الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

نوفل البعمري : مستقبل نزاع الصحراء ما بعد القرار الأمريكي

نوفل البعمري : مستقبل نزاع الصحراء ما بعد القرار الأمريكي نوفل البعمري
شكل قرار الولايات المتحدة الأمريكية الاعتراف بمغربية الصحراء وسيادة المغرب على كامل أراضيه، من خلال المرسوم الرئاسي الذي أصدره ووقعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وعممه على باقي سفارات العالم لتغيير خريطة المغرب، وإزالة الخط الذي كان يشير إلى منطقة النزاع، شكل هذا القرار ضربة قوية سياسية لخصوم المغرب التقليديين، خاصة منهم الدولة الحاضنة للبوليساريو التي لم تصدر خارجيتها أي بلاغ يعبر عن موقف رافض أو شاجب للمرسوم الرئاسي كما فعلت مع عدة دول، وذلك لأنه هذه المرة صادر عن دولة لها وزنها السياسي، وحضورها الإقليمي القوي، وتأثيرها في المنطقة وفي عدة ملفات، بما فيها الملف الجزائري داخليا، مع يتعلق منه بمستقبل السلطة السياسية، خاصة في ظل غموض «أسود» للوضع الجزائري الذي أصبح مفتوحا أكثر من ذي قبل على المجهول، وعلى سيطرة حديدية لعسكر الجزائر، خاصة مع عدم قدرة الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون على تسيير البلاد لأكثر من شهرين، وهو ما يناقض الدستور الجزائري.
إن القرار الأمريكي الذي اعترف بمغربية الصحراء، وأعلن فتح قنصلية بمدينة الداخلة، وما عبر عنه السفير الأمريكي بالمغرب بعد إعلان هذا القرار، ستكون له عدة انعكاسات أساسية، متعددة، متنوعة ذات أبعاد مختلفة، نذكر منها:
1- البعد السياسي للقرار:
نحن اليوم لا نتحدث عن بلد عادي، بل نتحدث عن الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة «القلم» الذي يصوغ مسودة القرار المتعلق بالصحراء الذي يُعرض للمناقشة على مجلس الأمن، بالتالي، فقرارها لا بد وأن ينعكس على رؤيتها للحل السياسي داخل الأمم المتحدة، ما سيجعل من المواد التي ستعدها مستقبلا أكثر انفتاحا، دعما لمبادرة الحكم الذاتي، قد تصاحبها إجراءات عملية لتنفيذ هذه المبادرة، والانتقال من المستوى الحالي الذي يتحدث عن معايير سياسية مؤطرة للنزاع إلى خطوات عملية للانتقال إلى أجرأة الحل السياسي الذي اقترحه المغرب، والذي يحظى بدعم سياسي كبير داخل مجلس الأمن وخارجه، لذلك، فقرار الولايات المتحدة الأمريكية الاعتراف بالصحراء هو قرار سيكون له انعكاس سياسي إيجابي على النزاع وعلى مختلف المباحثات التي قد تُعلن مستقبلا، خاصة ما يتعلق باستكمال المباحثات التي توقفت بعد استقالة هانس كوهلر، وهي المباحثات السياسية التي أكد قرار مجلس الأمن حول الصحراء 2548، الصادر نهاية أكتوبر الماضي، أهمية العودة إليها، لكن هذه العودة ستكون وفق المتغيرات الميدانية التي شهدتها المنطقة، وهي متغيرات تتعلق بالوضع الأمني بعد العملية التي قام بها الجيش المغربي في المنطقة العازلة الكركرات، والتي أدت إلى وقف الأعمال العدائية التي كان يقوم بها خصوم المغرب، ووفقا لهذا المتغير المتعلق بالموقف الأمريكي الجديد الذي كان يتبلور منذ سنة 2018، وبالعودة لمختلف القرارات الصادرة منذ تلك الفترة عن مجلس الأمن، فقد كانت تتجه كلها نحو بلورة موقف أمريكي جديد تجاه النزاع والصحراء، وتجاه المغرب ككل، خاصة مع حجم المصالح المشتركة التي باتت اليوم تربط المغرب بالولايات المتحدة الأمريكية، والتحديات التي سيواجهانها محليا، إقليميا وشرق-أوسطيا.
لذلك، فإن قرار الولايات المتحدة الأمريكية القاضي بالاعتراف بمغربية الصحراء سيكون له هذا التأثير السياسي على النزاع، وسيدفع في اتجاه دعم مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب لإنهاء هذا النزاع الذي عمَّر لأكثر من 46 سنة، والذي يطل ليكمل نصف قرن.
2- البعد الاقتصادي للقرار:
قرار الولايات المتحدة الأمريكية افتتاح قنصلية لها بمدينة الداخلة، إذا ما أضفنا إليه خلفية السفير الأمريكي بالمغرب الاقتصادية، حيث أتى من الوسط المالي والاقتصادي الأمريكي، فإن افتتاح قنصلية أمريكية بالداخلة، خاصة مع الدور الاقتصادي الذي تلعبه هذه القنصليات، لا يعني فقط الدعم السياسي للمغرب، بل سيشكل نوعا من الدعم الاقتصادي للمنطقة التي تعرف حاجة إلى المزيد من الاستثمارات الأجنبية القوية لخلق فرص الشغل للساكنة الصحراوية المحلية، خاصة الشابة منها، وتزداد أهمية هذا الدعم الاقتصادي مع ما سيوفره المغرب من بنية تحتية قوية ومشاريع كبرى (ميناء الداخلة- ميناء أمهيريز- وحدات صناعية في بئر كندوز...) أعلنها لتأهيل كل المنطقة من الداخلة إلى بئر كندوز، التي تبعد بحوالي 65 كلم فقط عن المعبر الحدودي الكركرات، وستفتح هذه الاستثمارات التي سيضخها المغرب المجال، بل ستكون مشجعة للرأسمال الأمريكي للاستثمار في المنطقة، لأنها ستشكل أرضية واعدة وخصبة للربح المتبادل.
لذلك فالقرار الأمريكي لن يكون له انعكاس سياسي فقط، بل اقتصادي أيضا، ولا بد وأن تكون الدولة الموريتانية شريكة في هذا الربح الاقتصادي، ولا بد من إشراكها في عائداته بصيغة من الصيغ لجعل منطقة الصحراء رافعة للتنمية ليس للصحراء والمغرب فقط، بل لموريتانيا وشعبها الشقيق، في إطار نوع من التكامل الاقتصادي الإقليمي الذي سيعزز من القرب مع هذا البلد الشقيق وسيفتح المنطقة ككل على مصراعيها نحو التقدم، ولتكون أرضية قوية اقتصاديا، اجتماعيا لشمال إفريقيا.
3- القرار الأمريكي وفلسطين
السؤال الذي يتردد منذ صدور القرار الأمريكي هو: هل قايض المغرب فلسطين بالصحراء؟ وهو سؤال لا يمكن أن يُجرم، بل هو مشروع بالنَّظر إلى مواقف المغرب التاريخية من النزاع الفلسطيني/الإسرائيلي، وترؤس الملك بصفته أميرا للمؤمنين لجنة القدس، وموقفه من صفقة القدس، خاصة نقل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية إلى القدس… كل هذه المواقف خلقت نوعا من الضبابية لدى البعض في علاقة بالبلاغ الصادر عقب إعلان الموقف الأمريكي، والذي أعلن فيه المغرب استئناف علاقته بإسرائيل، لكن بالعودة لهذا البلاغ لا بد من إبداء الملاحظات التالية:
أولا: المغرب لم يعلن افتتاح قنصلية، كما فعلت عدة دول عربية ممن أعادت علاقتها لإسرائيل، بل أعيد افتتاح مكتب الاتصال الإسرائيلي، وهو من الناحية الدبلوماسية أقل درجة من سفارة أو قنصلية، كما أن مكاتب الاتصال لا تقوم بمهام دبلوماسية رسمية، ولا يحظى العاملون فيه بأي اعتماد دبلوماسي أو استقبال ملكي كالذي تحظى به السفارات والقنصليات، لذلك نحن في درجة ومستوى دبلوماسي معين، بل يمكن القول في أدنى مستوياته الدبلوماسية.
ثانيا: مكتب الاتصال الإسرائيلي الذي سيُفتتح مهامه محددة، وفقا لما أشار إليه بلاغ الديوان الملكي، وتتعلق بمواكبة السياح الإسرائيليين الذين يأتون إلى المغرب لزيارة المزارات الدينية اليهودية، وكذلك لاستقبال اليهود المغاربة المقيمين بإسرائيل، وبعض الأنشطة الأخرى التي تحدث عنها بلاغ الديوان الملكي، وهي أنشطة كانت موجودة، لا يمكن أن ننكر أننا جميعا كنا نشاهد سياحا إسرائيليين بالمدن المغربية، ولم يحتج أحد على ذلك، كما لم تسجل أية احتكاكات معهم، بمعنى أنه كان هناك تقبل شعبي لهم، كما أن الأمر لم يثر يوما أية حساسية لدى المغاربة، بل على العكس من ذلك…
ثالثا: بلاغ الديوان الملكي كان واضحا من حيث تدقيقه للمواقف المغربية تجاه فلسطين والقدس، وأعاد التذكير بها، ولم يتراجع عن أي موقف من مواقفه السابقة، سواء نظرته إلى الحل، وهي قائمة كما كانت على حل الدولتين، وهو نفسه ما تطالب به السلطة الفلسطينية، أو من حيث موقفه من القدس قبلة للمسلمين ولباقي الديانات السماوية الأخرى… وقد كان بلاغ الديوان الملكي موفقا في إعادة تدقيق مواقفه حتى لا يُخلط بين فتح مكتب الاتصال الإسرائيلي وبين القضية الفلسطينية، وبين هذه الأخيرة وقضية الصحراء، لذلك، فأهمية توضيح الموقف المغربي، سواء في البلاغ أو في الحرص الملكي على الاتصال بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، هو ما أدى الى تفهم فلسطيني للموقف المغربي، حيث لم تصدر السلطة الفلسطينية أي بلاغ تنديدي بعودة الاتصال مع إسرائيل، كما فعلت مع عدة دول عربية أخرى، لأن الملك اختار سياسة التواصل المباشر مع السلطة الفلسطينية، والوضوح في الموقف مع الشعبين الفلسطيني والمغربي.
4- فلسطين أم الصحراء؟
بدأ هذا السؤال يتردد منذ مدة غير طويلة، وازداد طرحه منذ انطلاق النقاش حول القرار الأمريكي، وعودة الاتصالات بين المغرب وإسرائيل، وهو سؤال لا يمكن شيطنته ولا شيطنة أصحابه، لأنه ينطلق من مسلمة أساسية هي أن كل شيء قابل للنقاش وطرح الأسئلة بشأنه، ولا يمكن أن يكون هناك مجال لتخوين أي جهة وأي وجهة نظر أكانت داعمة أو ناقدة للقرار، لأن ما حققه المغرب أكبر من أن نسجن فيه «الآراء» و«المواقف» مهما كانت حدتها، بل العملية كلها يجب أن تكون مساعدة ومناسبة لإظهار الوجه الديمقراطي التعددي للمغرب، حتى لو تعلق الأمر بأقلية ممن ربطت بين فلسطين والصحراء، واعتبرت الأمر مقايضة للدم الفلسطيني بالتراب المغرب، وهي عملية -أي المقايضة- لم تقع، ولا يمكن أن نتجه نحو تبني هذا الطرح وهذا الموقف، لأن الصحراء أكبر من أن تقايض بأي نزاع آخر، ولو كان المغرب يريد مقايضتها، لفعل ذلك منذ سنوات ولما انتظر 46 سنة ليقوم بذلك، ولكان قايضها زمن الحرب الباردة حيث كانت الاصطفافات حقيقية والصراع الدولي قويا، وليس الآن.
صفوف متراصة ومتحركة على أرضية الحكم الذاتي
إن المصلحة، كما قال رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، اقتضت أن يتزامن إعلان الموقفين معا، أن يزامن إعلان الموقف الأمريكي إعلان المغرب عودة مكتب الاتصال الإسرائيلي للمغرب، وتداخلت في ذلك المصلحة الوطنية والمصلحة الفلسطينية، لأن عودة العلاقة المغربية الإسرائيلية قد تكون مفيدة لفلسطين نفسها، فالمغرب لن يكون محرجا في لعب دور إيجابي علني تجاه فلسطين لدى إسرائيل، وقد سبق أن لعب هذا الدور، وهو قادر على لعبه من موقع رئاسة لجنة القدس. كان يمكن الحديث عن مقايضة لو غير المغرب من مواقفه تجاه القضية الفلسطينية، أما وأنه حافظ على مواقفه التاريخية نفسها، فلا يمكن الحديث عن مقايضة ولا خيانة، لأن العبرة بالمواقف المعلنة من حق العودة، من القدس، من الحل...
إننا أمام لحظة تاريخية من تاريخ المغرب تجاه القضية الوطنية وملف الصحراء، وهي لحظة يجب أن تتعزز بإجماع تعددي حول هذا الملف، بما كان يسميه الفقيد عبد الرحيم بوعبيد بصفوف متراصة ومتحركة، هذا ما يحتاج إليه المغرب اليوم أكثر من ذي قبل.. صفوف متراصة لمواجهة الخصوم، ومتحركة في مختلف الاتجاهات لتحقيق مكاسب وطنية وتعزيزها لإنهاء هذا النزاع على أرضية الحكم الذاتي.