الخميس 28 مارس 2024
فن وثقافة

مصب نهر تانسيفت يروي حكايات قبيلة "ركراكة" و"سبعة رجال" بين الأمس واليوم (2)

مصب نهر تانسيفت يروي حكايات قبيلة "ركراكة" و"سبعة رجال" بين الأمس واليوم (2) مول العودة يتوسط الشيخان سي محمد ولد الصوبة و الفنان حسن الضاحي

تمكن الوباء اللعين "كورونا" من تأجيل موسم طواف شرفاء "ركراكة" برسم سنة 2020، ووقفت الجائحة سدا منيعا ضد قبائل ركراكة والشياظمة وعبدة ودكالة وغيرهم في إحياء سنة التواصل الروحي والاجتماعي والاقتصادي.. وحرمتهم من الاحتفاء واستحضار موروثهم الشعبي وعاداتهم وطقوسهم وتقاليدهم التي ألفوا إقامتها كل سنة في فصل الربيع (بعد خروج الليالي).

في سفر" أنفاس بريس" والنبش في موضوع ظاهرة موسم طواف "ركراكة" الضارب في القدم، بعد الاستعانة في الحلقة الأولى ببعض المصادر التاريخية التي تناولت "السبعة رجال" والتعريف بهم، وبعلاقتهم بالمجال والإنسان، وكيف استوطنوا الأرض وقاوموا الغزاة، للمحافظة على استقرارهم وأمنهم واستمرار نسبهم، وصولا إلى ترسيخ هذا الموسم السنوي الذي يحج له المغاربة من كل أنحاء الوطن لإحياء صلة الرحم.

قدمنا في الحلقة الأولى لمحة تاريخية عن "ركراكة" و"السبعة رجال" والسفر في زمن حروبهم وصراعاتهم مع المحتل و الغزاة، وكيف استطاعت القبلية ضمان استمرارها إلى اليوم.

في الحلقة الثانية من ذاكرة (مصب نهر تانسيفت يروي حكايات قبيلة "ركراكة" و"السبعة رجال" بين الأمس واليوم)، نستضيف الفنان الشيخ محمد ولد الصوبة، الذي خص الجريدة بحديث عن تقاليد وطقوس وعادات موسم زاوية "سيدي حساين" كمحطة أساسية من محطات موسم ركراكة (نبدا نمجد يالحباب/ في سيدي حساين مول الباب/ يجوه صغار وشياب/ ولعيالات هوما الكثرا)... مع رفع القبعة والتحية للفنان حسن الضاحي الذي انخرط في هذا العمل من خلال تقديمه لأغنية قصيدة "ركراكة" التي نظمها خاله المرحوم الفنان حميد لميس خلال فترة السبعينيات.

 

"واسمع الراجل واسمعي يا لمرا

انتوما ركراكة لحرار

تحكموا في الغذار

موالين الخيمة الحمرا

فتاحين المغرب

يجيكم كل حبيب

يقضي غارضو بخطرا"

 

ذاكرة الشيخ سي محمد ولد الصوبة وهو طفل تختزن العديد من الصور والمشاهد التي ترسخت في ذهنه منذ نعومة أظافره، ورافقته ذكريات جميلة في سفر الحياة بمنطقة سيدي حساين التي عشقها بفخر واعتزاز، حيث بدايات انطلاقة مشوار شاب في مغازلة أوتار الكمان بقوسه الساحر، ليبوح بالقول "لقد كان الوالد يشغل منصب شيخ القبيلة في هرم السلطة المحلية، وكان يلعب دورا محوريا في محطة موسم القبيلة ويسهر مع أهالي الدوار وأفراد العائلة على ترتيب كل صغيرة وكبيرة تخص وفود الدور بزاوية سيدي حساين.. وكان رحمة الله عليه يقيم حفلا طربيا وفرجويا على شرف ركراكة يشارك فيه مختلف شيوخ و شيخات المنطقة وعبيدات الرمى النواصر وفناني الحلقة".

 

يستحضر الشيخ الفنان ولد الصوبة في حديثه مع الجريدة ارتفاع منسوب الحركة الإجتماعية والإنسانية التي كانت تدب في شرايين القبيلة مع انتهاء فترة الليالي الباردة، "نستنفر طيلة السنة كل طاقتنا ومجهودنا لاستقبال وفود ركراكة لموسم سيدي حساين مول الباب، ونعد العدة على المستوى المادي واللوجيستيكي والمعنوي لاستضافة الوافدين ثلاثة أيام ببيتنا.. في أجواء رائعة تتوفر فيها التغذية والإقامة وشروط الراحة".

 

تقع زاوية سيدي حساين مول الباب بين ملقى الوديان، (ملقى الودان) مما يشكل صعوبة إقامة الموسم خلال فصل الشتاء خوفا من الفيضانات التي كانت تجزئ المنطقة إلى نصفين (من الواد الهيه ومن الواد لهانا) "أذكر أن فيضانات الوادي (الحملة) كانت تجلب معها كل ما تصادفه في مجرى واد تانسيفت، من حيوانات وسيارات وعربات مجرورة والخشب والقصب..." يقول الشيخ محمد ولد الصوبة الذي استشهد بمقطع من عيطة خربوشة الحصباوية ليحدد سيدي حساين: "والرتناني سيدي حساين/ وجا في ملقى الويدان).

 

وأكد الفنان سي محمد ولد الصوبة قائلا: "لا تنطلق فعاليات طواف موسم ركراكة إلا بعد خروج فترة الليالي، ويجب أن يتصادف انصراف الليالي بيوم الأربعاء، أما إذا خرجت الليالي بيوم الخميس فيتم تأجيل انطلاقة الدور بأسبوع زمني من أجل انطلاق الدور بليلة الأربعاء ويوم الخميس"..

 

رمزية فصل الربيع وشهر مارس من كل سنة كنقطة انطلاق طواف موسم ركراكة تستمد شرعيتها ـحسب ولد الصوبةـ من "محاولة توفير شروط طقس ملائم ومناسب لوفود ركراكة والزوار والضيوف، بحيث ينصرف فصل الشتاء ويحل فصل الربيع، وتتجمل الحقول بأبهى الزراعات والنباتات، ويكسو المرتفعات اخضرار طبيعي يغري العين، ويضفي على الأرض والمجال مسحة جمالية تسر الناظرين".

 

المحطة الرابعة من طواف موسم ركراكة يحط الوفد الرحال في ضيافة زاوية وضريح سيدي حساين مول الباب، بعد أن ينطلق الموكب في أول الأمر من زاوية وضريح سيدي علي بوعلي ومن تم إلى زاوية وضريح سيدي عبد الجليل ويليه ضريح سيدي قاسم.. وهكذا دواليك إلى غاية الانتهاء من زيارة أربعة وأربعين (44) ضريحا كل باسمه.

 

في البيت العامر لأسرة وعائلة شيخ القبيلة سي عبد الله الصوبة والد الفنان سي محمد ولد الصوبة رأى النور "زاوية سيدي حساين هي مسقط رأسي، تربيت فيها حتى اشتد عودي، وعشت فيها أجمل لحظات الفرح والفرجة، وعرفت فيها معاني الكرم والجود والإيثار والبساطة، ولقنت فيها معاني البركة والأخلاق واحترام الناس وأسلوب التواضع.. ورسخت في ذهني العلاقات الإنسانية والاجتماعية والأسرية بين الناس على اختلاف فئاتهم ومراتبهم، خصوصا خلال فترة دور ركراكة"، يقول محدثنا الذي تسلم مشعل استضافة ضيوف بعض وفود زاوية سيدي حساين رفقة أخيه، و عمه وأبناء عمومته حيث توارثوا هذه العادة الأصيلة أبا عن جد وإقامة شروطها الاجتماعية والتواصلية كل فصل ربيع...