السبت 20 إبريل 2024
سياسة

البحيري: المنطقة المغاربية تعرف تحولات عميقة دون اغفال إكراهات الأزمات الاقتصادية والصحية

البحيري: المنطقة المغاربية تعرف تحولات عميقة دون اغفال إكراهات الأزمات الاقتصادية والصحية العميد يوسف البحيري

بمناسبة ذكرى التوقيع على معاهدة اتحاد المغرب العربي بمراكش سنة 1989 تستحضرنا ككل سنة امال بناء اتحاد دول المغرب العربي،  الذي أضحى اكثر من اي وقت مضى ضرورة تمليه  ارادة سياسية وابعاد استراتيجية تحكمها دينامية الترابط العضوي بين الزمان والمكان، خصوصا وان هذه المنطقة تعرف تحولات امنية وسياسية واجتماعية عميقة دون اغفال إكراهات الأزمات الاقتصادية والصحية،  والتي تستدعي  تقوية دعائم التكامل الاقتصادي والتوافق السياسي واحترام السيادة الوطنية للدول الاطراف في سبيل تحقيق الوحدة وتجاوز الازمات،  لا سيما وأن اللغة والدين والعادات والتاريخ والجغرافية هي  قواسم مشتركة ينبغي ان تجمع بين الشعوب والانظمة السياسية لربح رهان إعادة إحياء اتحاد المغرب العربي لنجاح الشراكة مع الاتحاد الأوربي.

 وفي ظل التطورات الجديدة التي تعيشها المنطقة مثل الازمة السياسية في ليبيا وغياب الاستقرار نتيجة  التصحر والهجرة والفقر  وتهديد التنظيمات الارهابية في  دول جنوب الصحراء مثل مالي والنيجر،  اضحت دول المغرب العربي مطالبة بالتوفر على سياسة امنية موحدة وتكامل اقتصادي والتنسيق والاندماج  وبلورة سياسات مشتركة لمواجهة هذه التحديات.  

لقد سبق لجلالة الملك محمد السادس ان  ركز بشكل قوي على الاهمية التي يوليها المغرب لعمقه المغاربي، والتاكيد على مرتكزات الاستراتيجية السياسية والاقتصادية والبيئية الجديدة للتعاون المغاربي، فجلالة الملك توقف عند احد مرتكزات الاستراتيجية السياسية والاقتصادية للمغرب، ويتعلق الامر بالبعد المغاربي مع الحفاظ على العلاقات التقليدية والموروث التاريخي التي يجمع بلدنا مع  دول الجوار، وهو ما سيعطيها وزنا سياسيا وطاقات اقتصادية، ومؤهلات استراتيجية.

كما  أبان المغرب على نوع من الحكمة والتبصر لحل الازمة الليبية  والتشبت بالمبادئ الاساسية للقانون الدولي في مجال حفظ السلم والامن الدوليين مثل منع التدخل في الشؤون الداخلية واللجوء الى الحلول السلمية لحل الخلافات الدولية ومناهضة الارهاب وتكريس القيم الانسانية لمساعدة المهاجرين والتضامن في سبيل مصلحة الشعوب والمواطن الافريقي.

لقد أكد  المغرب على التشبت بمبادئ الامم المتحدة المتعلقة بالحلول السلمية في قضية الصحراء المغربية، فلا بد في هذا السياق من تقديم ملاحظتين أساستين مفادهما أولا أن المغرب أكد للمجتمع الدولي بأن مقترح الحكم الذاتي، هو أقصى ما يمكن أن يقدمه في قضية الصحراء المغربية، وهذا المقترح يندرج في إطار تشبته بمبادئ الامم المتحدة المتعلقة بحفظ السلم والامن الدوليين وقناعاته بالحلول السلمية المنصوص عليها في الفصل السادس من الميثاق. الملاحظة الثانية الجديرة بالتوقف عندها هو الاجماع الدولي والموقف الوحد للدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن حول اعتبار مقترح الحكم الذاتي حل عادل لقضية الصحراء المغربية، فمجلس الأمن والدول المؤثرة في القرار الدولي يقدرون مكانة المغرب، لمكانته في هيئة الامم المتحدة كضامن للاستقرار في المنطقة ودوره الريادي في مكافحة الإرهاب واعتبار استراتيجته متوازنة في مواجهة التطرف والإرهاب، والتي تجمع بين التعاون الامني والاعتدال الديني والتنمية المستدامة على المستوى الاقتصادي، كما ان المغرب يساهم في عمليات حفظ السلام في افريقيا واسيا و اوروبا وجنود مغاربة قدموا ارواحهم دفاعا عن الشرعية الدولية ومبادئ الامم المتحدة.

ففي هذا الاطار، يمكن ان نلامس افاق التعاون المغاربي في الجوانب الآتية:

- التعاون الأمني  ومحاربة التطرف

 إن الارهاب يشكل جريمة ضد الانسانية ترمي إلى اراقة الدماء بهدف اشاعة الرعب وعدم الأمن. فالخلايا الإرهابية أضحت تستهدف السلم والامن من خلال تحقيق عدة أهداف محددة تندرج في إستراتيجية الرعب، واعتبرت لجنة مكافحة الارهاب التابعة لمجلس الامن المغرب نموذجا في انخراط المصالح الأمنية  في مكافحة الإرهاب على المستوين الوطني والعالمي، وذلك من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية التي تمكن  مجموعة من الدول الصديقة من الوقاية وتفادي وقوع عمليات إرهابية تستهدف أمنها ومصالحها.

- التركيز على مقاربة  التنمية السوسيو اقتصادية من خلال الاوراش التنموية والتي تضع المواطن في صلب انشغالاتها من اجل محاربة الاقصاء والتهميش. ، فعمليات تفكيك الخلايا الارهابية هي امتحان حقيقي ومحطة أساسية لإختبار مدى قدرات الاجهزة المعنية على إحترام مبادئ وضوابط الحكامة الامنية في مناهضة الإرهاب وهو ما سيؤدي لا محالة إلى تقوية آليات الدولة في إعمال القانون وتكريس دور الأجهزة الأمنية في أن تكون في خدمة المواطنين وحماية الأرواح والممتلكات العمومية.

- استقبال المهاجرين الافارقة   

 عبر التاريخ، شكلت المنطقة المغاربية وطنا لجميع المهاجرين الذين اضطروا إلى مغادرة أهلهم وذويهم  وبلدانهم إما لاسباب إقتصادية أو قسرا هروبا  من العنف السياسي والاضطهاد الذي يتعرضوا له بسبب عرقهم أو دينهم أو آراءهم السياسية.

فالمغرب اليوم هو الوحيد في المنطقة الذي يستحضر السياسة التضامنية مع الانسان الافريقي ويحتضن المهاجرين لأسباب اقتصادية أو النازحين قسرا وطالبي اللجوء لأسباب سياسية من منطلق تشبته بمبدأ الحماية الدولية لحقوق الإنسان، وهو ما حوله من بلد للعبور الى بلد الاستقرار، ودفع المغرب الى تقديم الضمانات القانونية والإنسانية لادماج المهاجرين الاقتصاديين وطالبي اللجوء الذين يغادرون بلادهم خوفا من تعرضهم للاضطهاد بناء على ما إلتزمت به المملكة المغربية في القانون الدولي للاجئين.

- تقاسم تجربة المغرب مع االدول المغاربية في مجال الطاقات المتجددة

أكد جلالة الملك في خطابه السامي على أمر في غاية من الأهمية  هو "أن إفريقيا من بين المناطق الأكثر تضررا من التغيرات المناخية، فقد حرصنا على جعل مؤتمر المناخ بمراكش،  مؤتمرا من أجل إفريقيا. لذا، دعونا لعقد قمة إفريقية، على هامش هذا المؤتمر، بهدف بلورة رؤية موحدة، للدفاع عن مطالب قارتنا، وخاصة في ما يتعلق بالتمويل ونقل التكنولوجيا أو من خلال تعزيز الحضور الاقتصادي للمغرب، وتطوير علاقاته مع مختلف دول القارة"

إن استراتيجية التعاون المغاربي ترتبط بمواجهة مجموعة من التحديات التي تتصل بمجالات البيئة منها الطاقات المتجددة وتامين الاكتفاء الغذائي.‏

و تعتبر أزمة الطاقة والتغيرات المناخية من أهم التحديات التي يواجهها المجتمع الدولي، ولهذا الاعتبار، فالامم المتحدة ترى بان مواجهة ازمة الطاقة، اضحت ضرورة انية لافريقيا  للتغلب على الاسباب التى تؤدي الى ارتفاع تكاليف ‏الوقود ونقص التغذية، فالتأثير السلبي لتغير المناخ يلقي بظلاله على الاستقرار البشري و الأمن الدولي، وينعكس سلبا على الاقتصاد العالمي وصحة الانسان.‏

العميد يوسف البحيري، أستاذ القانون الدولي بكلية الحقوق بمراكش