الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد سالم عبد الفتاح: لفهم أزمة البوليساريو..

محمد سالم عبد الفتاح: لفهم أزمة البوليساريو.. محمد سالم عبد الفتاح
مشكل البوليساريو الحقيقي، مشكل نفساني، ثقافي، قيمي وأخلاقي بالأساس، وما التمظهرات السياسية سوى نتاجا وليست مسببا..
لفهم أزمة البوليساريو ينبغي النظر في ثقافة وذهنية مجتمعها، والتركيز في التمثلات المترسخة في ذاكرتها الجمعية إزاء "الآخر" سواء تعلق الأمر بـ"العدو" أو "الحليف" المفترضين..
فالعقلية البدوية المتأصلة في سلوك الجبهة رسمت الخطوط العريضة لخطابها وطروحاتها السياسية..
فقيادة الجبهة في محاولة للعب على وتر الخطاب الشعبوي، تقمصت شخصية البدوي الذي يعتبر كل "آخر" أقل قيمة منه، إن لم يصفه بالحقارة والوضاعة.
لكنها (قيادة الجبهة) تنصلت من كل القيم والمثل الأخلاقية التقليدية الأصيلة، لتوظف السلوك البدوي العنصري الأرعن إزاء الآخر وتسقط التمثلات التقليدية النمطية عليه، حتى صار "المغرب"، ليس مرادفا في ذاكرتها الجمعية لصورة "العدو" فقط، ولكن مرادفا لكل النواقص والعيوب التي تتجاوز الجوانب العرقية المقيتة، من نسب وأصل، حتى تلصق به كل النعوت والصفات ذات الحمولة العنصرية في الثقافة المحلية..
في مقابل ذلك تبرز البوليساريو صورة "الأنا" المتضخمة والمتعجرفة، التي تصور نفسها مثالا للأصالة والعراقة البدويتين، وتتبنى مختلف الشمائل والخصال القويمة في الذاكرة الجمعية، في مقاربة عنصرية تتناقض تماما مع كل الشعارات الحداثية والتقدمية التي ترفعها وتوظفها سياسويا لمخاطبة الخارج.
مفارقة "الأنا" و"الآخر" تبدو صارخة رغم الرتوشات الخطابية والإعلامية، في ذهنية البوليساريو، لا سيما منذ اندلاع التصعيد الأخير في المنطقة. فإذا كانت الجبهة قد وجدت المصوغات لتشكيل صورة "الأنا" الجمعية المثالية في ما مضى، بفضل المنجزات العسكرية والسياسية التي حققتها في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، فإنا تبدو عاجزة اليوم عن مجاراة وتيرة التطورات المتسارعة المسجلة في المنطقة مؤخرا.
فحتى وهي تتكبد الخسارات المدوية على الأرض، وفي الساحتين السياسية والدبلوماسية، فإن خطاب البوليساريو لا يزال يسوق لصورة "الأنا الجمعية" المنتشية بالإنتصارات، والعصية على الهزيمة، في مقابل "الآخر / العدو" المنهار والخاسر على كل الأصعدة.
حالة مرضية باتت تعيشها أوساط البوليساريو، تتطلب معالجة نفسانية جماعية بالدرجة الأولى، لكنها تقف حجر عثرة أمام معرفتها لـ"الآخر" والتعاطي معه، وتحد من قدرتها على التفاهم معه أو حتى مجاراته، فمن يحتقر "عدوه" المفترض، لن يستطيع التغلب عليه، لأن المنازلة تتطلب الرؤية الواضحة والجلية، كما تتطلب احترام الخصم والاعتراف بمقدراته، بعيدا عن المقاربات الحالمة والرومنسية، لا النظر إليه بعين التكبر والاستعلاء الكاذبة التي تنفيها الوقائع والمجريات على الأرض، والتي من الصعب أن تنطلي مستقبلا على أي كان، بما في ذلك من يعيشون داخل أسوار الجبهة الفكرية، ويتلقون دعايتها عن كثب.