الجمعة 29 مارس 2024
فن وثقافة

بلقايد: العيطة الزعرية والخريبكية وإشكالية التصنيف (5-5)

بلقايد: العيطة الزعرية والخريبكية وإشكالية التصنيف (5-5) عبد العالي بلقايد (يسارا) والشيخ ولد قدور

تعتبر العيطة الزعرية في نظر العديد من الباحثين بأنها عيطة تحريضية ثورية حماسية، على اعتبار أن نصوصها الشعرية الغنائية تعج بمواضيع متنوعة، تؤرخ لشجاعة الفرسان وحماسهم ومواجهتهم للمستعمر، وتوثق أيضا لأحداث التصدي ضد العدو، والجهاد في سبيل الوطن.

 

إن الشجن والنوستالجيا في العيطة الزعرية "يربطنا بملاحم شعبية كانت أرض ورديغة مسرحا لها، وخريبكة واحدة من مكونات جغرافيتها، كما تشكل جغرافيا المقاومة التي تصدت للآخر الغاصب للأرض".

 

في الحلقة الخامسة من سلسلة التعريف بالعيطة الزعرية التي تنشرها "أنفاس بريس" استمرارا لدعم مجهودات لجنة البحث بتنسيق مع الباحث الأستاذ عبد العالي بلقايد، نقدم للقراء ورقة كمقدمة "للتعاطي مع العيطة الزعرية والخريبكية وإشكالية تصنيفها ضمن الصنف المركب أو البسيط".

 

إشكالية تصنيف العيطة الزعرية، سواء ضمن النمط المركب، أو البسيط، لا ينزع عن هذا الصنف الإمتاع الحاصل زمن التفاعل معه، وإن اختلف الباحثون حول هذه التيمة بين من صنفها ضمن النمط البسيط، وكان هذا رأي المرحوم أبو حميد والذي جعلها من التوابع للعناصر المشكلة للبناء العيطي بالمغرب، وتبعه في ذلك الباحث حسن نجمي حين اعتبرها تقع ضمن مجال الغناء الملالي.

 

وبين من اعتبرها تقع ضمن النمط المركب وخاصة بعض الباحثين الجدد، الذي جمع بين الموسيقى والبحث كالحسين السطاتي الذي لم يخرجها من الصنف المركب، وهذه ميزة سائر أنماط العيطة المغربية التي لا تمايز بينها فيما يخص طبيعتها. كما أن خصائص المقامات الموسيقية التي تمتح منها أي (العيطة) دفعت الكثيرين، بوصف ميزان موسيقاها بالفردي بمعنى "impaire" والذي يسميه الموسيقيون بالخماسي. وهذا ينسحب على الموسيقى المغربية بكافة ألوانها، باستثناء موسيقى الشمال المغربي التي كانت على نمط الموسيقى الأوروبية، والتي كانت لربما متأثرة بالموسيقى الأندلسية، والتي دفعت الموسيقيين المغاربة بإدماجها ضمن النسيج الموسيقي المغربي (أي الموسيقى الأندلسية)، بابتكار نوبة مغربية تحمل اسم الاستهلال، وميزان مغربي يسمى الدرج.

 

ومما تم الترويج له، أن هذا الميزان ابتكره رجل من سوس، لكي يتم التثبيت في الأذهان بأن هذا الميزان يسير على طبيعة الموسيقى المغربية، التي لا تشبه إلا ذاتها باختلافها عن كثير من موسيقات العالم وخاصة النمط الغربي، وحتى الشرقي.

 

وما جعل المغاربة يبتكرون هذه النوبة والميزان، هو حاجتهم لجعل الموسيقى الأندلسية قادرة على استيعاب لون الإنشاد الديني الذي استجد بعد أن تبنى المغرب عيد المولد النبوي. ولاشك أن هذا اللون سيكون مقدمة لتطوير الموسيقى العيساوية التي ستتبناها الزوايا فيما بعد خلال القرن  السادس عشر، أو السابع عشر.

 

الجذب المميز للون العيساوي لا تخلو منه كافة ألوان العيطة المغربية، وبالأخص العيطة الغرباوية وتحديدا لون "الهيت" حين يكون بآلة "الغيطة/ النفخية"، ما يجعله قريبا من الموسيقى العيساوية باعتبار أن الحساسية الأصيلة لعيساوة ما زالت تستوطن الغرب. كما يتوطن الجذب النموذج الزعري، وبالأخص بمنطقة ورديغة لانتشار الصلاح بشكل كبير في هذه المنطقة .

 

كما أن اسم عبيدات الرما لا يخلو من نفحات روحية، لأن من معاني عبيدات الرما: القصدية، فهم يرمون بكلامهم، ويقصدون، فما يرمون إليه هو شفاء روح المتلقي على اعتبار أن الكل يوجد ضمن (الْكاوْرْ)  كمكان ضام للبركات التي تكون معنوية عند ناس الصلاح، ومادية عند الفلاحين .

 

إن منطلق الكاتب والباحث حسن نجمي، على  اعتبار أن هذا النمط تطغى عليه حساسية عبيدات الرما، لا ينفي عنه الجمالية والمتعة لأن الغاية والمقصد من الغناء عند لعبيدات هو المتعة، متعة بتمثيل فصول من تصرفات وسلوكات كانت زمن البدايات تتشكل في الواقع على صورة ملاحم، أو أنهم كانوا ضمن ملاحم، ووسط معمعانها، لأنهم كانوا ضمن شريحة الرماة كفئة محورية ضمن الجيوش السلطانية بتحفيز الرماة، أو دفع العدو برميهم ببراويل قصد إرعابهم.

 

فإن كان الأستاذ عيدون قد اعتبر العيطة فنا مدينيا، لحيازته طابع التركيب، فهذا لا يمنع من مجاوزته بين التركيب والبساطة، أي بين كونه يغشى البادية والمدينة أي يحظى بالاستهلاك الجمالي في المجالين معا. أما من حيث طبيعته كمنتوج فهو لا يختلف عن الأندلسي، أو الملحون الذي هو كذلك يضم السرابة، كما يضم الماية كشذرة نصية.