إذا سألتم الدكتور محمد شهبي: ماذا تشتاق اليوم؟
سيجيب بلا تفكير: غرفة العمليات.
الغرفة الوحيدة التي يشعر فيها بالتوحّد مع ذاته، وبسكينة، وسلام روحي.
انظروا إليه وهو يجري عملية دقيقة في إزالة "الجلالة"، عينه في المجهر ويداه تمسكان مشرط الجراحة، قد يغنّي أو يروي نكتة أو يحدّثك بزهو عن هدف "ميسي" الجميل.
لا تتمنّى في تلك اللحظة أن تكون مناصرا لريال مدريد!!
تتساءل: متى يجد الدكتور شهبي كل هذا الوقت ليشاهد باستمتاع مباراة في كرة القدم، ويحكي لك بالتفاصيل كيف أودع "الساحر" ميسي الهدف في المرمى، ويتذكّر اسم اللاعب الذي مرّر له الكرة؟!
لن تجد الجواب إلاّ إذا عشتَ معه يوما بإيقاعه السريع والمتعب.
تُدرك تماما أنّ في يوم الدكتور شهبي لا وجود لوقت مستقطع، بالكاد يسرق من الزمن لحظات للصلاة والشاي. لكنه يفاجئك حين يلبسُ قبّعة خبير سياسي أو محلّل رياضي، يراوغك في غرفة العمليات وهو يتلو عليك نشرة أخبار متكاملة الأركان، في لحظات عصيبة تتطلب منه التركيز، لكنه جرّاح عيون لا يشبه الآخرين حتى في طقوسه وفرحه الطّفولي حين يكون وجها لوجه أمام عين مريضة على سرير الجراحة. يستمتع وهو داخل هذه الحجرة البيضاء، تشاهد طفلا بملابس العيد حين تنظر إلى انعكاس الضوء الذي يغمر وجهه.. في تلك اللحظة ينسى محمد شهبي نفسه، ويكون في حضرة "الجرّاح" الذي يحمل أدوات الحرب.. في تلك اللحظة الطّبيب هو الذي يكون منوّماً تحت جرعات المخدّر وليس المريض!!
في غرفة العمليات عليك أن تطردَ الدّهشة، هناك صراع مرير مع الوقت، شغّلْ عدّاد الزمن، واحسبْ بنفسك.. دقيقة.. اثنتان.. ثلاث دقائق.. في الدقيقة الرابعة يسدل الدكتور شهبي السّتار.. الممرضات يلهثن وهن يستأنفن عملية جراحية جديدة.. ثلاث أو أربع دقائق قد تلبسُ فيها حذاء أو تنتظر مصعدا أو تضع أحمر الشّفاه. من هنا يختلف الزمن، "عدّاد" الدكتور محمد شهبي مغاير للزمن الطبيعي.. كل جزء من الثانية قيمته تزن ذهبا وحياة وأملا. مثل "روبوت" دقيق حتّى في التفاصيل الصغيرة وهو ينحت بلورات العيون. الممرضات يلهثن وهو بالكاد على خط البداية في انتظار الانطلاقة بخفّة وجموح رصاصة.
طبيب يعيش مثل هذه الحالات الوجدانية والروحانية في غرفة العمليات، لا تتخيّل ألاّ يمسك مشرط الجراحة من شهر دجنبر إلى شهر أبريل.
اسألوا الدكتور شهبي: كم تغيّبت عن غرفة الجراحة؟ أقلّ من شهر.
هذه المرّة كان الغياب اضطراريا طويلا وبألم السّكاكين. يشبه ناسكاً في معبد، غرفة الجراحة لا يبعده عنها إلا الموت.
اسألوا الدكتور شهبي عن نيران الشوق إلى معبده!!
اسألوا أصابعه التي تحجّرت.. لقد اشتاقت "الرّقص" على نوتات موسيقية.
انظروا إلى أصابعه المتكلّسة كم كانت تتلهّف إلى الفرار من يده، بحنين دافق إلى "الجرّاح" الذي اعتقله "مارد" اسمه "كوفيد".
تخيّلوا كم استنزف الدكتور شهبي من الزمن وهو في زنزانة "كوفيد"، مشلول الحركة!! كم أهدر من ساعة من دقيقة من ثانية، وهو في صراع مع الموت.
في النهاية هزم الدكتور محمد شهبي الموت، وكسب رهان الحياة، فهناك ما يستحقّ في هذا العالم أن نعيش من أجله ونقاوم حتى آخر رمق.
محمد شهبي عاد من الموت برصيد وافر من الحبّ والدموع والوفاء والتضحيات، كان هو "الترياق" الذي حارب به إلى النّفس الأخير. رجال آخرون في مكانه ربما أصبحت رئاتهم اليوم رماداً.
لكنّ رئة محمد شهبي من فولاذ مضاد للحرائق.
تنظرُ إلى عيني الدكتور محمد شهبي، فتقرأ كلّ هذه الأهوال التي مرّ منها، تعرف أنك في اليوم الذي التقيتَ به كنتَ أمام طبيب استثنائي، صادق مع نفسه، وصادق مع الآخرين، لذا تعشقه الحياة حتى النّخاع.
فاغتنمْ ما أضيف لك من عمرٍ إضافي أيُّها العائدُ من الموتِ!!
سيجيب بلا تفكير: غرفة العمليات.
الغرفة الوحيدة التي يشعر فيها بالتوحّد مع ذاته، وبسكينة، وسلام روحي.
انظروا إليه وهو يجري عملية دقيقة في إزالة "الجلالة"، عينه في المجهر ويداه تمسكان مشرط الجراحة، قد يغنّي أو يروي نكتة أو يحدّثك بزهو عن هدف "ميسي" الجميل.
لا تتمنّى في تلك اللحظة أن تكون مناصرا لريال مدريد!!
تتساءل: متى يجد الدكتور شهبي كل هذا الوقت ليشاهد باستمتاع مباراة في كرة القدم، ويحكي لك بالتفاصيل كيف أودع "الساحر" ميسي الهدف في المرمى، ويتذكّر اسم اللاعب الذي مرّر له الكرة؟!
لن تجد الجواب إلاّ إذا عشتَ معه يوما بإيقاعه السريع والمتعب.
تُدرك تماما أنّ في يوم الدكتور شهبي لا وجود لوقت مستقطع، بالكاد يسرق من الزمن لحظات للصلاة والشاي. لكنه يفاجئك حين يلبسُ قبّعة خبير سياسي أو محلّل رياضي، يراوغك في غرفة العمليات وهو يتلو عليك نشرة أخبار متكاملة الأركان، في لحظات عصيبة تتطلب منه التركيز، لكنه جرّاح عيون لا يشبه الآخرين حتى في طقوسه وفرحه الطّفولي حين يكون وجها لوجه أمام عين مريضة على سرير الجراحة. يستمتع وهو داخل هذه الحجرة البيضاء، تشاهد طفلا بملابس العيد حين تنظر إلى انعكاس الضوء الذي يغمر وجهه.. في تلك اللحظة ينسى محمد شهبي نفسه، ويكون في حضرة "الجرّاح" الذي يحمل أدوات الحرب.. في تلك اللحظة الطّبيب هو الذي يكون منوّماً تحت جرعات المخدّر وليس المريض!!
في غرفة العمليات عليك أن تطردَ الدّهشة، هناك صراع مرير مع الوقت، شغّلْ عدّاد الزمن، واحسبْ بنفسك.. دقيقة.. اثنتان.. ثلاث دقائق.. في الدقيقة الرابعة يسدل الدكتور شهبي السّتار.. الممرضات يلهثن وهن يستأنفن عملية جراحية جديدة.. ثلاث أو أربع دقائق قد تلبسُ فيها حذاء أو تنتظر مصعدا أو تضع أحمر الشّفاه. من هنا يختلف الزمن، "عدّاد" الدكتور محمد شهبي مغاير للزمن الطبيعي.. كل جزء من الثانية قيمته تزن ذهبا وحياة وأملا. مثل "روبوت" دقيق حتّى في التفاصيل الصغيرة وهو ينحت بلورات العيون. الممرضات يلهثن وهو بالكاد على خط البداية في انتظار الانطلاقة بخفّة وجموح رصاصة.
طبيب يعيش مثل هذه الحالات الوجدانية والروحانية في غرفة العمليات، لا تتخيّل ألاّ يمسك مشرط الجراحة من شهر دجنبر إلى شهر أبريل.
اسألوا الدكتور شهبي: كم تغيّبت عن غرفة الجراحة؟ أقلّ من شهر.
هذه المرّة كان الغياب اضطراريا طويلا وبألم السّكاكين. يشبه ناسكاً في معبد، غرفة الجراحة لا يبعده عنها إلا الموت.
اسألوا الدكتور شهبي عن نيران الشوق إلى معبده!!
اسألوا أصابعه التي تحجّرت.. لقد اشتاقت "الرّقص" على نوتات موسيقية.
انظروا إلى أصابعه المتكلّسة كم كانت تتلهّف إلى الفرار من يده، بحنين دافق إلى "الجرّاح" الذي اعتقله "مارد" اسمه "كوفيد".
تخيّلوا كم استنزف الدكتور شهبي من الزمن وهو في زنزانة "كوفيد"، مشلول الحركة!! كم أهدر من ساعة من دقيقة من ثانية، وهو في صراع مع الموت.
في النهاية هزم الدكتور محمد شهبي الموت، وكسب رهان الحياة، فهناك ما يستحقّ في هذا العالم أن نعيش من أجله ونقاوم حتى آخر رمق.
محمد شهبي عاد من الموت برصيد وافر من الحبّ والدموع والوفاء والتضحيات، كان هو "الترياق" الذي حارب به إلى النّفس الأخير. رجال آخرون في مكانه ربما أصبحت رئاتهم اليوم رماداً.
لكنّ رئة محمد شهبي من فولاذ مضاد للحرائق.
تنظرُ إلى عيني الدكتور محمد شهبي، فتقرأ كلّ هذه الأهوال التي مرّ منها، تعرف أنك في اليوم الذي التقيتَ به كنتَ أمام طبيب استثنائي، صادق مع نفسه، وصادق مع الآخرين، لذا تعشقه الحياة حتى النّخاع.
فاغتنمْ ما أضيف لك من عمرٍ إضافي أيُّها العائدُ من الموتِ!!