الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

العمراني: المركز والمحيط..في مشكلة استبطان ثقافة  المركز والمركزية في النظرة الحضرية 

العمراني: المركز والمحيط..في مشكلة استبطان ثقافة  المركز والمركزية في النظرة الحضرية  عبد الرحمان العمراني
لا أتحدث هنا عن نظرية أو مفهوم المركز والمحيط centre /peripherie كما صاغها الاقتصادي المصري الراحل سميرأمين، في سياق دراسته الشهيرة حول دينامية الانتشار والتراكم الراسمالي، ولكن أتحدث عن فكرة المركز والمحيط في سياق التطور الحضري، تطور المدن في بلادنا والتمثلات الاجتماعية والسيكولوجية المرافقة لذلك من قبل الساكنة.
والداعي الى استحضاري لهذا الموضوع تم بمناسبة تجوالي اليوم في أحد الاحياء الجديدة  البعيدة عن مركز المدينة  بفاس. وما لاحظته هو أن التطور النسبي، ولكن البارز في التجهيزات والهندسة الطرقية والخدمات الاجتماعية والمرافق الادارية واكتساح الويفي وانتقال جزء كبير من الطبقات الوسطى الى السكن في هذه الأحياء، لم يرافقه  في الوعي العام، وفي التمثل العام وفي درجة الاحساس بالانتماء الحضري، تحول مواز في ثنائية المركز والمحيط :
لا يزال الحكي الحضري في كلام  الناس، من التاجر الى العامل المياوم، ومن بائع الخضروات الى سائق طاكسي الأجرة، يشير الى ثنائية المركز والمحيط او الهامش . 
لا زال الناس إجمالا يتحدثون عن الذهاب للتفسح في "المدينة " في دلالة الى المركز القديم. هنا بالنسبة لفاس ما يعرف بمنطقة دار دبيبغ. سواء في أحياءها الوسطية أو في ضاحيتها وجنباتها الثرية. 
تذكرت وأنا في معمعة هذا التأمل  السوسيولوجي فترة نهاية الستينيات وبداية السبعينيات في مدينة العرائش وأنا يافع، كيف كنا نسمع من أقراننا القاطنين في الاحياء البعيدة عن المركز انهم يعتزمون النزول الى المدينة يوم الاحد للتفسح وارتياد السينما، أو مشاهدة مباراة الدوري الإسباني في المقاهي التي تلتقط القنوات الاسبانية وقتها.
كانوا يقصدون بالمدينة مركزها، لأنها هي الفضاء الذي يستقطب دون غيره من أجزاء المدينة مقومات  التجهيزات الحضرية. 
بتحليل اليوم، يبدو لي الأمر طبيعيا  ومفهوما، بالنظر الى حجم الفوارق الهائلة التي كانت موجودة وقتها بين المركز والمحيط (في كل شيء)-   
وأفهم بالطبع أن يستمر هذا التمثل بالنسبة للسكان الحضريين في مدننا  في المناطق غير المهيكلة او جيوب دور الصفيح والتي تفتقر الى كل مقومات التجهيزات الكفيلة بتوليد الإحساس بالانتماء الى المدينة، مركزا وما دون المركز (وتلك إشكالية أخرى).
غير أن استمرار تمثل المركز والمحيط بالنسبة للساكنة في الأحياء البعيدة عن المراكز القديمة للمدن حتى مع التطور النسبي في تجهيزاتها، يطرح تحديا كبيرا بالنسبة للمشتغلين على السوسيولوجيا الحضرية، وهو تحدي يتجاوز إشكالية التعمير والزونينغ zoning، ويطرح بالاساس وفي الصميم سؤالا ثقافيا بامتياز، سؤال الأسباب التي تجعلنا مستمرين الى اليوم في استبطان ثنائية المركز والمحيط أو المركز والهامش في النظرة للمدينة بصرف النظر عما يتطور من معطيات ؟
وأعترف أنني لا أملك الجواب أو مشروع جواب عن  هذا السؤال، مطروحا على هذا النحو.