الخميس 25 إبريل 2024
مجتمع

عبد الوهاب دبيش: هذه حكاية المرأة التي خرجت من "مجازر" مستشفى عمومي جثة هامدة

عبد الوهاب دبيش: هذه حكاية المرأة التي خرجت من "مجازر" مستشفى عمومي جثة هامدة ما زلنا بعيدين جدا عن مستشفى بخدمات إنسانية تحترم كرامة المريض

ما الذي يحدث في المستشفيات العمومية، ولا يمكن أن يدركه إلا من وجد نفسه هناك مرافقا مريضا أو مريضة لتلقي العلاج؟ لا يمكن لمن يعاين المآسي التي تعرفها بعض المستشفيات العمومية إلا أن يكتب ويدون ما تراه عينه وما تسمعه أذنه...

هذه شهادة مؤلمة كتبها الأستاذ الباحث عبد الوهاب دبيش إثر معاينته لمأساة سيدة دخلت مستشفى 20 غشت بالدار البيضاء لتلقي العلاج، وبدل أن يتم الاعتناء بها من طرف طبيب أو طبيبة لتخرج معافاة إلى منزلها، خرجت جثة هامدة..

"أنفاس بريس"، ولشدة المأساة التي عاشتها هذه السيدة، تقاسم مع قرائها هذه الشهادة/ المؤلمة التي دونها الباحث عبد الوهاب دبيش في صفحته بمواقع التواصل الاجتماعي:

 

"شهادة لوجه الله

دخلت السيدة إلى مصلحة الأمراض التنفسية على الساعة التاسعة والنصف صباحا، وغادرت فراشها رقم 23 على الساعة السادسة وعشر دقائق جثة هامدة.

ما يحكى على أن مصلحة الأمراض التنفسية بمستشفى 20غشت بالدار البيضاء، وبكونه أفضل تخصص بالمغرب في مستشفى جامعي، دفع الراحلة إلى استعجال ولوجها وكأنها كانت على علم أن هذه المصلحة ستكون آخر عهدها بالدنيا.

من الساعة التاسعة والنصف، ساعة وضعها في الفراش رقم 23، ونحن ننتظر الطبيبة المسؤولة عن جناحها، وحين استفسرنا لماذا لم ينظر في أمرها، قيل لنا إن الطبيبة المتخصصة المسؤولة على قاعتها تقوم بإجراء فحص الزوار القادمين غير المستقرين. وتساءلنا أي المرضى أحق بالنظر في أحوالهم، الذين يستطيعون الحركة ويقدرون على المشي والانتظار؛ أم المرضى العاجزون على الوقوف أو حتى الكلام.

استقبلت المريضة الطبيبة على الساعة الثانية عشرة والنصف زوالا، وحسب الشهادة فإن الطبيبة استفسرت بما يكفي لمعرفة الحالة المرضية للسيدة، وذهبنا إلى المنزل لتحضير وجبة لها نحملها معنا في فترة الزيارة بين الخامسة والسابعة.

وصلنا متأخرين بحوالي عشرين دقيقة، فوجدناها تطلب منا إخراجها من الجناح وإعادتها، حيث كانت أو نقلها إلى منزلها لتلقى الله فيه.

وجدناها بمفردها بمعية مريضة أخرى، وكل الأطقم الطبية من متدربين داخليين وممرض ونساء مكلفين بالنظافة، كل في مكان ولا يلتفتون إلى المرضى إطلاقا.

الأطباء الطلبة في قاعة الاجتماعات المغلقة والممنوعة على الزوار، تجرأنا وفتحنا القاعة لتطلب منا إحدى الطبيبات الطالبات أن نمدها برقم طبيب أدخل السيدة إلى المستشفى، وحين تساءلنا عن السبب قيل لنا إنه هو من سيجيب عن تساؤلنا.

القيامة التي أقامها هؤلاء في القاعة، وليست بجانب المريضة، كانت غايتها البحث عن طبيب إنعاش،  اتصلوا بالطبيب الذي أدخل المريضة ولا علاقة له بالمصلحة، ليدلهم على طبيب إنعاش.. بعد نصف ساعة جاء طبيب الإنعاش بسيارته وأركنها في جانب البناية، ليدخل غرفة المريضة، وبعد عشر دقائق خرج إلينا يخبرنا بنهاية حياة السيدة نتيجة توقف قلبها عن النبض.

هذه الشهادة تستحضر الخلل واللامبالاة والتهور وانعدام المسؤولية وأزمة الضمير المهني لدى أطباء المستشفيات الجامعية بالمغرب.

هل يعقل أن تذهب الطبيبة إلى منزلها، وهذا حقها، دون أن يكون هنالك طبيب آخر له نفس مسؤولية الطبيبة المغادرة، أين التناوب الوظيفي الذي يجعل المؤسسة تشتغل دون توقف؟

وهل يعقل أن تكون بناية بجناحها دون طبيب متخصص في الإنعاش؟ وهل يحتاج أهل الاختصاص إلى طبيب آخر من تخصص مغاير ليدلهم على ما يجب فعله؟

الكارثة الكبرى في المستشفيات المسماة، ظلما بالعمومية، وهي في الواقع تقدم خدماتها بالأداء، سواء عن طريق الراميد أو الكنوبس أو الضمان الاجتماعي، مصيبة هذه المجازر، إذا جازت الكلمة، أنها كوميساريات لشركات الأمن التي توظف أشخاصا كان عليهم أن يكونوا في السجن بدل المستشفى.

والكارثة الطامة الكبرى في بنايات الموت هذه أن الطاقم الطبي المساعد هو الفساد بعينه، ينظر إليك إذا وضعت يدك في جيبك، وكانه ينتظر منك أن تسلمه رشوة أو أعطية، ولا علاقة لهذه الفئة بالتطبيب لا من قريب ولا من بعيد.

أما أكبر الكوارث في هذه المستشفيات المفترى عليها، أن مراحيضها هي المزبلة بذاتها وبعينها.

أما التصرفات في هذه المستشفيات فهي أشبه بما يوجد في سوق شعبي، وقد عاينت سيدة تتجول بآنية كسكس وكأنها في منزلها أو في مناسبة عائلية، وليست في مصلحة استشفائية.

مصيبة المغاربة في هذا النوع من المؤسسات أنها لا تصلح لشيء.. فلم إذن هدر ميزانيات تفوق خمسة وعشرين مليار درهم على بنايات غايتها تسريع موت المرضى وليس علاجهم.

في نظري المتواضع أن على الدولة خيارين لا ثالث لهما. إما أن تغلق هذه البنايات نهائيا وتترك المغاربة يواجهون المرض بأساليبهم ما دمنا في بلد يؤمن بالتداوي بالأعشاب، أو استقدام بنية بشرية جديدة من الصين أو كوريا أو السينغال، وطرد جميع العاملين في هذا القطاع لأن الأجور التي يأخذونها لا يأكلون فيها غير الجمر والنار التي أحرقت مرضى المغرب وعجلت بهلاكهم وأرواحهم، وستبقى في أعناق هذا النوع من الضمير المهني الإنساني المغيب.

 

شهادة أخرى

في مستودع الأموات هنالك تجارة الموت الجديدة.

كفن وتغسيل بـ 300 درهم وصندوق خشبي ثمن خشبه لا يتعدى الفين درهم للمتر المكعب يمكن أن يصنع به أكثر من عشرين صندوقا  تباع بأثمنة بين 800 و1200 درهم.

في حقيقة الأمر، الخلاصة الوحيدة أو الاستنتاج الوحيد الذي يستخلصه المرء من خلال معاينة هذه المؤسسات أننا بعيدون جدا عن مستشفى بخدمات إنسانية تحترم كرامة المريض.

لعلم وزير الموت بحكومة العثماني، وهو أستاذ جامعي، أن المستشفيات الغربية إذا دخلها مريض ومات، فإن الأطقم الطبية ومساعديهم يصابون بالاكتئاب، ويخضعون لعلاج نفسي، لأن ضمائرهم المهنية تسائلهم بأي حق "نساهم في موت شخص جاء لتلقي العلاج"..

آسي آيت الطالب، الله يجازيك بخير ما دامت المستشفيات المسماة عمومية مصحات تقدم خدماتها بالأداء، لم إذن لا تخضعون الممرضين والممرضات فيها لتدريب مهني يعيد إليهم إنسانيتهم الميتة، ولم لا تضاعفوا أجورهم؛ لكن اللي فرط يكرط، ولتذهب النقابات القطاعية إلى الجحيم".