الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

اسمهان عمور: أهرمومو

اسمهان عمور: أهرمومو اسمهان عمور
كنا بحكم انتماء الوالد إلى المدرسة العسكرية اهرمومو نسكن بيتا ذي واجهتين مرصوصا  إلى جانب بيوت أخرى زين سقفها القرميد، وعلى جنبات الطريق المؤدية إليها أشجار تقاوم الثلج والبرد الذي تعرفهما المنطقة.
حملت المدرسة الابتدائية التي ولجتها أواخر الستينيات اسم أهرمومو.كان مديرها يشبه الفرنسيين في بنيته وفي عينيه الصافيتين وشاربه المائل لونه الى لون شعره الكستنائي، دائم الحضور إلى الساحة لتحية العلم وهو طقس مدرسي دأبنا عليه حتى لو لم نكن نعي عمق الفعل.
اتذكر جيدا إسم معلمين جليلين ..سي المسيح وسي العمري. هما اللذان كانا يحثان التلاميذ على جودة الخط وحسن النطق والمطالعة.
المدرسة بعيدة بحوالي أربع كيلومترات عن البيت. وكان التنقل موكلا الى سائق الشاحنة العسكرية التي كانت تقل ابناء ساكنة الثكنة، ومرات عدة كان يقف لحمل تلامذة حواشي الطريق الغير المعبدة لانعدام سيارات أوحافلات أو حتى كرويلة للتنقل.
هكذا بدأ مشواري .. مفعمة بحب تحية العلم، وعدم التأفف من الاكتظاظ في الشاحنة العسكرية أتذكر أن البعض كان ينظر إلينا نحن أبناء مدرسة اهرمومو بكثير من الدهشة والإعجاب هم الذين ينزحون من قرى مجاورة أغلبهم فتيان لا يملكون ما يستر أجسادهم النحيلة من قساوة المناخ...ثلج برد قارس...أمطار.
لم تخل المدرسة الابتدائية حينها من مطعم يقدم الوجبات مجانا لهؤلاء نظرا للمسافة الغير اليسيرة التي يقطعونها ذهابا وإيابا إلى شبه البيوت التي يقطنونها.
صادف أن ولجنا نحن أبناء ساكنة المدرسة العسكرية ذلك المطعم بسبب عاصفة ثلجية مفاجئة، فغاب السائق وغابت الشاحنة ...إقتسمنا أطباق العدس الساخن المدر للطاقة.
لم أكن أعلم حينها أن هؤلاء الذين قست عليهم ظروف معيشتهم أنهم يرفعون شعار العلم سيفا أمام المجهول.
كانوا وجلهم ذكورا لا يملكون من مستلزمات الدراسة إلا الأمل والتحدي.
أتذكر -ولم أكن أعي انذاك - معنى التضامن- أن المعلم ونحن في القسم الثالث ابتدائي نبهنا دون خدش لكرامتهم أن نخصص صندوقا للتضامن لاعانتهم، وأن نجلب من الملابس ادفأها  ومن الأحذية ما يقوى على تحمل المشي في مسالك وعرة.
كان المعلم أول من بادر الى التضامن لنهرول نحن إلى استعطاف الوالدين نصرة للمتسضعفين 
إنها قيم لم نكن ندري ماهيتها لولا المعلم الذي رسخ فينا تحية العلم حبا للوطن وصندوق التضامن الذي أفرغ ذات يوم فشع الفرح من عيون أولائك الذين لم تهزمهم قساوة الحياة.
كانت مدرستان بإسم واحد..
اهرمومو...مدرسة عسكرية صيرها الزمان إطلالا ومدرسة علمتنا عشق الوطن وحب الانسان.