الجمعة 29 مارس 2024
مجتمع

من باع الوهم للمغاربة في مشروع محاربة الفيضان بالدار البيضاء؟

من باع الوهم للمغاربة في مشروع محاربة الفيضان بالدار البيضاء؟ مشهد من الفيضان بالبيضاء وإدريس رشيد، مدير شركة الدار البيضاء للتهيئة (يمينا) وعمدة المدينة عبد العزيزالعماري

على هامش الفيضانات التي عرفتها الدار البيضاء يوم الثلاثاء 5 يناير 2021، والتي شملت معظم أحياء وطرق العاصمة الاقتصادية تسببت في خسائر مادية؛ "أنفاس بريس" تعيد نشر مقال سبق أن تطرقت فيه للمخاطر الناجمة عن الفيضانات بالدار البيضاء تسائل فيه السلطة الحكومية والمنتخبة والترابية عن ما ينجم من كوارث بالمدينة كلما تساقطت أمطار رعدية قوية..

وفي ما يلي نص المقال الذي نشر يوم 4 يناير 2018:

 

«في زمن مغرب الكوب 22، وفي زمن العجز المائي بالمغرب، وفي زمن التنمية المستدامة، وفي زمن حكومة تضم 4 وزراء للماء، وفي زمن شرطة المياه، وفي زمن البحث عن نموذج تنموي  بديل، نجد شركة «الدار البيضاء للتهيئة» تهدر مائة مليار سنتيم لإنجاز قناة تجمع مياه المطر قصد رميها بالبحر»!

 

هكذا علق خبير على المشروع الخاص بقناة حماية الدار البيضاء من فيضانات واد بوسكورة الذي تنجزه شركة «الدار البيضاء للتهيئة» بجنوب غرب المدينة والمعروف باسم Super collecteur ouest.

 

فعقب الفيضانات التي عرفتها الدار البيضاء في منتصف التسعينات من القرن العشرين، وتلك التي عاشتها عام 2010، انتبهت السلطات إلى أخطاء سياستها التعميرية المتبعة التي لم تكن تدخل في الحسبان معطى الفيضان، وبالتالي لم تكن تتخذ من قبل التدابير الوقائية على مستوى اختيار المناطق المفتوحة في وجه التعمير أو التدابير الوقائية الخاصة بالحماية وشبكات التطهير وخزانات تجميع المياه المطرية أو إنجاز المنتزهات الحضرية لامتصاص المياه الشتوية، فضلا عن السدود التلية خارج ضواحي البيضاء لتقليص مخاطر الفيضان.

 

وإذا كان الكل متفقا على وجوب تبني حلول آنية وجذرية لحماية العاصمة الاقتصادية من الفيضان، فإن الطريقة التي اعتمدتها السلطات بتكليف شركة «الدار البيضاء للتهيئة» لإنجاز القناة الحالية هي التي أثارت الاحتجاج والاستهجان، على اعتبار أن الشركة اعتمدت حلا تقنويا Technicisite يروم جمع مياه المطر ورميها مباشرة بالبحر، في حين كان مطلوبا استغلال فرصة إنجاز مشروع حماية الدار البيضاء من فيضان واد بوسكورة للقيام بتهيئة تصحح الاختلالات التعميرية المرتكبة من جهة، وتحترم التزامات المغرب دوليا بخصوص البيئة والتنمية المستدامة من جهة ثانية، فضلا عن مراعاة أن المغرب ليس دولة غنية تسمح باقتطاع حوالي مائة مليار سنتيم من ضرائب المواطنين لإحداث «ساقية» تجمع مياه المطر وترمى هباء منثورا في البحر من جهة ثانية.

 

فلو تم إدماج مشروع محاربة فيضان واد بوسكورة في رؤية تكاملية وشمولية، لتم استغلال الفرصة لخلق خطة حضرية تنموية ومندمجة. خاصة وأن اسم الشركة المحدثة هو «التهيئة» Aménagement. أي ستهيئ ماذا؟ ولماذا؟ ومن أجل ماذا؟ وفي أي أفق؟

 

فالمشرع لما خلق شركة «الدار البيضاء للتهيئة» برر ذلك بكون المنتخبين فاشلين وعاجزين وليست لهم «الرؤية الاستراتيجية»، فضلا عن كون الآليات الموضوعة رهن إشارات المدن هي آليات متكلسة لا تتوفر على المؤهلات لتواكب الدينامية الحضرية للدار البيضاء!

 

تأسيسا على مبررات السلطة في خلق الشركة المحظوظة يحق التساؤل: ما هي التهيئة المحددة للدار البيضاء من طرف شركة «الدار البيضاء للتهيئة»؟ هل هناك دراسات معلنة وعلنية تخص الإسقاطات السلبية لمشروع محاربة فيضان بوسكورة على المدينة بيئيا ومجاليا واقتصاديا؟

 

ارتباطا بذات السؤال، ما هو التصور الذي أعدته شركة «الدار البيضاء للتهيئة» للعاصمة الاقتصادية في أفق 2050 مثلا؟ ما هو دور شركة «الدار البيضاء للتهيئة» في تنمية قلب المغرب، بل ما هي حصيلتها وبصماتها في هذه التنمية؟ كم تخصص الشركة من اعتمادات للدراسات المستقبلية الاستراتيجية والأفقية؟

 

فمنذ إحداث شركة «الدار البيضاء للتهيئة» وهي لا تقوم إلا بمشاريع الزفت، فهل التهيئة هي الزفت؟ هل التهيئة هي شق الطرق وبناء القناطر والأنفاق و«القوادس» دون دراسة الجدوى ودون دراسات عمرانية ومعمارية؟ هل بإمكان شركة الدار البيضاء للتهيئة أن تعطينا شارعا واحدا أو نفقا واحدا ساهم

 

فيه مهندس معماري جمالي ومنظري ومختص في التهيئة؟

 

إذا كان شرط وجود الشركة هو الزفت و«لبصلانة»، فليتم تغيير اسمها إذن من «شركة الدار البيضاء للتهيئة» إلى «شركة الدار البيضاء للتزفيت والقوادس»!

 

إن الفظاعات التي صاحبت مشروع واد بوسكورة تنهض كمبرر لمساءلة السلطة الحكومية والمنتخبة والترابية:

 

أولا: هل يعقل رمي مليون متر مكعب من مياه المطر (في وقت الحملة الشديدة) في شاطئ عين الذئاب، في الوقت الذي تشكو فيه البيضاء ندرة المياه؟

 

ثانيا: هل يعقل استمرار سقي حدائق عديدة بالدار البيضاء بالماء الشروب ما يمثله ذلك من إرهاق مالي كبير وبالمقابل إنفاق 100 مليار لإنجاز قادوس لرمي المياه الشتوية في البحر؟

 

ثالثا: هل يعقل أن تنتفض مدن مغربية بسبب العطش ويعتقل ويحاكم أبناؤها لم يطالبوا إلا بـ«جغمة ماء»، في الوقت الذي يبذر مسؤولو شركة «الدار البيضاء للتهيئة» مائة مليار لإهدار كمية ضخمة من المياه قد توازي (في وقت الحملة) حمولة سد إدريس الأول الواقع على واد ورغة (شمال فاس)؟

 

رابعا: هل يستساغ إهدار مائة مليار لرمي مياه تكفي لسد حاجيات مدينة من حجم أصيلة أو زغنغن أو جرف الملحة أو بن احمد أو مديونة أو البئر الجديد أو شيشاوة أو أرفود؟

 

خامسا: هل يمكن للمرء اليوم، التماهي مع دستور 2011 الذي أفرد الفصل 31 للماء والتنمية المستدامة وهو يرى بأم عينه كيف أن تقنوقراطيين المسنودين بحماية ما، يقودون الدار البيضاء نحو المجهول ويرمون ماءها وآمالها في البحر؟