الجمعة 26 إبريل 2024
فن وثقافة

واقعة "عام الرفسة" بين عيسى بن عمر وثوار أولاد زيد على لسان الفنان حسن الزرهوني (1/2)

واقعة "عام الرفسة" بين عيسى بن عمر وثوار أولاد زيد على لسان الفنان حسن الزرهوني (1/2) الفنان التشكيلي والمبدع الموسيقي حسن الزرهوني، بجانب مشهد من زاوية ضريح الشيخ أبو محمد صالح

في لقاء ثقافي لجريدة "أنفاس بريس" مع الفنان التشكيلي، والباحث في تراث فن العيطة والموسيقى التقليدية المغربية، والذي يتهرب من الأضواء لاعتبارات ذاتية وموضوعية..إنه الفنان الموسيقي الشيخ المتمرس الحافظ عن ظهر قلب لمتون العيطة في علاقة مع سياقها التاريخي، ومتمكن من طبوعها، وميازينها، وإيقاعاتها، والمهووس بأصول العزف وأنغام الوتر،  سي حسن الزرهوني ابن عم الشيخين جمال وعابدين الزرهوني وسليل أسرة القائد الزرهوني الحاج محمد بن ملوك، حيث تشعر بأنك في حضرة فنان متكامل الأوصاف، يمارس طقوسه بصوفية خالصة بمحراب الإبداع، ونكران الذات دون تعال، فكانت بداية حديثنا عن أحداث "عام الرفسة" الذي نكل فيه القائد عيسى بن عمر بزعماء و ثوار أولاد زيد وتصفيتهم وسجنهم وإبعادهم عن أرضهم.

يؤكد الفنان حسن الزرهوني أن أصل القائد الزرهوني الحاج محمد بن ملوك من نواحي مدينة مراكش، وتحديدا من قبيلة بني مطاع "، وعن شخص الرجل قال: " كان فقيها حاملا لكتاب الله، تعلم أصول العلم والفقه على يد بعض شيوخ الزاوية الناصرية بتامكروت بنواحي مراكش ببني مطاع".

وعن مشواره العلمي أفاد محدثنا بأن الحاج محمد بن ملوك الزرهوني قد "انتقل لطلب العلم إلى مدينة فاس، و استقر بضعة أشهر بزرهون، حيث سيحمل لقب (الزرهوني) بعدما تتلمذ على يد أشياخ الزاوية الناصرية بفاس". بعد ذلك "شد الرحال إلى منطقة عبدة، واستقر بمنطقة أولاد زايد وهو الدوار الذي يسمى حاليا بدار القايد الزرهوني، حيث اختار أن يمارس التجارة إلى جانب تجار مدينة أسفي".

في هذه الفترة شعر بن ملوك بمضايقات من طرف رموز المخزن، "خلال مشواره التجاري تعرضت تجارته لعدة مشاكل و استفزازات من طرف عساكر القائد عيسى بن عمر بشكل متكرر"، ربما كانت هذه السلوكات مع سبق الإصرار والترصد حيث قرر تقديم شكايات ضد عساكر القائد "كان يشتكي بعيسى بن عمر وعساكره إلى باشا أسفي حمزة بن هيمة" .

لم يرضخ جد الفنان "الزراهنة" لمناورات المتربصين بتجارته، واستمر حضوره كفقيه وعالم يمارس التجارة، وربط علاقات طيبة في الأوساط الاجتماعية بالمنطقة، فاكتسب سمعة طيبة امتدت حتى في أوساط التجار و بعض القياد والأعيان، "وبحكم أنه كان فقيها، وعالما مثقفا في عصره، وتميز بتكوينه الفقهي والديني بالزاوية الناصرية فقد تم تعيينه في عهد السلطان مولاي الحسن الأول شيخا (عون سلطة) على قبيلة أولاد زيد".

تراكم الأحداث والوقائع واحتدام الصراع بين قبيلة أولاد زيد والقائد عيسى بن عمر عجل ببروز نواة ثورية انظم إليها الحاج محمد بن ملوك "انتصر لقبيلة أولاد زيد، وانظم للثوار، الذين كان من بينهم (الثائر بن شرفة والبشتاوي..وآخرين) ودعمهم ضد ظلم وجبروت سلطة ونفوذ القائد". 

وحسب الفنان حسن الزرهوني فقد "كانت أول انتفاضة ضد القائد عيسى عمر بمنطقة كاسين، والإنتفاضة الثانية حدثت في منطقة فليفل التي تبعد عن كاسين بنحو 6 كلم، بطريق حد حرارة وتحديدا بالقرب من معمل الإسمنت حاليا، أما الانتفاضة الثالثة فقد وقعت بمنطقة ضريضرات بجماعة حد حرارة حاليا.." هي ثلاثة نقط/ لمعارك طاحنة، وجد فيها القائد عيسى بن عمر "صعوبة كبيرة في مواجهة الثوار، بعد أن تمددت انتفاضتهم وانظم إليها ثوار جدد" نظرا لما تعرضوا له من حركة وظلم المخزن بقيادة عيسى.

ويصف الفنان المبدع حسن الزرهوني أسلوب حرب الثوار ضد القائد عيسى بـاعتمادهم على "أسلوب حرب العصابات كتكتيك لإنهاك عساكر القائد، رغم أنه كان يتزود بإمدادات السلاح والعتاد والرجال بأمر من السلطان مولاي الحسن الأول وكذلك من طرف السلطان مولاي عبد العزيز إبان نفوذ الصدر الأعظم أبا حماد ".

وعن أحداث "عام الرفسة" يقول: "من المعلوم أن القائد عيسى كان قد حاصر زعماء ثورة أولاد زيد بمدينة أسفي، بعد أن احتموا بداخل ضريح الشيخ أبو محمد صالح، وخلال الحصار تم الإعلان عن صلح بين الطرفين بوساطة من باشا المدينة حمزة بن هيمة"، وأوضح بأن "مقر قيادة الصلح كان في ملكية الإسباني اليهودي خورخي بمستودعه التجاري (المتواجد آنذاك في مكان تشييد مقهى الباهية حاليا) بالقرب من ضريح الشيخ سيدي أبو محمد صالح ".

وحسب بحثه استنادا على مراجع تاريخية فإن الباشا حمزة بن هيمة كان "قد تكلف باستدعاء مجموعة من القياد لحضور مراسيم الصلح واتفاق السلام، بين القائد وزعماء ثوار أولاد زيد، من بينهم الحاج محمد بن ملوك الزرهوني، على اعتبار أنه كان قد ترقى و يتحمل مسؤولية خليفة بالمنطقة". لكنه ـ يضيف حسن الزرهوني ـ تخلف عن الحضور "ورفض الدعوة نظرا لحدسه وتنبئه ومعرفته اليقينية بأن العملية مجرد كمين للإيقاع بالثوار وزعمائهم والإنتقام منهم وتصفيتهم بشكل نهائي".

ومن بين خطط الكمائن التي رسمها القائد مع محيطه العسكري "كانت الخطة التي نهجها القائد مع رجال المخزن والقياد والعساكر أن يتم قصف ضريح الشيخ أبو محمد صالح بمدافع (الكور) حيث جرت الاستعدادات السرية لعملية القصف وهدم الضريح على رؤوس أولاد زيد...".