الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد بوبكري: في مؤامرات بومدين والقذافي ضد المغرب

محمد بوبكري: في مؤامرات بومدين والقذافي ضد المغرب محمد بوبكري
لقد أصبح مؤكدا لدى الخبراء والمختصين أن غياب المعرفة التاريخية عند الفرد يتسبب في عدم قدرته على قراءة الخطاب وتأويله، وأن هذا الغياب يجعله غير قادر على فهم ما جرى وما يجري أمامه، كما أنه يصيبه بالعجز عن اتخاذ المواقف والقرارات السليمة. ونتيجة ذلك، فإنه قد يتخذ مواقف ضد ذاته وضد طموحات وطنه ومجتمعه في آنٍ. وما دفعني إلى إبداء هذه الملاحظة هو أنني لاحظت أن بعض الجماعات المنغلقة التي لا تعي أنها صارت خارج التاريخ قد تحولت ضد وطنها وأصبحت تتخذ مواقف ضد مصلحة الوحدة الترابية لوطنها، ما يتنافى ومطامح الشعب المغربي وتطلعاته. فهذه الجماعات والأفراد لا يعرفون من اختلق مشكلة الوحدة الترابية للمغرب، ولا سياق ذلك... لذلك، يبدو لي من الضروري الرجوع إلى سياق تأسيس ما يسمى بـ"البوليساريو"، ومن قام بذلك، وما هي دوافعه...
من المؤكد تاريخيا أن هواري بومدين ومعمر القذافي هما من قاما بتأسيس البوليساريو، حيث كان بومدين هو صاحب الفكرة والقذافي الممول الأساس، إذ تمكن الأول من التأثير على القذافي لكي ينخرط معه في الاعتداء على المغرب، وكان بومدين يعي جيدا أن المغرب سيستطيع مستقبلا إجهاض أحلامه التوسعية، ولن يكون في إمكانه أن يبسط سلطته على المغرب، وبالتالي لن يتمكن من احتلال موقع الريادة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط... هكذا، قام بومدين بالتخطيط لمنح شرعية لوجود ما يسميه بـ"الصحراء الغربية"، كما تمكن من استدراج معمر القذافي في مشروعه الرامي إلى الاعتداء على الوحدة الترابية المغربية، حيث قام القذافي بتمويل مشروع بومدين، ما مكن هذا الأخير من استعمال الأموال الليبية لتسليح جيشه... لذلك، استطاع بومدين بمكره أن يخلق من الوهم "قضية".
ولم يتوقف مكر بومدين عند هذا الحد، بل دبر مكيدة أخرى تصب في اتجاه التمادي في ساديته التي ترمي إلى تعميق اعتدائه على المغرب، حيث قام بوضع علم ما أسماه بـ"الجمهورية الصحراوية" الوهمية، وصممه بصورة تجعله يبدو مشابها للعلم الفلسطيني، حتى يُخلَط بين "القضية الفلسطينية"، وما يسميه" مشكلة الصحراء الغربية". وبذلك سيتمكن من تضليل الناس، ويرتقي بما يسميه بـ"مشكلة الصحراء الغربية" إلى مرتبة " القضية الفلسطينية". بذلك أراد تحويل المشكلة التي افتعلها ضد المغرب إلى "قضية عادلة"، حيث كان هدفه هو التضليل والتعتيم لمنح شرعية الوجود لما يسميه بـ" الصحراء الغربية". ونظرا لطبيعة تكوين بومدين، فإنه سعى إلى توظيف الدين ورمزية مدينة القدس الحاضرين بقوة في الوجدان والمتخيل الجمعي لمسلمي ومسيحيي الشرق الأوسط، لتنفيذ مخططاته الجهنمية ضد الوحدة الترابية المغربية. ولم يكن الهدف الحقيقي لبومدين هو الدفاع عن الدين أو مدينة القدس، بل كان هو الإساءة إلى المغرب ليتمكن من الاستقواء عليه بهدف التوسع على حساب حقوقه المشروعة والشرعية في سيادته على صحرائه.
ونظرا لكون بومدين كان يعي أن المغرب يمتاز بموقع جيو إستراتيجي حيوي وبإمكانيات طبيعية وبشرية كبرى، وكان يدرك أن اليهود المغاربة في المهجر سيكون لهم شأن في المستقبل وسيقفون سدا منيعا في وجه مخططاته التوسعية الوهمية في المغرب وشمال أفريقيا والشرق الأوسط، وحتى في أفريقيا ذاتها، فإنه شهر العداء ضدهم، وهذا ما يفسر استمرار عداء جنرالات الجزائر لليهود المغاربة وحملتهم عليهم رفقة المخابرات التركية ضد المغرب ومحاولاتهما النيل منه والتشكيك في مبادئه وقيمه وعواطفه تجاه جاليته اليهودية في المهجر، وتجاه القضية الفلسطينية في آنٍ. لكنهم تناسوا ويتناسون أن المغرب قد انخرط منذ البداية في دعم هذه القضية سياسيا وماديا... وإذا كان جنرالات الجزائر وحلفاؤهم الأتراك والإيرانيون وأتباعهم يعتبرون العلاقة الطيبة للمغرب بجاليته اليهودية نقطة ضعف لديه، فإنها، على العكس من ذلك، تعتبر نقطة قوة، إذ تؤهله أكثر من غيره لتقريب وجهات النظر بين الفلسطينيين وإسرائيل، ما قد يفضي إلى السلام في منطقة الشرق الأوسط. ولا يمكن أن يقوم بهذا لا حكام إيران، أو تركيا، أو الجزائر...، لأنهم مرفوضون من قبل الفلسطينيين والإسرئليين والرأي العام الدولى، لأنهم فاقدون لأية مصداقية، ومنخرطون في التآمر ضد الفلسطينيين أنفسهم، حيث لا يعترف أغلبهم بشرعية السلطة الفلسطينية، بل إنهم يساندون المعارضة الفلسطينية ويمولونها من أجل أن تستولي على السلطة الفلسطينية، بُغية أن يتأهلوا للتفاوض باسم الفلسطينيين وعلى حسابهم...
وهذا ما يفسر عداء ورثة بومدين وحكام تركيا وإيران للمغرب. حيث عبروا عن ذلك عبر دعايتهم الخسيسة ضد بلدنا، مروجين أننا حصلنا على اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه مقابل تنازلنا عن مساندة القضية الفلسطينية... لكن تطور الأحداث سيؤكد أن دعاية هؤلاء مجرد كذب وتضليل للنيل من سمعة المغرب ومبادئه وقيمه.
لماذا اختار بومدين أن يجعل عـلم ما يسميه بـ " الصحراء الغربية" مشابها للعلم الفلسطيني؟ لأنه كان يعي أن الجالية اليهودية المغربية في المهجر ستواجه مشروعه التوسعي في المغرب. وقد لاحظ في حياته أن اليهود الذين كانوا يوجدون في المهجر في زمانه ظلوا مخلصين لأوطانهم الأصلية، ووقفوا إلى جانبها في كل قضاياها. لذلك، استفاد من هذا الدرس، لأنه كان يدرك أن الجالية اليهودية في المهجر ستواجهه في كل المحافل وستكسر أحلامه التوسعية الظالمة للمغرب. وهذا ما يفسر عداء ورثة بومدين لليهود المغاربة في المهجر. لذلك على جنرالات الجزائر أن يدركوا جيدا أننا نحب جاليتنا اليهودية في المهجر، وأن لا شيء، ولا أحد، يمكن أن يفصل بيننا وبينها، لأننا نعي أن دعاية هؤلاء الخصوم وتضليلهم يرمي إلى الفصل بيننا وبين جاليتنا اليهودية بالمهجر، وبيننا وبين إخواننا الفلسطينيين. لقد تأكد للمغاربة جميعا أن هذه الجالية اليهودية المغربية في المهجر تعشق المغرب، ولا يمكن أن تتخلى عنه، ولا يمكن لوطنها أن يتخلى عنها. وهذه معادلة صعبة لا يدركها هؤلاء الجنرالات وحلفاؤهم الأتراك والإيرانيون جميعا... كما أن المغرب والمغاربة سيظلون متضامنين مع الشعب الفلسطيني حتى تحقيق حقه في إقامة دولته المستقلة...
لقد أكد تطور الأحداث أن حلم بومدين التوسعي قد باء بالفشل، كما أن جنرالات الجزائر لم يدركوا أن أحلام بومدين قد تتبخر يوما. لذلك، على هؤلاء الجنرالات أن يعوا أن أحلام بومدين التوسعية قد أدخلتهم في نفق مظلم لن يستطيعوا الخروج منه، حيث أصبح الشعب الجزائري يعي أن هناك جبالا من الملايير تنفق على مليشيات "البوليساريو" الذين يجوبون بها العالم طولا وعرضا، ويقيمون بها في أفخم الفنادق العالمية، ويقتنون بها عقارات في إسبانيا وكوبا والولايات المتحدة الأمريكية، وينفقونها في تأسيس شركات ومحلات تجارية في مختلف البلدان والدول. كما صار الشعب الجزائري لا يرى أية مصلحة فيما يسمى بـ "الصحراء الغربية" ويعي أن حكام بلاده قد أدخلوه بسببها في متاهات تستنزف أمواله، فصار مدركا أن الجنرالات اتخذوا هذه المشكلة، التي اختلقوها، مطية للتغطية على نهبهم لمُقدَّراته..
ونتيجة لذلك، غدا الجزائريون يرون من الضروري إنفاق هذه الملايير على مدنه، ويَعون أن الجزائر تعيش مشكلة مكعبة مالية وسياسة واجتماعية، حيث انخفضت عائدات الغاز، واحتدت الصراعات بين الجنرالات. ونظرا لما يتعرض له الشعب الجزائري من ضائقة العيش التي فرضها عليه التدبير السيئ لحكامه وفسادهم، فمن المحتمل جدا أن تحدث انتفاضات تطالب برحيلهم، وقد تدخل الجزائر قريبا في نفق مجهول.