الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: عنف الشرطة يسقط قانون  الامن الشامل بفرنسا

يوسف لهلالي: عنف الشرطة يسقط قانون  الامن الشامل بفرنسا يوسف لهلالي

منذ أسبوعين نجح الرئيس الفرنسي في الحصول على أغلبية داخل البرلمان من أجل اعتماد قانون "الأمن الشامل" المثير للجدل رغم اعتراض أغلب نقابات الصحافة عليه. وأبدى وزير الداخلية جيرار درمنان، صاحب هذه المبادرة، كمنتصر ورجل الأغلبية داخل الحزب الحاكم "الجمهورية إلى الأمام. وهذا القانون كان يسمح لشرطة لمنع أي شخص بمن فيهم الصحافة من أجل تصويرها أثناء قيامها بعمليات التدخل أو مواجهة تظاهرات احتجاجية. بالإضافة إلى صلاحيات أخرى في استعمال الصورة والطائرات المسيرة وتم اعتماد القانون في قراءة أولية ليأخذ مساره نحو الغرفة الثانية.

 

وتنص المادة 24 من مشروع القانون هذا المثير للجدل على عقوبة بالسجن سنة ودفع غرامة قدرها 45 ألف يورو لبث صور لعناصر من الشرطة والدرك بدافع "سوء النية". وتؤكد الحكومة أن هذه المادة تهدف إلى حماية العناصر الذين يتعرضون لحملات كراهية ودعوات للقتل على شبكات التواصل الاجتماعي.

 

لكن بعد حادثين شهدتهما باريس العاصمة إثر تدخل الشرطة بشكل جد عنيف، بل خارج القانون، كانا كافيين لإثارة استنكار كل الطبقة السياسية بمن فيهم رئيس الجمهورية زعيم الاغلبية الحاكمة الذي كان يدعم وزير الداخلية.

 

الحادث الأول هو تدخل الشرطة بشكل عنيف، يوم الاثنين 23 نوفمبر 2020، لتفكيك مخيم للمهاجرين أقيم في ساحة الجمهورية بوسط باريس، في سياق حملة إعلامية لمنظمات مدافعة عنهم. ورصدت  الصحافة التدخل العنيف جدا للشرطة من أجل اخلاء متظاهرين مسالمين والناشطين المدافعين عنهم، بل إن هذا العنف لم تسلم منه حتى الصحافة.

 

لكن الحادث الثاني، الذي سوف يثير استنكار كل الطبقة السياسية والمجتمع الفرنسي بكل أطيافه، هو الذي حدث يوم الخميس 26 نوفمبر 2020، عندما تم نشر صور كاميرات مراقبة تظهر ثلاثة من عناصر الشرطة يعتدون بالضرب المبرح على منتج موسيقي أسود. ووجه القضاء الفرنسي التهم إلى أربعة عناصر شرطة، أوقف اثنان منهما، في إطار التحقيق المفتوح بقضية ضرب ميشيل زيكلير، تتعلق خصوصا بممارسة ضرب متعمد، فاقمته دوافع عنصرية، ما أسهم في زيادة التوتر عامة  في البلاد.

 

ونددت الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي وبعض كبار وجوه الرياضة بعنف الشرطة. وأدان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مساء يوم الجمعة هذا "الاعتداء غير المقبول" و"الصور المخزية". وأن الصور التي تظهر تعرض زيكلير للضرب هي "عار" على فرنسا.

 

ونددت الصحافة الفرنسية والأجنبية بـ "جنوح أمني" وبـ "إساءة إلى الحقوق". ومن بين الأصوات المنتقدة رئيسة المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ميشال باشليه ومقررو حقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة. كما طرحت المسألة للبحث في البرلمان الأوروبي. وتظاهر أكثر من 500 ألف حسب المنظمين، في باريس وعدة مدن فرنسية السبت الماضي رفضا لمشروع قانون أمني يرون أنه ينتهك الحريات، وسط تسجيل أعمال عنف في هذا التحرك الذي اكتسب زخما على خلفية كشف اعتداءات لعناصر في الشرطة.

 

وهي تظاهرة دعت إليها منظمات للصحافيين وأحزاب يسارية ونقابات ومنظمات غير حكومية للدفاع عن الحريات، رفضا  لهذا النص الذي يعتبر معارضوه أنه ينتهك حرية التعبير وسيادة القانون.

 

انضمت شخصيات عدة إلى الدعوة للتظاهرات التي أقيمت تحت شعار "رفض أن تكون فرنسا بلد عنف الشرطة والإساءة إلى حرية الإعلام". وكان من بين المشاركين الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند الذي دعا إلى سحب مشروع القانون.

 

ووقعت صدامات مع قوات الأمن وانتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي عدة مقاطع فيديو تظهر تعرض عناصر شرطة لضرب مبرح.

 

تجاوزات عناصر الشرطة الفرنسية والتظاهرات التي أعقبت ذلك واستنكار الطبقة السياسية لعملها والاستنكار على مستوى أوروبا، تسبب في أزمة سياسية وهو ما جعل الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون يخرج عن صمته ويطلب بإعادة كتابة هذا القانون رغم أنه تم التصويت عليه في قراءة أولية من طرف الجمعية الوطنية.

 

طلب ماكرون الجمعة الماضية من الحكومة أن "تقدم سريعا مقترحات لإعادة التأكيد على رابط الثقة الذي يجب أن يكون قائما بشكل طبيعي بين الفرنسيين ومن يقومون بحمايتهم، ومن أجل مكافحة جميع اشكال التمييز بفعالية أكبر. تراجع آخر تم هذا الاسبوع بعد أن طلب الرئيس مرة أخرى بعد اجتماع مع أعضاء الحكومة إعادة كتابة هذا القانون المثير للجدل، وهو ما اعتبره المعارضون تراجعا استراتيجيا، وحسب الأخبار المسربة من قصر الإليزيه، فإن الرئيس عبر عن غضبة من طريقة تدبير هذا الملف من طرف الحكومة، مما أجبره على التدخل بنفسه لإطفاء النار، وكان الغضب أيضا من وزير الداخلية الذي استمر في  صب الزيت على النار، لكن رغم ذلك لم تتم إقالته، كما طالب بذلك الشارع، واختياره هو لاستقطاب أصوات اليمين المحافظ الذي يعطي أولية  للجانب الأمني.

 

لكن مطالبة إعادة كتابة قانون الأمن العام هو طريقة مؤدبة تحفظ ماء الوجه وتصبو إلى دفن هذا القانون بشكل نهائي دون المس بوزير الداخلية أو الحد من دوره. وهو ما يعتبر تراجعا للحكومة الفرنسية أمام ضغط الشارع. لكن التجاوزات التي قامت بها الشرطة الفرنسية ضد المتظاهرين والضرب المبرح لمواطن أسود لأسباب عنصرية، سهلت هذه المهمة، وهي إقبار قانون كان الهدف منه إرضاء نقابات الشرطة واليمين المحافظ.

 

لكن هذا التراجع هل يكفي لإطفاء هذه الأزمة السياسية الخطيرة في ظل وباء كورونا؟