الخميس 28 مارس 2024
فن وثقافة

الباحث مزيوني يميط اللثام عن نشأة وخصائص وميزة لون العيطة الزعرية

الباحث مزيوني يميط اللثام عن نشأة وخصائص وميزة لون العيطة الزعرية جلال مزيوني (يمينا) وشيخ العيطة الزعرية محمد ولد أمبارك

العيطة الزعرية عيطة مركبة، أغنية شعبية من ثلاثة إلى خمسة أجزاء وأكثر، جاءت تسميتها نسبة إلى المنطقة التي نشأت بها "زعير"، وهو المحيط الجغرافي الذي كان ومازال "يزخر"، ويروج به هذا النمط الغنائي بكثرة. وتنتشر "العيطة الزعرية" بكل من مناطق الرباط، سلا، زمور زعير، بنسليمان، إلى حدود خريبكَة، ثم إلى تخوم وادي زم، وأبي الجعد بحدود بني ملال.

 

هي لون غنائي "عيطي" متميز، له خصائص تعزله عن باقي الألوان العيطية الأخرى، حيث يتقابل فيها الصوت الخفيض، الرخيم، مع الصوت الصريري المرتفع الناحب، ولا تعرف الوسط المعتدل.. ويتطلب غنائها قدرة صوتية هائلة ونفَسا طويلا.. وهي من العيوط المعقدة، الصعبة الألحان والإيقاع، حيث يتم موازنة الآلات الوترية في تسوية عالية، أو ما يسمى بلغة الشيوخ لحرايفية بـ "مساوية قانشة". ويأخذ العيط الزعري الطابع البكائي والفجائعي من العيط الملالي، كما نجده بشكل من الأشكال في الألحان والإيقاعات القادمة من العيطة الحوزية.

 

نشأ هذا الفن على ضفاف المحيط والأودية والعيون المائية وخيراتها، وسط طبيعة خلابة، بمنطقة "زعير" الغنية بثرواتها النباتية والمعدنية والحيوانية، وحزامها الأخضر الغابوي، بين السهول الزراعية الخصبة والأراضي المنبسطة.

 

وقد صدحت حناجر البدو بهذا التراث "الزعري" في البراري وسط المروج الخضراء، على تمايل السنابل الذهبية والزهور البرية، ووسط قصور السلاطين ورياضات البشوات والقواد والأعيان الكبار، وأثث الأفراح بالمداشر والدواوير والقرى النائية...

 

تقدم العيطة الزعرية، صورة فنية بديعة عن البيئة الزراعية والرعوية الخصبة التي احتضنتها ورعت محاولاتها الأولى، وهي عيطة تحريضية ثورية حماسية، نص شعري بمواضيع مختلفة، تؤرخ للشجاعة والحماس والثورة ضد العدو، والجهاد في سبيل الوطن، كما توثق الاضطهاد والمس بالكرامة الذي كان يتعرض له المغاربة والمقاومين الفدائيين الأبطال الذين كان يقودهم نضالهم إلى أقبية السجون وساحات الإعدام.

 

وتتغنى العيطة الزعرية بجمال المرأة والعشق والهيام، وتشير كذلك لبعض مكونات البيئة "الزعرية" التي ترعرعت وسطها كتمجيدها للخيل والفرسان، وإطرائها على صفات الكرم والشجاعة والإقدام التي تكون مطلوبة في رجال القبائل ونسائها وسادتها بالمنطقة.

 

ومن بين أغاني "العيوط الزعرية" الشهيرة، التي مازالت رائجة يمكن استحضار عناوين أغاني: "بوجناح، جعيدان زعرية، بوعبيد الشرقي، حوز القصبة، قرصو لفوكَ، الحساب الزعري..."

 

جلال مزيوني، مهتم بالتراث الشعبي المغربي