الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد السلام المساوي: هل يلعب بنكيران لعبة المنتفعين بشكل غير قانوني من نبتة مغربية ذاعت صيتها؟

عبد السلام المساوي: هل يلعب بنكيران لعبة المنتفعين بشكل غير قانوني من نبتة مغربية ذاعت صيتها؟ عبد السلام المساوي

لن نذهب إلى هذا الحد في الرد السريع، لكن الرجل الذي سبق له وقاد الحكومة المغربية يعرف أن ما نتحدث عنه هو واقع متحقق لن يرتفع، وأن الاستمرار في التجريم يستفيد منه كبار "البزنازة" وأباطرة المخدرات في البلد، أي القوم الذين يتعاملون بالمال الأسود دونما حاجة إلى في أي بنك تفاديا لكثير من التبعات...

لذلك يبدو صعبا للغاية أن يفهم الشعب المغربي، وضمنه طرف كبير صوت لبنكيران المرة الأولى والثانية، أن يضع الرجل مساره الحزبي كله مقابل التصويت أو عدمه على هذا القانون الذي سينتفع منه صغار المزارعين وسيتضرر منه كبار "البزنازة".

 

الذين يعتقدون أن الحياة السياسية والحزبية في المغرب ابتدأت مع حزب العدالة والتنمية -رحم الله ع. الكريم الخطيب وغفر لإدريس البصري وأطال عمر البقية الباقية ممن شاركوا في فعل الولادة القيصرية للحزب إياه- لا يعرفون أنهك يعيشون في بلد/ أمة، عاش قرونا وقرونا قبل أن يفكر حسن البنا في انشاء التنظيم العالمي للإخوان المسلمين الذي استلهم منه البعض سيرته السياسية .

 

لا يدرك حزب العدالة والتنمية في هذا المنعرج الذي يمر منه المغرب لبناء دولة قوية وفاعلة في المنتظم الدولي أنه يضيع فرصتين حقيقيتين، الفرصة الأولى تضييعه للتحول إلى حزب سياسي مدني يتعاطى مع الأحداث والقضايا بحس سياسي مرن وعقلاني وليس بإيديولوجية عقدية تعيقه في التوصل إلى اجتهادات واقعية. أما الفرصة الثانية فهي التحول إلى حزب بمواصفات وطنية فكريا وترابيا والقطع مع الفكر الأممي الذي يؤمن بالدولة الإسلامية العابرة لحدود الدول. فلم يعد الأمر يحتمل وجود حزب سيفه مع المغرب وقلبه مع أعداء الوطن، الوقت وقت حسم ولا مجال لوضع رجل هنا ورجل هناك.

 

الحاجة اليوم ماسة لأحزاب مواطنة، جادة وجدية تؤمن بالوطن وبالمصالح العليا للوطن، أحزاب تواكب هذا الإبداع الملكي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، وهذا الإبداع المغربي في مجال مقاومة الخيانة والانفصال واللصوصية بوطنية وبتقدير حقيقين، تقفل الباب على المتسللين سهوا إلى ميدان السياسة، وهم كثر... لن ينسى "بيجيدي" عادته القديمة، ولن يفرط في سلاح أثبت فعاليته في جمع الغنائم، قبل وإبان كل المعارك الانتخابية التي دخلها، إذ أصبح المفروض في نظر الحزب استباق كل نزال انتخابي بـ "تبوريدة" يستعرض فيها غلبته على الداخلية .

 

مرة أخرى يختار حزب العدالة والتنمية أسلوب "التقلاز" ولغة الابتزاز السياسي لمخاطبة الدولة واطلاق حملة انتخابية سابقة لأوانها ، مرة أخرى يعود اسلاميو المؤسسات لطريقتهم البشعة في ممارسة الضغط والتلويح بقضايا حقوق الانسان واستهداف العمال والولاة والتشهير بالقضاء كما لو أنه حركة جذرية تعمل خارج الأطر المؤسساتية للنظام السياسي .

 

مرة أخرى يفضل الحزب الحاكم لعب دور الضحية في كل ما يجري وأنه حزب لا حول ولا قوة له أمام جبروت قوى غير مرئية بالعين المجردة.

 

مرة أخرى يعود حزب المصباح لهوايته المفضلة بازدواجية الخطاب التي ظلت تلازم تدبيره جزءا من السلطة طيلة عقد من الزمن، فهو مولع بالتواجد في كل الأمكنة في نفس الوقت، يريد الزبدة وثمن الزبدة، يعشق ملذات السلطة وصولجان المعارض، ولذلك فهو دائم البحث عن المبررات التي تسمح له بممارسة الشيء ونقيضه. وهي قضية عودة العلاقات المغربية-الإسرائيلية لم يجد برلمانه من ملاذ للهروب من المسؤولية سوى اشهار جدار الاختباء وراء الملك واشهار ثقافة الإكراه من دلالات فقهية وتاريخية، لرفع الحرج عنهم بمبرر أن العثماني وقع تحت ضغط الإكراه وبالتالي فمعظم تصرفاته أكره عليها مما يبطل عنه تبعاتها السياسية .

 

الجميع يدرك أن حزب العدالة والتنمية لا تهمه حقوق الإنسان أو مآلات التطبيع أو القوانين المتعلقة بالاستحقاقات، ما يهمه هو الحفاظ على مصالحه الانتخابية وزبنائه الذين يصوتون عليه، حتى لو أدى به الأمر إلى التشهير بالمؤسسات الدستورية التي يقودها منذ عقد من الزمن أمام أعداء الوطن قبل أصدقائه.

 

إن الأقنعة التي لبسها الاسلاميون طويلا، وخدعوا بها الكثير من المغاربة، سقطت أخيرا وظهرت حقيقة عقيدتهم الخبيثة، عقيدة الدمار والتشتيت ووهم الخلافة الذي لم ولن يتحقق. وقضية فلسطين أو الأصل التجاري الذي بنوا عليه مجدهم لم يعد ممكنا تخدير عقول البسطاء بها. وبالدارجة المغربية: ساعتهم سالات... ولم يعد لدجلهم أي تأثير لأن المغاربة بدأوا يكتشفون، ولو متأخرين من هم أصدقاؤهم الحقيقيون ومن هم أعداؤهم الحقيقيون .

 

في ظروف تاريخية عسيرة شجعت الدولة "الإسلام السياسي" في لبوسه الدعوي والحزبي، ووفرت له شروط الاشتغال والانتشار بهدف مواجهة اليسار الديموقراطي... واستغل الإسلاميون "للتسرطن" في المجتمع... وستتنبه الدولة الى خطر هؤلاء مع أحداث الدار البيضاء المؤلمة في 16 ماي 2003؛ فتبين لها أنها تحصد ما زرعت... إن اليسار كان يؤطر الجماهير لتفجر حناجرها في التظاهرات الاحتجاجية، أما الإسلاميون فيدجنون هذه الجماهير لتفجر أجسادها ...

 

لقد تبين أن الإسلاميين تيار يسكن في المغرب لكنه يقيم روحيا في جغرافيا مفترضة هي إقامة الدولة الدينية في المغرب، أي الطريق إلى اخونة العالم. وإذا كانت حركة التوحيد والإصلاح تقدم نفسها باعتبارها ثمرة اجتهادات الحركة الاسلامية المغربية، ونتيجة التجاوب بين اجتهادات الإسلاميين المغاربة وإخوانهم في الشرق، وبرغم ذلك فإنها تؤكد على "مسافة تنظيمية من حركة الاخوان المسلمين"، وكذلك على مسافة من بعض اجتهادات هذه الحركة .

 

إذا ما دققنا النظر في هذا القول على ضوء تاريخ الكيانين وهيكلتهما التنظيمية، وكذلك على ضوء تقييم فترة ممارستها للحكم من خلال حزب العدالة والتنمية في المغرب (نونبر  2012 إلى الآن) وحزب الحرية والعدالة في مصر (يونيو 2012 إلى يوليوز 2013)، فسنجد أن هناك تماثلا بين الكيانين لا يخرج عن الإطار العام  الذي رسمه حسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين في الثلث الأول من القرن العشرين .

 

اعتنق العدالة والتنمية، منذ نيله الشرعية وانخراطه في العمل السياسي داخل المؤسسات بفضل الراحل عبد الكريم الخطيب، وبفضل الراحل الآخر إدريس البصري، شعار الجبهة الوطنية المتطرفة في فرنسا وشعار كل الشعبويين في  العالم كله "كلهم فاسدون" أو "Tous pourris" وظل يقول لقواعده والمتعاطفين معه أن كل الاحزاب المغربية الأخرى مليئة بالمنافقين واللصوص والفاسدين والذين يملؤون بطونهم بمال الفقراء، والذين لا يراعون الله ولا يريدون دخول الجنة ابدا ولا يكترثون بالشعب المغربي إطلاقا .

 

دخل الحزب معمعة العمل الحكومي والبرلماني، وشرع في اكتشاف ملذات الحياة، وفجأة وجد المغاربة أنفسهم أمام زعيمه بنكيران وهو يمتشق المعاش تلو المعاش، ويرفض التخلي عن المناصب الدنيوية الزائلة، أو التي كان يصفها بأنها زائلة، ويجلس في الدار يراقب الفيسبوك ولايفاته، ويطلق من خلاله رصاص الرحمة على نفسه اولا ، وعلى حزبه ثانيا ، وعلى عديد الشعارات التي أمطر بها الناس هو ورفاقه، أو لنقل إخوانه، في الحزب سابقا على امتداد عديد السنوات.

 

آمنة ماء العينين لم تزل السترة عن رأسها فقط في باريس ذات نزوة ليست عابرة. آمنة ماء العينين عرت رأس العدالة والتنمية، وقالت لنا جميعا بصريح العبارة إن السياسة سياسة وإن الدين دين، وإن الجمع بينهما لأجل نيل المناصب البرلمانية أو الوزارية عيب كبير وخطير.