الجمعة 26 إبريل 2024
سياسة

في غياب بيان رسمي حول ملاحقته.. الباكوري.. «قدِّيس» أم «شيطان»؟!

في غياب بيان رسمي حول ملاحقته..  الباكوري.. «قدِّيس» أم «شيطان»؟! مصطفى البكوري، مدير الوكالة المغربية للطاقة الشمسية
في التاسع والعشرين من شهر مارس 2021، أقدم أمن مطار محمد الخامس الدولي بالدار البيضاء على منع مصطفى البكوري من مغادرة االتراب الوطني حين كان يهم بالسفر إلى دبي. الأمر الذي أثار تساؤلات كبرى داخل أوساط السياسة والمال والأعمال، وأطلق بالتالي سيلا من الإشاعات والتأويلات على مستوى التناول الإعلامي لخبر المنع. 
بعض تلك " الأخبار" أعاد سبب المنع إلى وجود سوء تدبير واختلالات في إدارة ملف استراتيجية الطاقات المتجددة الذي يحظى بتتبع منتظم من طرف الملك محمد السادس شخصيا، والذي يتحمل البكوري من خلاله مسؤولية إدارة الوكالة المغربية للطاقة الشمسية منذ سنة 2009. ولقد كان السند الوحيد في التناول  الإعلامي الإشارة التي تضمنها بلاغ الديوان الملكي الصادر، بهذا الخصوص، يوم الخميس 22 أكتوبر 2020، والتي تفيد أن الملك قد سجل "بعض التأخير الذي يعرفه هذا المشروع الواسع، ولفت جلالته الانتباه إلى ضرورة العمل على استكمال هذا الورش في الآجال المحددة، وفق أفضل الظروف، وذلك من خلال التحلي بالصرامة المطلوبة". (حسب بلاغ الديوان الملكي).
الإشاعات والأخبار المرتبكة لم تقف عند هذا الحد . بل تواصل بعضها ليشمل الحديث عن اختلالات أخرى تتعلق هذه المرة بملفات وصفقات تهم سبل إدارة جهة الدار البيضاء سطات التي يرأسها البكوري منذ انتخابه في شتنبر من سنة 2015. بل إن بعض الكتابات الإعلامية قد ذهبت إلى احتمال وجود "تخابر" مع جهات أجنبية، أو سعي لاقتراف محاولة لتهريب الأموال. 
ولقد كان طبيعيا أن يحدث كل ذلك، الذي قد يكون في عمق الصواب أو خارجه، في غياب بلاغ رسمي يصدر عن الجهات الحكومية أو القضائية المختصة لوضع النقط على الحروف، لأن الفاعل الرئيسي الممنوع من السفر ليس اسما نكرة، بل هو رجل شأن عام، ولقد  كان يُقدم دائما باعتباره من الدائرة المقربة من "مدفأة السلطة". علاوة على أنه اضطلع بعدد من المهام ذات الطبيعة الاستراتيجية سواء بالنسبة إلى القطاع المالي، أو بالنسبة إلى مجال السياسة وإدارة الشأن المحلي. من تلك المهام على سبيل المثال إدارة البكوري لمؤسسات مالية كبرى ضمنها صندوق الإيداع والتدبير من سنة 2001 إلى سنة 2009، وانخراطه المبكر في "حركة لكل الديموقراطيين"، بحافز تجميع عناصر من اليمين والوسط وأقصى اليسار لمواجهة المد الأصولي. ثم رئاسته لحزب الأصالة والمعاصرة من سنة 2012 إلى سنة 2016، وهو الكيان الحزبي الذي مثل خلال مرحلة الإنشاء، وحسب مؤسسيه، مبادرة لتعميق الخيار الحداثي داخل الحقل السياسي. إضافة إلى ذلك  ظل البكوري إلى اليوم ذا الرئاستين: في مجال التخصص العلمي والاستراتيجي من خلال الوكالة المغربية للطاقة الشمسية، وفي مجال الإدارة المباشرة للشأن العام من خلال جهة الدار البيضاء سطات، كبرى جهات المملكة المحتضنة للعاصمة الاقتصادية، ولخمس السكان على الصعيد الوطني ولثلاثة موانئ أساسية بالمغرب.
لم يصدر بلاغ رسمي من أية جهة حكومية أو قضائية مختصة، ولم يتحدث المعني بالأمر لوسائل الإعلام، مثلما لم يتحدث أي طرف من داخل الدائرة الضيقة أو من خارجها. ولذلك ظل الموضوع محاطا بالكتمان غير المبرر. وما عمق الغموض أكثر هو أن الجهات الموكول لها إصدار البلاغات والتوضيحات في مثل هذه النوازل كانت لا تتأخر عادة في تنوير الرأي العام كلما تعلق الامر بموضوع يهم السياسات العمومية. بل إنها تتجاوب إعلاميا مع قضايا وملفات بلا بعد وطني أو استراتيجي كبير، وأحيانا تجيش الرأي العام بقضايا محلية عادية من قبيل توقيف أحد المستشارين الجماعيين في ركن بعيد من أرجاء المملكة، أو متابعة أحد أعوان السلطة، أو تقصير ممرض في أداء وظيفته،  فكيف بقرار منع السفر تجاه رجل كان إلى زمن غير بعيد من الأسماء التي كان يراهن عليها في إدارة ملفات حيوية في بلادنا.
هناك غموض في مكان ما.
إن إحاطة مثل هذا الموضوع بكل هذه الكثافة من الكتمان والغموض لا يمكن إلا اعتباره سلوكا غير مقبول لأننا على يقين بأنه يعقد مسالك الوصول إلى المعلومة، ويشوش على تفاعل المواطن مع قضايا شأنه المحلي، ولا يخدم أساسا منهجية بلد يتوجه منذ سنوات نحو تحقيق مبدأ الشفافية وتعزيز مساطر التناول الإعلامي لقضايا الرأي العام خدمة للحقيقة، وتنويرا للرأي العام، واحتراما للمواطن الذي يريد أن يعرف حقيقة ما يسرب من اختلالات، ومن كل احتمالات سوء التدبير التي تهم معيشه اليومي وسلامة حاضر الوطن ومستقبله، سواء اتهم فيها مستشار جماعي بعيد أو مسؤولا من نادي "الكبار".