الأحد 24 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

محمد الوادي: لا تغضبوا مني..!

محمد الوادي: لا تغضبوا مني..! د.محمد الوادي
عندما أوغل في الصمت فاعلموا أن أمواجي ستضرب، بقوة، زجاج بيتكم الهش. النشرة الإنذارية، حسب الأخبار التي لم تنشر بعد، تؤكد أن القادم، وإن لم تبشر به عرافة المدينة(سأحكي لكم عنها في قادم الأيام)، فهو على وشك الحدوث. مسافة المُزْنِ والاكْفِهْرَار فقط وستمطر أوّلاً، ثم يمتلأ البحر ضجراً ثانياً، ثم تعلو الأمواج ويزيد منسوب القلق ثالثاً.
لا تغضبوا مني..
أنتم من صب الزيت على النار. اعتقدتم أن مركبة البَحَّار ستحترق بالكامل ونَسِيتُم أن بعض المراكب من ماء لا ينبغي للنار أن تمسها، ولا للحرائق أن تدركها.
في الفلك، الذي صنع بأعين ربانية، كانت البوصلة تشير إلى جهة النجاة، والنار كانت برداً وسلاماً.
لا تغضبوا مني..
أو اغضبوا واشربوا كل مياه البحار والمحيطات المالحة، لم تعد صفحتكم الممزقة ضمن كتابي، وضمن سِجِل حساباتي الفلكية. بات غضبكم مني خارج المدار، وبعيداً عن كنانيشي، وألواحي، وتخميناتي....
لقد سقطتم في آخر اختبار عندما اعتقدتم أنني هالك، وأنني راحل لا محالة، وأنكم ربحتم الرهان واسترحتم من الوجع الذي كان يؤرق نومكم، ويقض مضجعكم، ويفسد عليكم غنائمكم، ويرصد تفاهتكم، ويعري جشعكم، لكن الإرادة الإلهية كانت قد رسمت، منذ الأزل، خريطة أخرى غير متوقَّعة تمنح السندباد جولات وجولات إضافية، وتَهَب شهريار سماع المزيد من حكايات شهرزاد المشوقة والعجيبة، لتواصل سفينة الربّار سمفونية الإبحار في اتجاه الأبعد والأعمق.
لا تغضبوا مني، أو اغضبوا ملأ صدوركم الحاقدة، ونفوسكم المريضة، الأمر عندي سيان. لا شرقكم تطل منه شمس، ولا غربكم ينفتح على أُفُق حالم. لقد صنفتكم ضمن دائرة الخواء. لم يعد أحد يهتم بهيكلكم الأجوف، ولا بلغوكم، ولا بمراياكم المشروخة. رُفِع القلم.
لا تغضبوا مني أو اغضبوا واحنقوا واحقدوا وكيدوا ونمِّموا واغتابوا وتآمروا وتناطحوا ماتيوس على غنيمة من هباء... تلك صفاتكم الدالة عليكم، وذاك دَيْدَنكم، هوايتكم واحترافكم، عشقكم الذي يسري في دمائكم. كل جبال الخبث هذه لا تحرك شعرة في مفرق رأسي، فقد مسحت كل أثر لكم ورميت به في خريطة الإهمال.. في تلك القارة المنسية التي لا تصلها غير أرواحكم الشقية.
اغضبوا مني فأنتم لم تجربوا لا طيش الطفولة، ولا جنون المبدعين، ولا حمق العشاق، ولا شطحات المتعبدين والنُّسّاك. لم تجربوا أن تكونوا من فصيلة الإنسانية، ومن الانتماء الحضاري، ومن قبيلة العلم والمعرفة، ومن سلالة التسامح، ومن أدبيات الحوار. لكل هذا وغيره حملت زادي وأعلنت العصيان.