الجمعة 26 إبريل 2024
فن وثقافة

مصب نهر تانسيفت يروي حكايات قبيلة "ركراكة" و"السبعة رجال" بين الأمس واليوم (3)

مصب نهر تانسيفت يروي حكايات قبيلة "ركراكة" و"السبعة رجال" بين الأمس واليوم (3) الشيخ محمد ولد الصوبة مع مول العودة وأطباق الكسكس

تمكن الوباء اللعين "كورونا" من تأجيل موسم طواف شرفاء "ركراكة" برسم سنة 2020، ووقفت الجائحة سدا منيعا ضد قبائل ركراكة والشياظمة وعبدة ودكالة وغيرهم في إحياء سنة التواصل الروحي والاجتماعي والاقتصادي.. وحرمتهم من الاحتفاء واستحضار موروتهم الشعبي وعاداتهم وطقوسهم وتقاليدهم التي ألفوا إقامتها كل سنة في فصل الربيع (بعد خروج الليالي).

قدمنا في الحلقة الأولى ملخص لمحة تاريخية عن "ركراكة" و"السبعة رجال" والسفر في زمن حروبهم وصراعاتهم مع المحتل والغزاة، وكيف استطاعت القبلية ضمان استمرارها إلى اليوم.

في سفر "أنفاس بريس" والنبش في موضوع ظاهرة موسم طواف "ركراكة" الضارب في القدم، بعد الاستعانة في الحلقة الأولى ببعض المصادر التاريخية التي تناولت "السبعة رجال" والتعريف بهم، وبعلاقتهم بالمجال والإنسان، وكيف استوطنوا الأرض وقاوموا الغزاة، للمحافظة على استقرارهم وأمنهم واستمرار نسبهم، وصولا إلى ترسيخ هذا الموسم السنوي الذي يحج له المغاربة من كل أنحاء الوطن لإحياء صلة الرحم.

في الحلقة الثالثة من ذاكرة (مصب نهر تانسيفت يروي حكايات قبيلة "ركراكة" و"السبعة رجال" بين الأمس واليوم)، يستمر حكي الفنان الشيخ محمد ولد الصوبة، الذي خص الجريدة بحديث عن تقاليد و طقوس وعادات موسم زاوية "سيدي حساين" كمحطة أساسية من محطات موسم ركراكة (نبدا نمجد يالحباب/ في سيدي حساين مول الباب/ يجوه صغار وشياب/ ولعيالات هوما الكثرا)...

 

"واسمع الراجل واسمعي يا لمرا

انتوما ركراكة لحرار

تحكموا في الغذار

موالين الخيمة الحمرا

فتاحين المغرب

يجيكم كل حبيب

يقضي غارضو بخطرا"

 

محطة زاوية سيد حساين لها طابع خاص ومميز في طواف "دور" ركراكة، على اعتبار أن أهاليها معروفين بالكرم وحسن الضيافة لكل الزوار والضيوف ووفود ركراكة التي تتكون من تمثيلية أربع وأربعين وليا صالحا موزعة على المنطقة "بعد عصر يوم الأربعاء، نستقبل الوفد من شرفاء ركراكة قبل آذان صلاة المغرب، ويتكون الوفد من لمقدم ومرافقيه، والفارس (مول العودة/الفرس) البيضاء، الذي ينتمي بالضرورة لنسب الركراكيين (سنعود لهذا الطقس)، بالإضافة إلى حضور الناقة التي تحمل الخيمة الحمراء والتي سيتم نصبها في مكان رسمي..". وصول وفد ركراكة الذي يتجاوز عدده في بعض الأحيان إلى أكثر من مائة فرد يؤكد ولد الصوبة قائلا: "يستقبلهم أهالي الزاوية في أجواء احتفالية، وبطقوس دينية، وأناشيد ينخرط فيها كل الأهالي تحت زغاريد النساء وأنوار الشموع في موكب صوفي يتجه نحو مسجد القرية"، واستحضر ولد الصوبة فقرة من أناشيد الموكب الذي يتقدمه (مول العودة "الفرس" البيضاء) والناقة، والتي تقول: (جيناكم يا الناس لفضال/ نسعاو على بابكم/ نسعاو الله لكريم/ يسقينا من حوضكم)..

 

ومن عادات أهالي زاوية سيدي حساين ليلة الأربعاء "تقديم أول وجبة في الليلة الأولى مع وصول الوفد بعد صلاة المغرب، وهي عبارة عن حساء (شربة الحريرة) لكل الوافدين، حيث يتم إعدادها في كل المنازل بطريقة شهية تضفي عليها مستحضراتها الطبيعية نكهة خاصة، مع توفير مستلزمات تقديمها واحتسائها سواء في المسجد أو بفضاءات الزاوية و الهواء الطلق وكذلك داخل غرف بعض البيوت المرشحة لاستضافت بعض مرافقي الوفد".

 

الوجبة الثانية التي ستقدم للعشاء يساهم فيها كل أهالي الدوار يضيف الشيخ محمد ولد الصوبة موضحا "تنخرط كل نساء الدوار في إعداد طعام الكسكس بسبعين كانونا (70 أسرة)، وتحمل قصريات الطعام على مختلف الأشكال، والأنواع في موكب رائع لتقديم الوجبة لكل الحضور، ويتم توزيع الناس على موائد الإطعام ونسهر على خدمتهم طيلة ثلاثة أيام ، بوجباتها الثلاثة (فطور، غذاء وعشاء)".

 

الافتتاح الرسمي للموسم يدشن صباح يوم الخميس بقدوم وفد رسمي من السلطات الإقليمية والمحلية، من أجل تسليم الهدية (ثور) وزيارة ضريح سيدي حساين، والتواصل مع الركراكيين وإحياء صلة الرحم مع الشرفاء.

 

و من أجمل فقرات الفرجة وصناعة الفرح التي كانت تلقى إقبالا منقطع النظير بالموسم يحكي سي محمد ولد الصوبة "عروض التبوريدة التي تنطلق يوم الخميس، ونشاط فن الحلقة بكل أنواعها وأصنافها الفرجوية، والتي تجد إقبالا لدى ضيوف وزوار الزاوية خلال الموسم"، من جهة أخرى "يستقبل سوق الموسم حرفيين وصناع تقليديين وتجار صغار يعرضون مختلف المواد الاستهلاكية والبضائع والحلويات والمكسرات ولعب الأطفال.."

 

لقد ظلت عائلة الصوبة وفية لعادات وتقاليد أجدادهم ووالدهم الشيخ الصوبة وإخوته (الأعمام) حيث يستقبلون في ببيوتهم العامرة "مجموعة من شرفاء ركراكة (50 فردا) ينتسبون لبعض الزوايا، منذ الليلة الأولى إلى غاية انتقال الدور إلى المحطة الخامسة من طواف موسم ركراكة.."، ويؤكد سي محمد ولد الصوبة أن "عادة استقبال هؤلاء الأفراد بالبيت مألوفة أبا عن جد، معززين ومكرمين بما يليق بمكانتهم الاعتبارية كشرفاء ورثوا عاداتهم وتقاليدهم أبا عن جد، ونقدم لهم الخدمة، ونوفر لهم غرف النوم ومرافق النظافة والوضوء، وموائد الوجبات الغذائية في جو من الحيوية والنشاط، ودون كلل أو ملل ابتداء من ليلة الأربعاء إلى حدود عصر الجمعة، حيث يتم هدم الخيمة الحمراء استعدادا للرحيل".

 

واستدرك الشيخ سي محمد ولد الصوبة موضحا بأن "صباح يوم الخميس تفتح أبواب البيوت على موائد الإفطار المؤثثة بأصناف أطباق الفطائر والزيت البلدية مرفوقة بصينيات كؤوس الشاي التي لا تنقطع في وجه الراغبين فيها إلا مع حلول آذان الظهر"، نفس الشيء تعرفه وجبة الغذاء التي يساهم فيها أهالي الزاوية (70 كانون) "كل الضيوف والزوار ومرافقي الوفد يتحلقون حول موائد الكسكس وأنواع أطباق الطاجين الشايظمي بوصفات متنوعة... ويقدم الإطعام لكل الراغبين في تناوله دون تمييز أو إقصاء".

 

الشيخ ولد الصوبة، هو من شرفاء زاوية سيدي حساين، في مجالسته تكتشف ذلك الإنسان البسيط، المحب للناس، المضياف المهووس بالكرم، المؤمن بأن الرزق في يد الله، وأن أحباب الله يستحقون كل الخير.. لكن كيف اختار طريق فن العيطة ولقب الشيخ؟

 

"كان بيت العائلة يستقبل الوفود من قبيلة ركراكة خلال الموسم، وكان الوالد يخصص كل وقته لإرضاء ضيوفه، واستقبالهم أحسن استقبال وإطعامهم بوجبات أضحت معلومة في الزمان والمكان، وضمان مبيتهم بغرفة مخصصة لهم.."، يقول سي محمد ولد الصوبة

 

كانت ليالي الفرجة وصناعة الفرح في بيت شيخ القبيلة سي عبد الله ولد الصوبة والد سي محمد ولد الصوبة بعد استقبال الوفود بزاوية سيدي حساين تتخللها سهرات ولوحات فنية من مختلف صنوف الغناء والموسيقى، ومحترفي فن الحلقة، ومجموعات عبيدات الرما النواصر، وشيوخ وشيخات العيطة، من مختلف مدن المغرب.