الثلاثاء 19 مارس 2024
رياضة

الطريبق: لهذه الأسباب ألفت كتابا عن فريق المغرب التطواني لكرة القدم

الطريبق: لهذه الأسباب ألفت كتابا عن فريق المغرب التطواني لكرة القدم عبد العزيز الطريبق يروي شغفه بفريقه التطواني
قال عبد العزيز طريبق مؤلف كتاب "المغرب أتلتيكو تطوان في القسم الوطني الأول - تاريخ فريق، تاريخ منطقة" لـ "أنفاس بريس"إن كتابه الذي سيصدر قريبا ترجمة لشغف شخصي بالكرة ولتعلقه بفريق مدينته المغرب أتلتيكو تطوان،مضيفا أن الكتاب  رصد تاريخي للفريق، ولنتائجه(منذ انطلاق البطولة في موسم 57-1956 إلى غاية موسم 20-2019). فيما يلي نص المقال:
 
لماذا إصدار هذا الكتاب عن فريق المغرب التطواني لكرة القدم؟ 
الكتاب عودة إلى وَلعٍ قديم، ولعٌ بالكتابة الرياضية وقد سبق لي أن كتبت أولى مقالاتي وأنا شاب في السن 18، نُشرت بجريدة "لو بوتي ماروكان" سنة 1969، كما أنني عند التحاقي بمركز تكوين الصحافيين في بداية السبعينيات من القرن الماضي كانت لديَّ نيةُ التخصّص في الصحافة الرياضية. لكن دخل العمل السياسي على الخط مع ما استتبعه... ثم هو ولعٌ بِ "المُغْرِب" التطواني، فريق مدينتي ومَسقَط رأسي (سنة 1951. فهي عودة تتضمَّن مُتعةً أكيدة، كما أنها تتوخّى إغناءَ خزانةِ الكتب المتعلقة بكرة القدم، وهي قليلة جداً سواء على المستوى المركزي أم المحلي.
كانت أسرتي كثيرةَ التَّرْحال بين عدة مدن مغربية قبل بداية السبعينات، وذلك بسبب عمل والدي الذي كان يعمل كمصفف للحروف بالمطابع. 
ذكرياتي مع الكرة  تعود إلى سنّ الثامنة مع انتقال عائلتي للسكن بالدار البيضاء أواخرَ الخمسينات من القرن الماضي، حيث أتذكّر حضوري بعضَ المباريات بملعب "فيليب" ذي الأرضية الرملية والذي كان يستقبل لقاءات البطولة الوطنية...
كما أتذكر لحظاتٍ طويلةً كنت أقضيها مع أقراني في مداعبة الكرة، سواء بجوانب شارع الفداء حيث كنا نقطن أو بفضاءات "لارميطاج" أو في إحدى جوانب ملعب "لا جونيس"... شكّلت عودةُ عائلتي لتطوان مدةَ عامين -ما بين 1963 و1965- والسَّكَن في مَسقِط رأسي بحي سانية الرمل، غير بعيدٍ عن "الكامبو"- أيْ ملعب لامبيكا "سانية الرمل"- حدثاً جوهرياً تمخّضَ عنه ارتباطي ب"المُغرِب"- فريق مدينتي- تدريجياً وتحوُّلِه إلى ارتباط ٍوثيق.
ثم سمعتُ عن "الظلم" الذي تعرض له الفريق مراراً على يد الحكام والتعامل المجحف للجامعة. وكان هذا الإحساس بالظلم والإقصاء بمثابة شعور عام كان يَدِبُّ في النسيج المجتمعي التطواني. في تطوان اكتشفتُ أنّ الناسَ تَجهل -أو تتجاهلُ- كلَّ شيء عن البطولة المغربية لكرة القدم في مطلع الستينات من القرن الماضي، فلا صورَ في المحلات التجارية والمقاهي سوى "للمُغرِب" أو للفرق الإسبانية...
 مع بداية موسم 65-1964 وقع تحوُّلٌ كبير في مدينة تطوان جعلَ كل الأنظار تتجه نحو ملعب "لامبيكا". ذلك أنّ جيلًا جديداً من اللاعبين الشبان من أبناء الفريق أمْسكَ بزِمام الأمور وشرع يحقق انتصاراً وراء الآخر، جيلٌ من صُنع وقيادة المدرب محمد البقالي ابن المدينة، شبانٌ ينتمي أغلبهم للمدينة والمنطقة وللفئات الصغرى للفريق، أعادَ للكرة التطوانية توهُّجَها وجمهورَها العريض.
انتقلتْ عائلتي مرة أخرى للسَّكن في الدار البيضاء سنواتٍ ابتداءً من صيف 1965 ولغاية صيف 1972، تخلَّلتْها إقامةٌ في الرباط وسلا لمدة سنة. وعدتُ لِ "ديربيات" الدار البيضاء، لكن "المُغْرِب" ظلّ مُقيماً فِيّ ولم يعدْ بإمكاني النومُ يومَ الأحد دونَ معرفةِ نتيجة مقابلاته، سواء كان الفريق في القسم الأول أم الثاني.
بعد عودة العائلة للسكن بالدارالبيضاء صيفَ 1967، صار الحضور لمقابلات ملعب "ضونور" (الملعب الشرفي) متعةً حقيقية أكررها عند نهاية كل أسبوع تقريبا. كان هناك ثمنٌ تفضيلي للشبان والصغار (demi tarif) مما كان يشجع هذه الفئة على حضور المباريات وكانت ملاعبُ القسم الأول آمنةً وقتَها. كانت الدارالبيضاء تتوفر على أربع فرق بالقسم الأول، الوداد والرجاء والرسينك (الراك أو النهضة البيضاوية فيما بعد) والاتحاد البيضاوي (الطاس)، وأحيانا خمسة فرق مع صعود نجم الشباب البيضاوي بلاعبها الأسطوري بابا. هكذا كنا نضمن مشاهدةَ مقابلتين في نفس الأمسية إنْ لم تكن ثلاث...
ومع اشتداد عودي لعبتُ الكرةَ كثيراً مع أقراني في دوريات الأحياء التي كانت تجتذب بدورها جمهوراً كبيراً في مختلف ملاعب الأحياء... وخُضت مقابلات مع وضد لاعبين سيصبح لهم شأن كروي لاحقاً...
فترة الاعتقال الطويلة حرَمتني لسنوات من مشاهدة مقابلات معشوقتي، إلى غاية مطلع الثمانينات حيث سمحَت لنا إدارة السجن بامتلاك التلفزة فعدتُ للفرجة المباشِرة. طبعاً امتلكنا آنذاك طرانزيستورات مصغرة بشكل سري ثم علني فيما بعد، كنت أتتبع من خلالها مجريات الكرة الوطنية والدولية... إلى أن حانت ساعة الحرية !
فاهتمامي بالكرة ليس وليدَ اليوم، ممارسةً وكتابةً إذ ساهمتُ بالعديد من المقالات عن كرة القدم في الصحف الوطنية والمحلية منذ مغادرتي السجن، بل وحتى أثناء تواجدي فيه (جريدة الهدف...)... وبطبيعة الحال فانتمائي لمدينة تطوان وتعلُّقي ب"المُغرب" وتواجدي بها منذ أكثر من ثلاثين سنة متتالية، كل هذا دفعني لمحاولة استرجاع تاريخ هذا الفريق المتميز. شاءت الظروف أنْ يصدُر هذا الكتاب في فترة حرجة من حياة النادي، لكنه كتاب للتاريخ وليس لحِقبة مُحَددة.
الخوض في التأريخ- ولو الرياضي- يصطدم بعقبة كبيرة، ألا وهي عقبة المراجع! فعَدا المراجعَ الشفوية من خلال اللاعبين والمسيرين ومختلف المعنيين بالموضوع، يكاد يختفي الأرشيف المكتوب مما يُصَعّب مهمةَ الباحث. فريق المُغرب التطواني لا يتوفرُ على أرشيفٍ خاص به يتضمَّن نتائجَه القديمة وباقي المعطيات...  كان عليّ إذن، أنْ أستندَ على مراجعَ شحيحةٍ تُغطّي الفترةَ من انطلاق البطولة (كتب لينو باكو ونور الدين اكديرة والزبير بن الأمين) ثم بعض المواقع الإلكترونية التي ظهرت مؤخراً ...
وتعين عليَّ تدقيق تلك النتائج لأنّ المراجع المذكورة فيها بعض التضارب. ولم يكن هناك بُدٌّ من اللجوء إلى الأرشيف الصحافي المتواجد على الأخصّ بالخزانة العامة لتطوان، في غياب الوصول لأرشيف مقرات الجرائد نفسها (أو المكتبة الوطنية بالرباط) إن كان لها أرشيف طبعاً... سَدَّتْ الخزانة العامة بتطوان جزءاً هاماً من الفراغ بالرغم من الحالة المزرية لبعض المجلدات التي يثير تدهورُها الكثيرَ من الأسى في نفس الباحث. فهذه المجلدات تعجُّ بالتاريخ والمعلومات الغنية، وهي جزء هام من ذاكرة الوطن والناس، لكنها تضيع وتضيع...
 تَطلَّب التنقيب طول النفَس والصبر، ولولا الشغفُ بكرة القدم والمُتعة الشخصية في البحث والتنقيب لَضَجِرْتُ منه...
الرياضة كانت حاضرةً على شكلِ "مِنَّة" في كبريات الجرائد الصادرة بالعربية في نهاية الخمسينات وبداية الستينات من القرن الماضي (العلم مثلاً) عكْسَ جرائد الفرنسي ماس (Le Petit Marocain, La Vigie)، بحيث لم تكن تخضع لتبويبٍ مضبوط ولا لمتابعة خطية متواصلة، إذ أحياناً تختفي الأخبارُ الرياضية لأسابيع أو شهور تاركةً الباحث أمام الفراغ، بسبب خطبة مطولة لزعيم سياسي أو حدث ما كالانتخابات... أجمَل ما كان آنئذٍ بالنسبة لجريدة "العلم" مثلاً، هو الأسلوب الراقي والسلس في الكتابة الذي كان ينِمُّ عن مستوى جيد لدى الصحافيين. 
الصحف القديمة تضيف هَمّاً آخر للباحث، فالنتائجُ لا تُقَدَّم بشكلٍ منطقيٍّ حسب الفريق المستقبِل، بل حسب المنتصر. فمثلاً ينتصر الفريق الفلاني خارج ملعبه وتُقدَّم النتيجة وكأنه انتصر في ميدانه. ويقع هذا حتى في حالة التعادل إذ لا يتم بالضرورة تسبيق الفريق المستقبِل... فأوجاعُ "الشقيقة" مضمونة !. 
مشكل آخر لم تكن الجرائد تواكبه دائماً ألاَ وهو الاعتراضات وتغييرها للنتائج والترتيب، خصوصاً في السنوات الأولى حين كانت البطولة تتلَمَّس طريقَها في غياب مُسيِّرين للفرق على درايةٍ بالتسيير الإداري الرياضي.
عموماً عَمِلتُ على تدقيق نسبةٍ ضخمة من نتائج المقابلات المتعلقة بالبطولة في قسمها الأول- أثناء تواجد المغرب التطواني بها- تتجاوز95% وذلك بالاعتماد على التغطية الأسبوعية للجرائد بما فيها تقاريرُ المباريات، وكذلك على المقارنة مع الأرشيف الموجود (اكديرة وباكو...) لِسدِّ الثغرات، وبعض الذاكرة الكروية، وأعتقد كذلك أنني ضبطتُ نتائجَ المُغرب التطواني بصفة  شبه كاملة...
ويتضمن الكتابُ كذلك إضافةً للنتائج، استنطاقاً لها وتحليلاً لمُجرَيات المواسم وأداء الفريق خلالها. وتمّ اللجوء هنا إلى شهادات العديد من الأشخاص الذين عاشوا تلك الفترات، سواء كلاعبين أو مسيرين أو مؤطرين أو مهتمين. تلك الشهادات تَطَلَّبت بدورها، مجهوداً للفهم ولِفَرز ما يعتري بعضَ الحكايات من "أساطير" مع تَرْك العديد من "الإشاعات"  المثيرة جانباً.
حصيلة عملي هي هذه المساهمة المتواضعة التي تَرومُ إلقاءَ الضوء على مسيرة فريق خاص ينتمي لجغرافية الوطن مع الأمل في أنْ يُشبِعَ بعضاً من فضول القارئ، وفي أنْ يُطْلِق مبادراتٍ أخرى تخُصُّ فرقاً تنتمي لمدنٍ ومناطقَ مختلفةٍ من باب صيانة الذاكرة في المجال الرياضي.  
حاولت ربط الاتصال مع المكتب المسير لإقناعه بأهمية جمع أرشيف الفريق من النتائج وبالتالي دعم طبع الكتاب من خلال توفير بعض الإشهار وبغاية خفض تكلفته على الجمهور المهتم، لكنني محاولاتي لم تحظ برد يذكر وبما أنني من النوع الحريص على استقلاليتي فضلت طبع الكتاب على نفقتي ولو بأعداد محدودة.
تفاعل الكثير من المهتمين مع الكتاب، على مستوى الشبكات الاجتماعية، وفي لقاءات مباشرة، وسأنتظر لمعرفة مدى ترجمة هذا التفاعل الإيجابي على مستوى المقتنيات. حقيقة أن ظروف كورونا لا تشجع على كثرة اللقاءات الجماهيرية، لكن الكتاب صالح لفترة زمنية طويلة...
 على كل حال، قمت بعمل توثيقي أضعه رهن المهتمين، بل عمليا حتى بين يدي مسؤولي الفريق الحاليين والقادمين. أتمنى أن يفتح الشهية لباحثين آخرين في المجال الرياضي وهو مجال لا يحظى بالاهتمام المناسب لأهميته في المجتمع.