Sunday 6 July 2025
مجتمع

واحات فڭيڭ.. وظلم ذوي القربى أشّد مضاضة...

واحات فڭيڭ.. وظلم ذوي القربى أشّد مضاضة... من بساتين واد زوزفانة التي امتدت إليها أيادي الجنرالات سنة 1976م ودب بها الخراب بعد أن كانت جنة خضراء بفضل جهد وعرق الفلاح الفڭيڭي

"وظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَـةً/ عَلَى المَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّـد"...

صدق الشاعر وكذب السياسي.

 

على صفحات بعض الجرائد الوطنية صادفت عنوانا متكررا: "استفزاز الجزائر لسكان فجيج".

اقتحام أراضي الواحة واغتصابها والاستيلاء عليها هو مجرد استفزاز!؟

يبدو أن لغتنا تلوثت وصارت فاقدة للمعنى بعد أن انبطحنا في كل شيء حتى أصبحنا لا نفرق بين احتلال واستفزاز!

المستفز لأهل فڭيڭ حقا هو مثل هذا الكلام، المستفز لنا فعلا هو: حكومة ابتلعت لسانها ولا خبر كما لو أن واحة فڭيڭ خارج كوكب الأرض، صحافة وصحافيون صمتوا صمت القبور، إذاعات عمومية وأخرى للخواص تنقل الأخبار عما يقع في الكراييب وكلومبيا والموزمبيق، ولا أثر ولا صدى لما يقع بواحة فڭيڭ على جدرانها، مواقع تواصل صماء، أحزاب سياسية لا تقتات إلا على ما فضل من موائد السلطة، إسلامويون تحدثوا في كل شيء من نواقض الوضوء إلى مسلمي الإيغور والروهينغا وعرجوا إلى ثقب طبقة الأوزون، لكن لا علم لهم بوجود واحة فڭيڭ التي مزقت واغتصبت أراضيها.

المستفز لنا حقا هم سياسيون وإعلاميون مغاربة يعرفون أدق التفاصيل عن مزارع شبعة بجنوب لبنان وعن تضاريس حيفا ويافا وعن طوائف العراق وسوريا، لكن لا خبر لهم عن واحة فڭيڭ التي مازالت تغتصب في أراضيها منذ الاستيطان الفرنسي بالجزائر إلى حدود الساعة.

المستفز لنا فعلا هم المثقفون والأكاديميون الذين يخبرونك عن دقائق وفواصل تاريخ العراق من حمورابي إلى صدام حسين وعن تاريخ مصر من الفراعنة إلى مبارك لكن لا أثر لواحة فڭيڭ وتاريخها في ذاكرتهم وأجنداتهم.

الذي استفزنا ودمرنا وشتت عشنا هو الاتفاق المشؤوم في إفران 1972 الذي استكمل أعمال فرنسا الاستعمارية ومنح بجرة قلم آلاف الهكتارات من أراضي واحات فڭيڭ وعشرات الآلاف من أجود نخيل الواحات لجنرالات الجزائر الذين حولوها إلى خراب ورماد.

والصورة أعلاه شاهدة على جزء مما اقترفته جماعة الهواري بومديان وورثته من إجرام في حق الإنسان والطبيعة في بساتين واد زوزفانة.

الذي استفزنا حقا هو حينما لا ينصفك من ظننته من أهلك.

الذي استفزنا فعلا هم أشباه الصحافيين وأشباح الخبراء الذين باعوا لسانهم وقلمهم وأصبحوا يتحدثون في كل شيء دون معرفة وعلم، يخوضون في قضايا وطنية واستراتيجية كما لو أنهم يتحدثون عن حادثة سير أو شجار بين جارين، ولم تسلم واحة فڭيڭ من ألسنتهم وترهاتهم، إذ  يصدرون أحكاما دون المعرفة حتى بالحد الأدنى من تاريخ و جغرافية المنطقة وخصوصياتها.

إن من يبخس ويفرط في شبر من أراضي فڭيڭ اليوم سيفعل نفس الشيء غدا مع أراضي وجدة وبعد غد مع أراضي طنجة...

قدرنا هو أن فرنسا الاستعمارية ذبحتنا ومزقت أوصالنا وفصلت أجزاء منّا وألحقتها بما يسمى اليوم دولة الجزائر، فبعد أن كانت أراضي واحات فڭيڭ مترامية الأطراف  وكانت تمثل مجالا حيويا واسعا وعمقا، قزمت وأصبحت مجرد "زلافة" "مجبنة".

قدرنا أن السلطات المسؤولة علينا والمفترض فيها حمايتنا، لا أذرع لها كي تحتضننا، بل هي من فرطت في أرض أجدادنا فيما سمي اتفاقية سنة 1972 المشؤومة بإفران التي وقعتها مع عسكر الجزائر والتي تشرعن فيها ما فعلته فرنسا من تمزيق وسلخ لمجالنا الحيوي وعمقنا وأعطت ضوءا أخضر لجنرالات الجزائر لاستكمال المهمة، فمنذ 1976 إلى الآن وجنرالات الجزائر لا يعملون سوى على استكمال ما بدأ من تمزيق وقضم لأراضينا منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر مع فرنسا الاستعمارية.

قدرنا هو أننا نجاور نظام عسكري عقيدته تصحير وقتل كل ما هو حياة وخضرة.

قدرنا هو أننا أصبحنا على هامش الهوامش والنتيجة التهميش والإقصاء.

قدرنا هو أننا أصبحنا مجرد مشاريع مهاجرين ومهّجرين في قاعة الانتظار اسمها واحة فڭيڭ.

قدرنا هو حبنا للأرض وارتباطنا بها حد الموت.

قدرنا أن النخلة نسقيها من عرق جبيننا ومن دمنا لأنها جزء منا، من كينونتنا وهويتنا وماهيتنا، وهي رفيقتنا من المهد إلى اللحد.

واحات فڭيڭ ذاكرة مثخنة بالفواجع وجروح لن يضمدها لا المصالحة والإنصاف ولا التعويضات المادية، والشكل الوحيد المناسب لبقائنا هو حريتنا وكرامتنا ولا حرية ولا كرامة لنا بدون أرضنا.

فبعد أن كنا "واحات فڭيڭ" أصبحنا "واحة فڭيڭ" وغدا سنصير "بساتين فڭيڭ" وبعد غد "نُخَيْلاتْ دوّار فڭيڭ"؟؟؟