الجمعة 29 مارس 2024
اقتصاد

موسى المالكي : وضع إستراتيجية لتنمية المناطق الجبلية أضحى ضرورة مستعجلة

موسى المالكي : وضع إستراتيجية لتنمية المناطق الجبلية أضحى ضرورة مستعجلة موسى المالكي

يرى موسى المالكي، أستاذ باحث بجامعة محمد الخامس الرباط وخبير في القضايا الجيواستراتيجية أنه وعلى الرغم من صرف ملايير الدراهم على مشاريع متنوعة بما في ذلك البنيات التحتية والطرقية والمشاريع الفلاحية وبرامج التنمية القروية، إلا أن هيمنة الطابع التقني وإغفال الجانب الاجتماعي واستبعاد المقاربة التشاركية، قلل من فرص نجاح تلك التدخلات.

كما دعا في حوار مع "أنفاس بريس" إلى القطع مع التدخلات المؤقتة والمتقطعة لدعم ساكنة الجبال، والتي تتزامن مع الفترة القاسية من السنة، بل لابد أن يكون هذا الدعم - يضيف - مستداما ومنتظما ومتوافقا مع احتياجاتها المستعجلة، بما في ذلك تمكينها من استعمال مصادر طاقية مبتكرة حفاظا على الغطاء الغابوي المتدهور بسبب قوة الضغط عليه في تلك المناطق.

 

كيف تقرأ الخطاب الجنائزي في التعاطي مع التساقطات الثلجية بالمناطق الجبلية، خلافا للبلدان المتقدمة حيث يشكل تساقط الثلوج مناسبة للاحتفاء والانشراح علما أن تساقط هذه الثلوج بهذه البلدان أكثر كثافة مقارنة مع المغرب؟

تستدعي الإجابة على سؤالكم، استحضار الأهمية القصوى للتساقطات المطرية والثلجة في بلادنا التي تشكل الفلاحة قلب اقتصادها وتشغل أكبر نسبة من ساكنتها النشيطة، ناهيك عن الاعتبارات المرتبطة بالأمن المائي والغذائي والاجتماعي ضمن عالم متحول ومتنوع المخاطر.

وبالعودة قليلا إلى العقود المنصرمة، لطالما شكل استقبال الفصل الممطر لدى المغاربة، مناسبة فرح وتفاؤل يعبر عنه برفع الدعوات لله عز وجل بأن يمن بسنة مطيرة وموسم فلاحي جيد. وتسود أجواء احتفالية وحميمية مرافقة للتساقطات مع تعليم الأطفال ترديد أغاني خاصة بالمناسبة.

في المقابل، لا ينبغي أن ننكر الأعراض الجانبية والتأثيرات السلبية للتساقطات الثلجية على نمط عيش ساكنة المناطق الجبلية، فالسكان يواجهون موجات البرودة الشديدة، ويعانون أحيانا من خطر العزلة، خاصة فيما يتعلق بالخدمات الاجتماعية (التعليمية والصحية)، وندرة أخشاب وحطب التدفئة.

وبفضل تطور وسائل التواصل والإعلام الرقمي وسهولة انتشار الصورة والخبر، أضحت هذه الظروف الاستثنائية تستأثر باهتمام الرأي العام الوطني وتستحضر تعاطفه، وهي ظاهرة إيجابية من زاوية القراءة الصحيحة للتماسك المجتمعي الوطني، في ظل تنظيم حملات طبية ومساعدات عينية وأحيانا مادية.

وجدير بالذكر، أن الدولة المغربية ممثلة في مصالح وزارة الداخلية والقوات المسلحة الملكية، أضحت خلال العقدين الأخيرين وبشكل تدريجي ومنتظم، تتخذ إجراءات مواكبة لهذه الظرفية الاستثنائية، عبر توزيع الأغطية والمساعدات الطبية والتدخل اللوجستي لضمان انسيابية حركة تنقل البضائع والقيام بعمليات إنقاذ، مما يساعد الساكنة على تجاوز المرحلة.

هناك من يرى أن إقامة مشاريع البنيات التحتية والطرق والمرافق في المناطق الجبلية لا يراعي خصوصياتها الطبيعية والمناخية، إذ تشيد بنفس مواصفات نظيرتها في المناطق المنبسطة، ما رأيك؟ وما هي تداعيات ذلك؟

إن تقييم التدخلات العمومية والمشاريع المنجزة بالمناطق الجبلية، ظاهرة إيجابية تعزز الحكامة وتجويد الخدمات وتطويرها. وفعلا، فإن هذه التدخلات تميزت ولعقود عديدة مباشرة بعد حصول المغرب على الاستقلال في النصف الثاني من القرن المنصرم، بنوع من التنزيل الأحادي والقطاعي.

ورغم صرف ملايير الدراهم على مشاريع متنوعة بما في ذلك البنيات التحتية والطرقية والمشاريع الفلاحية وبرامج التنمية القروية، إلا أن هيمنة الطابع التقني وإغفال الجانب الاجتماعي واستبعاد المقاربة التشاركية، قلل من فرص تلك التدخلات في النجاح، وجعلها أحيانا خارج أولويات الاحتياجات المجالية والسكانية الفعلية.

وكمثال على هذا الأمر، يمكن أن ندرج تشييد الإدارات والمرافق بالإسمنت في المناطق الجبلية، التي تحتضن تراثا عمرانيا متوارثا عبر الأجيال يتجسد في البناء بالمواد المحلية ذو المواصفات الإيكولوجية المتناغمة مع خصوصيات المجال (توفر الدفء شتاء والبرودة صيفا). وبهذا يشكل البناء الإسمنتي تشويها لجمالية المشاهد الريفية وينقص من جاذبيتها السياحية، ويمكن أن نقيس على ذلك أمثلة أخرى لتدخلات غير متناسبة.

وقد شهد عقد التسعينيات ومطلع الألفية الثالثة، تطورا ملموسا للمجتمع المدني المحلي، وتزايدا كبيرا في أعداد الجمعيات والتعاونيات والفعاليات المدنية بالمناطق الجبلية. كما تم تحديث المقاربات العمومية نحو تبني صيغ أكثر تشاركية وإنصاتا لاحتياجات الساكنة المحلية في العديد من القطاعات (الفلاحة، التنمية القروية، المياه والغابات، ...)، مما يدعوا للتفاؤل بهذا الخصوص.

المناطق الجبلية تنتج المياه والثروة دون أن تستفيد من عائداتها من خلال إقامة بنيات تحتية قوية، مرافق، حماية الساكنة من قساوة الطقس عبر إقرار امتيازات مثلا في أسعار الطاقة الخ. كيف تقرأ هي المفارقة؟

ينبغي التأكيد على أن جميع المناطق المغربية بدون استثناء أو تمييز تستحق نفس العناية والاستفادة، خاصة تلك التي يتركز فيها السكان وتضم كثافات مرتفعة. ورغم أن هذا الطرح يبدوا من الوهلة الأولى "عادلا"، إلا أنه يستدعي التسليم بأن كافة الموارد التي تنتج داخل البلاد سواء كانت طبيعية أو صناعية أو طاقية هي تخص جميع المغاربة، ويمكن استثمارها في كافة مناطق البلاد، وإلا أصبحت كل جهة أو منطقة تطالب بحصرية استثمار عائدات معدن أو مصدر طاقي ما في حدودها وهذا غير معقول طبعا.

ولا يمنع هذا التمهيد، من أن حماية ساكنة المناطق الجبلية يعتبر أولوية مطلقة، فهي تحافظ على استدامة الحياة بهذه الأوساط الصعبة وعلى استدامة مواردها. ويقابل ذلك حجم الخصاص الذي تعانيه الجبال، مما يظهر تعاظم حجم الفوارق المجالية والاجتماعية بالمقارنة مع الأوساط الحضرية، والشريط الساحلي الأطلنتي للبلاد الذي يركز الثروة الاقتصادية ويستفيد من أهم التجهيزات والبنيات التحتية.

وعليه، لا ينبغي أن يتم الاقتصار في دعم ساكنة الجبال على تدخلات مؤقتة ومتقطعة تتزامن فقط مع الفترة القاسية من السنة، وإنما أن يكون مستداما ومنتظما ومتوافقا مع احتياجاتها المستعجلة، بما في ذلك تمكينها من استعمال مصادر طاقية مبتكرة حفاظا على الغطاء الغابوي المتدهور بسبب قوة الضغط عليه في تلك المناطق.

ماهي أبرز الاقتراحات من أجل النهوض بالمناطق الجبلية والاستفادة من مؤهلاتها لتحويلها إلى عنصر جذب للمستثمرين والسياح استلهاما من التجارب المقارنة؟

تفتقد المناطق الجبلية المغربية لحد الآن لاستراتيجية تنموية واضحة وشاملة نظرا لاعتبارات عدة، منها ما يرتبط بتوزيعها الجغرافي على جهات وتقسيمات إدارية مختلفة ويحكم تعدد وكثرة المتدخلين فيها وصعوبة التنسيق بينهم، ناهيك عن اختلاف وتنوع الاحتياجات حسب خصوصيات كل منطقة.

إن وضع إستراتيجية مماثلة يشكل ضرورة مستعجلة، وهي الإستراتيجية التي ينبغي أن تضع أولوية لها حماية استدامة الموارد الطبيعية في المقام الأول (المياه، التربة، الغطاء النباتي، الوحيش ...)، وضمان العيش الكريم لساكنتها بواسطة تطوير اقتصادها وتوفير فرص الشغل وتثمين مؤهلاتها وحماية ثرواتها وتعزيز الخدمات الاجتماعية فيها.

ويجب التأكيد على أهمية توظيف المقاربة التشاركية في بناء هذه الإستراتيجية، حيث يكون للساكنة المحلية وفعاليات المجتمع المدني والفاعلين المحليين، وأيضا للبحث العلمي والأكاديمي وللجامعات دور مركزي فيها، وأن تعمل المؤسسات والمصالح والبرامج القطاعية فعليا وليس شكليا على ترسيخ هذا الدور وتفعيل مخرجاته مع الحرص على حياة الهوية الثقافية وصون التراث العمراني.