, pour ne point donner carte blanche au législateur de faire le choix qu’il désire sans aucune limite, elle aurait dû d’abord mettre en relief le fondement juridique de la validité de son choix pour le quotient électoral sur la base des inscrits sur les listes électorales et, ensuite, lui signifier que son option n’a été admise que parce qu’elle n’est pas entachée d’erreur manifeste d’appréciation. Une technique de contrôle juridictionnelle courante en droit administratif et en droit constitutionnel, qui permet à son auteur de rappeler sa présence et son regard vigilent dans le cas où il y aurait dépassement de ce qui est raisonnablement acceptable. Il y a certes les articles de la Constitution, mais il y a aussi l’esprit de la Constitution. On ne contrôle pas un texte de loi exclusivement par rapport à ce qui est expressément écrit, mais aussi, et surtout, par rapport à l’appréciation qu’on en fait comme juge au cas par cas. En un mot, si le contrôle constitutionnel existe, ce n’est pas pour que ses dépositaires se déclarent inhabilités à l’exercer mais bien pour être constamment présents et, précisément, contrôler le pouvoir discrétionnaire du législateur en lui traçant les limites.

ويضيف في فقرة أخرى ما يلي:

Pour faire court, disons qu’autant on ne peut que s’incliner devant l’autorité de chose jugée de la Cour constitutionnelle sur le quotient électoral, autant on se doit de regretter que dans sa décision elle permet au législateur de décider à sa guise oin des techniques de contrôle qui existent à l’échelle universelle. Il n’y a pas pire qu’un contrôleur qui renonce à sa fonction !

إنه إذا كان لا يمكن اجراء مقابلة بين التعليل الذي تعتمده المحكمة الدستورية. وبين راي أي فاعل سياسي او حزبي او قانوني. فإن الامر يختلف عندما يتعلق الامر براي قاض دستوري سابق كان عضوا في المجلس الدستوري وهو اليوم عضو في المجلس الأعلى للسلطة القضائية. لما لهذه المؤسسات الدستورية من أهمية بالغة بالنسبة الاعضاء الذين ينتسبون اليها عندما يعبرون عن راي مخالف لرأي تلك المؤسسات.

ان المقارنة او المقابلة بين تعليل القرار الذي أصدرته المحكمة الدستورية وبين راي القاضي الدستوري السابق تدفع الى الاستنتاجات التالية:

1-أن المحكمة الدستورية انتصرت لاحترم سيادة الامة المعبرة عنها بواسطة ممثليها في مجلس النواب. وفقا لأحكام الفصل الثاني من الدستور الذي ينص على أن السيادة للامة تمارسها بصفة غير مباشرة عن طريق ممثليها.

2-ان رأي القاضي الدستوري السابق يذهب الى وجوب وضع رقابة على ممثلي سيادة الامة أي أعضاء مجلس النواب, عند ممارستهم لسلطة البرلمان التشريعية , حتى و لو لم يتعارض القانون الذي صوتوا عليه مع أي فصل في الدستور.

وتظهر تلك المقارنة والمقابلة بكل وضوح من الشكل التالي:

 -عندما تقول المحكمة الدستورية: "وحيث أن الدستور لا يتضمن , مع استحضار ما تقدم , أية قاعدة صريحة، تتعلق "بطريقة احتساب القاسم الانتخابي , الامر الذي يكون مع هذا الاخير من المواضيع التي "ينفرد المشرع لحديديها.

       يرد القاضي الدستوري السابق:

 Nous serions d’avis que, pour ne point donner carte blanche au législateur

de faire le choix qu’il désire sans aucune limite.

       عندما تقول المحكمة الدستورية:

"وحيث ان الدستور يكون , تـأسيسا على ما سبق, قد جعل موضوع النظام الانتخابي "لأعضاء مجلس النواب ضمن مجال التشريع , حيث ادرج ضمن المشمولات التي ينفرد "القانون التنظيمي بتحديدها و يؤول امر سن الاحكام المتعلقة بها حصريا الى المشرع , "وفق سلطته التقديرية , و التي لا يمكن للمحكمة الدستورية التعقيب عليها طالما لم تخالف احكام لدستور.

        يرد القاضي الدستوري سابقا:

On ne contrôle pas un texte de loi exclusivement par rapport à ce qui est expressément écrit, mais aussi, et surtout, par rapport à l’appréciation qu’on en fait comme juge au cas par cas. En un mot, si le contrôle constitutionnel existe, ce n’est pas pour que ses dépositaires se déclarent inhabilités à l’exercer mais bien pour être constamment présents et, précisément, contrôler le pouvoir discrétionnaire du législateur en lui traçant les limites.

        عندما تقول المحكمة الدستورية:

"وحيث أن المحكمة الدستورية , لا يندرج ضمن صلاحياتها , التعقيب على السلطة "التقديرية للمشرع , في شأن اختيار نوعية التدابير التشريعية التي يرتضيها او المفاضلة "بين اختيارات تشريعية ممكنة او اقتراح بديل تشريعي من شانه ان يحقق الغايات "الدستورية نفسها طالما ان ذلك لا يمس الدستور.

يرد القاضي الدستوري السابق:

Pour faire court, disons qu’autant on ne peut que s’incliner devant l’autorité de chose jugée de la Cour constitutionnelle sur le quotient électoral, autant on se doit de regretter que dans sa décision elle permet au législateur de décider à sa guise....

 

إن هذا التعارض ليس تعارضا مع تعليل قرار للمحكمة الدستورية, بل هو تعارض في مفهوم الديموقراطية. بين من يفهما كما هي متعارف عليها دوليا. أي لأن البرلمان هو الذي يعبر عن إرادة العامة ويترجم إرادة سيادة للامة. وان الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة هو ان لا يتخذ البرلمان ما يخالف الدستور فيما تقرره. حتى ولو كان قرار البرلمان خطير او غير محسوب العواقب. وكما وقع في بريطانيا عندما صادق البرلمان على الخروج من الاتحاد الأوروبي بفارق ضئيل. لكن ذلك القرار نفدته رئيسة الحكومة Theresa May بالرغم عن كونها كانت ضد الخروج من الاتحاد الأوروبي.

 وبين الرأي الاخر الذي يعتبر انه يجب ان يوضع حجر ومراقبة على المشرع أي على أعضاء البرلمان. لأنه ينظر الي ذلك البرلمان نظرة الدونية ولا يجب ان يوقع له شيك على بياض. حتى إذا كان ما قرره لا يتعارض مع الدستور.

والمغرب مقبل على تنظيم انتخابات ستكون جد مهمة وتاريخية بالنظر الى المشاريع الكبرى التي افتتحها جلالة الملك وأخرها تعميم التغطية الاجتماعية على جميع المغاربة, والتي هي سابقة في مجال الحماية الاجتماعية بين دول العالم, تلك الانتخابات التي تفرض علينا تكتيف كل الجهود لدعمها, ومنها التشجيع على المساهمة الكثيفة فيها ترشيحا وتصويتا.

فالتعارض قائم , من جهة , بين من يريد ان يعطي مصداقية للعمل البرلماني، بغض النظر عن راينا الشخصي بخصوص بعض الأشخاص او بعض الممارسات غير المقبولة، لكن المسؤولية الوطنية تحتم علينا جميعا ان ندفع بالقوى السياسية والأحزاب الجادة، دون الالتفات لحجمها الانتخابي, لكي تقوم بدورها كاملا. كما هو الحال في كل الدول الديموقراطية, مستحضرين ان الاتحاد الأوروبي سبق ان مكن المغرب من الوضع المتقدم.

كما ان التعارض قائم من ,من جهة أخرى,  مع من يريد أن يبقي على صورية المؤسسات. وان نبقي على النظر اليها بالدونية و بالقصور, وبانها لا تفهم في تدبير المصلحة العامة. وبالتبع لذلك يجب ان نقيم عليها الحجر والمراقبة. دون ان ننتبه الى ان هذا النوع من التفكير يدفع المواطن الى المزيد من التشكيك في مؤسساته الدستورية. وبالتالي فهو فكر يشجع على العزوف عن المشاركة في العمليات الانتخابية المقبلة. وهو العزوف الذي يعتبر التحدي الاول الذي قد يواجه تنظيم تلك الانتخابات.

فبأي سند دستوري او قانوني يمكن القبول بالدعوة لوضع الحجر على ممثلي سيادة الامة عندما تقررون فيما لا يتعارض مع الدستور.

وباي سند دستوري أو قانوني نحل محل المحكمة الدستورية في الدور الدستوري الذي اوكله الدستور لها وحدها كمؤسسة دستورية وآلية للضبط الدستوري.

وكيف يمكن مقابلة وجهة النظر التي تدعو الى الحجر على دور ممثلي الامة والدعوة الى وضع عملهم تحت المراقبة في مهامهم التشريعية التي لا تتعارض مع الدستور,،مع كون الفصل 47 من الدستور ينص على أن الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب التي يتوفر على اكبر عدد من أعضاء ممثلي الامة في مجلس النواب, الذين يراد التحجير عليه.

لكن الملفت للنظر والمثير للتساؤل هو كيف يمكن الا يتم الانتباه الى الرسائل التي حملها قرار المحكمة الدستورية, في الوقت الذي تم الوقوف أمام ما هو ثانوي ومؤقت.

وفي تقديري، وكما سبق لي ان تناولته في المقال المشار اليه أعلاه, فإن الرسائل التي تضمنها قرار المحكمة الدستورية, والتي يجب ان نثمنها ونعززها بالتنويه والنقاش البناء بخصوصها, ليست هي الانتصار للقاسم الانتخابي من عدمه, الذي ما هو إلا آلية لتوزيع المقاعد سبق للمغرب منذ 1975 ان استبدل طريقة توزيع تلك المقاعد عدة مرات,

بل ان الرسالة الأولى التي تضمنها قرار المحكمة الدستورية هي رسالة وطنية مفادها ان مجلس النواب هم مؤسسة تقرر في حياتنا اليومية. وبالتبع لذلك فإن اختيار أعضائه هو قضية مهمة ومصيرية. لأنهم يتحكمون في كل مجالات الحياة اليومية للمواطن. وهو ما يعني ان المواطن يتحمل مسؤولية عدم المشاركة في الانتخابات من جهة ومسؤولية اختبار ممثليه من جهة أخرى.

والرسالة الثانية التي يتضمنها قرار المحكمة الدستورية هي رسالة لكل الاحزاب مفادها ان المغرب لا يعترف بالحزب الوحيد. وان القرار داخل البرلمان يكون للأغلبية. وان الحزب الأول الحقيقي هو الذي يستطيع ان يجمع حوله أغلبية تمكنه من التقرير في القضايا الوطنية وغيرها. إذ الأغلبية البرلمانية هي التي تمثل الإرادة العامة لسيادة الامة. وأن تجميع أغلبية برلمانية يتطلب سعة الأفق والأهلية للتفاوض والانصات والاجتهاد في تقديم الحلول التوافقية.