الجمعة 26 إبريل 2024
سياسة

حمدي حداد: الخريطة السياسية ستعرف تغيرات حتمية نتيجة القاسم الانتخابي الجديد

حمدي حداد: الخريطة السياسية ستعرف تغيرات حتمية نتيجة القاسم الانتخابي الجديد حمدي أعمر حداد

يبرز حمدي أعمر حداد، دكتور في القانون ورئيس مصلحة بمجلس النواب، خلفيات رفض " البيجيدي" للقاسم الانتخابي، ومعارضته الشديدة له:

+ كيف تفسر انتفاضة حزب العدالة والتنمية ضد القاسم الانتخابي؟

++ يعارض حزب العدالة والتنمية القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين في الانتخابات التشريعية، كما يعارض إلغاء العتبة بالنسبة للجماعات والقاسم على أساس عدد المصوتين (وهو مجموع الأصوات حتى ولو كانت ملغاة)، وهنا ينطلق حزب العدالة والتنمية من منطلقين:

أولا: يرى الحزب أن تغيير هذا الإجراء الرئيسي والحيوي في العملية الانتخابية هو تدبير موجه ضده في الانتخابات العامة (تشريعية وجماعية) التي ستكون بشكل متزامن في يوم واحد، ويعتبر نفسه المستهدف من هذه العملية، لأن الحزب حصل على العديد من المقاعد بفضل العتبة في الانتخابات التشريعية والقاسم الانتخابي المستند على عدد الأصوات الصحيحة المعبر عنها. فقد حصل الحزب على مقعد واحد في 47 دائرة محلية، وهو أمر لا يطرح مشكلا في حالة تبني هذا القاسم الجديد، بينما حصل على مقعدين في 24 دائرة و3 مقاعد دفعة واحدة في دائرة طنجة، وهي المقاعد التي ستتأثر بلا شك في ظل القانون الحالي، دون أن نُغفل اللائحة الوطنية التي حصل فيها الحزب على 18 مقعدا في شقها الأول المخصص للنساء و9 في الشق الثاني الخاص بالشباب، أي 27 مقعدا.

ومن خلال استقراء هذه الأرقام يتضح لنا جليا عدد المقاعد التي سيخسرها الحزب عند إجراء الانتخابات المقبلة على أساس عدد المسجلين، إذ أنه سيصبح من شبه المستحيل عليه الفوز بمقعدين في أي دائرة محلية أو جهوية.

نفس الشيء بخصوص الانتخابات الجماعية التي بوأت العدالة والتنمية بصيغتها الحالية القيادة في المدن الكبرى ذات نظام وحدة المدينة وعدد كبير من المدن الكبرى والمتوسطة، وذلك بفضل عدد الأصوات الصحيحة والعتبة المحددة في 6 في المائة، وبالتالي فالحزب يرى أيضا أن هذا التدبير الجديد الذي أُدخل على المادة 92 من القانون التنظيمي رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء الجماعات الترابية، يشكل تهديدا خطيرا لنتائجه الكبيرة التي حققها في سنة 2015.

أما المنطلق الثاني للحزب في رفض هذا القاسم الانتخابي، فيتمثل في موقفه الرافض لتوسيع عدد المشاركين في تقاسم نتائج الانتخابات التي تعني بالضرورة تقليص نتائجه بشكل أوتوماتيكي. فالحزب يشدد على "عقلنة" المشهد السياسي، ويرى أنه يشكل قطبا سياسيا بمفرده، وأن بقية مكونات المشهد السياسي تتمحور في قطب معاكس له، فتارة يطلق عليها لقب G8 والآن يسميها G7. ويرى أن الهدف من القاسم الانتخابي الجديد هو "بلقنة" المشهد السياسي والحزبي، وبالتالي فالحزب يرى أن المطالبة بـ "التعددية" الحزبية وحماية الأحزاب الصغرى إنما هو آلية جديدة لمحاصرته وتقليص حضوره في الساحة السياسية. وبالتالي فهو ينادي بالعودة إلى روح الدستور وينادي بالاختيار الديمقراطي من أجل صيانة العملية الانتخابية من "التحكم القانوني" من أجل الوصول إلى النتائج التي ستفضي لا محالة إلى عدم تمكنه من قيادة المرحلة المقبلة بعد استحقاقات 2021، والتي ستشهد عودة كبيرة للعديد من الأحزاب والقوى للبرلمان والجماعات الترابية، بشكل سيصعُب معه تشكيل الحكومة وأيضا صعوبة في تشكيل مكاتب المجالس المنتخبة.

 

+ لكن إذا كان "المصباح" يعتبر نفسه مستهدفا من اعتماد هذا النمط الانتخابي، كيف يغفل أنه كمكون تشريعي ويرأس الحكومة مرر قوانين ضربت في الصميم الوضعية الاجتماعية للمواطنين؟ وهل يمكن القول إننا أمام حزب يراهن على مصالحه الانتخابية قبل أي شيء؟

++ نعم، لقد شهد البرلمان بغرفتيه التصويت على العديد من القوانين ومناقشة الكثير من القضايا الشائكة والمحرجة، منها تمرير اتفاقية "سيدياو"، وقوانين التقاعد، ومعاشات النواب، ومنح وزير الفلاحة مهمة إدارة صندوق التنمية القروية التي تمت من خلال أحد قوانين المالية، بالإضافة إلى العديد من القوانين التي مست مصالح فئات شعبية متعددة، وتنبأ الجميع بأن تكون القشة التي ستقصم ظهر البعير، إلا أنها لم تؤثر على الحزب انتخابيا في سنتي 2015 ولا 2016. إلا أن انتفاضة الحزب الأخيرة ضد القاسم الانتخابي، والتي تجلت بشكل بارز للعيان في وجود قرابة 104 من أعضاء فريقه النيابي بالجلسة العامة، بخلاف ما كان متفقا عليه بين مكونات المجلس التي حددت حصة فريق العدالة والتنمية في 30 عضوا، تنفيذا للتدابير والإجراءات الاحترازية في ظل تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد، تُشكل موقفا واضحا من الحزب على اعتزامه القيام بأي تصرف من شأنه أن ينقل رسائل على أكثر من مستوى بشأن موقفه الرافض للمس بما يعتبرها مكتسبات مستحقة نتيجة الأصوات التي تحصل عليها في ظل النظام الانتخابي الحالي.

وهو ما يجعل الحزب في وضع حرج لتفسير "عملية الحشد" التي انتهجها للدفاع عن القاسم الانتخابي في مقابل التزامه بحضور محدود حسب ما هو متفق عليه في جلسات تشريعية سابقة، خاصة في ظل القانون المالي الذي تضمن تدابير وإجراءات لا تحظى بشعبية كبيرة لدى المواطنين، أو خلال التصويت على القوانين الانتخابية خلال الأسبوع السابق، وهي القانون رقم 57.11 المتعلق باللوائح الانتخابية العامة وعمليات الاستفتاء واستعمال وسائل الاتصال السمعي البصري العمومية خلال الحملات الانتخابية والاستفتائية، ومشروع قانون رقم 11.21 يقضي بتغيير القانون رقم 9.97 المتعلق بمدونة الانتخابات وتنظيم مراجعة استثنائية للوائح الانتخابية الخاصة بالغرف المهنية، وهو ما سيجعل الحزب في حالة دفاع لتبرير هذا التصرف سواء أمام قاعدته الانتخابية الصلبة أو أمام منافسيه الذين يتهمونه بأنه استعرض قوته العددية في وجه الفرق الأخرى من أجل مصالحه الانتخابية ومقاعده التي سيفقدها نتيجة القوانين التنظيمية الجديدة.

+ إلى أي حد ستنعكس هذه الآلية الانتخابية على الخريطة السياسية مستقبلا؟

++ من الواضح كما أسلفنا، أن الخريطة السياسية ستعرف تغيرات حتمية نتيجة القاسم الانتخابي الجديد سواء تشريعيا أو جماعيا.

إذ سنشهد عودة العديد من الأحزاب للمشهد السياسي نتيجة تسارع المرشحين للحصول على التزكيات من جهة، ونتيجة إمكانية وصول العديد منها بسهولة إلى المقاعد التشريعية والجماعية بسبب غياب إمكانية حصول أي لائحة على مقعدين بنفس الدائرة بمجلس النواب، وأيضا نظرا لانعدام العتبة ستصل العديد من اللوائح للمقاعد في مجالس الجماعات والمقاطعات ذات نظام الاقتراع اللائحي، في حين لن تتأثر الجماعات ذات نظام الاقتراع الفردي بهذا الإجراء.

أي أننا نتجه لإعادة إنتاج المشهد الفسيفسائي في الحياة السياسية، وهو ما ينذر بصعوبة تشكيل مكاتب المجالس الترابية، وأيضا تزايد أعداد الفرق والمجموعات البرلمانية، وأيضا علينا أن ننتظر ارتفاع عدد اللامنتمين سياسيا في الجماعات والجهات وبروزهم على مستوى المؤسسة التشريعية، وأيضا نتخوف من أن نعود لمرحلة التشظي الحزبي وتشكيل أحزاب جديدة أو رديفة.