الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

ملحمة "نداء الحسن".. أصل حكاية النشيد الوطني الثاني الخالد

ملحمة "نداء الحسن".. أصل حكاية النشيد الوطني الثاني الخالد ملحمة "نداء الحسن" أبدعها عبدالله عصامي
«لم نؤمر بالتغني بحدث المسيرة الخضراء. أنصتّ ككل المغاربة إلى خطاب جلالة الملك الذي أعلن فيه انطلاق المسيرة (5 نونبر 1975)، فتأثرت بكلمة «سيدنا»، وفكرت في فعل شيء ما لمواكبة الحدث، تماما كما تجند كل الفنانين لذلك».
هكذا تحدث عبد الله عصامي عن «نداء الحسن» التي تعد أولى أغاني المسيرة الخضراء، والتي صارت مع مرور السنوات أشبه بالنشيد الوطني، إذ يحفظها معظم المغاربة عن ظهر قلب، ويرددونها في الملاعب الرياضية، وفي حفلاتهم الغنائية داخل الوطن وخارجه.
يستعيد عبد الله عصامي التفاصيل في عدد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية المعدة عن المسيرة الخضراء بالقناتين الأولى والثانية، وضمنها يتذكر بأنه بمجرد استماعه للخطاب حتى بادر في الصباح الموالي (السبت) إلى الاتصال بعبد السلام خشان (رئيس الجوق الملكي) ليخبره برغبته في إعداد أغنية ما تستلهم خطاب الملك، وتساعد على الانخراط في تلك اللحظة الوطنية المتميزة في تاريخ استكمال المغرب لوحدته الترابية. في صباح نفس اليوم، اتصل بالزجال والمطرب فتح الله المغاري ليجد أنه أعد قصيدتين بالمناسبة. وقد وقع اختيار عصامي على أغنية «نداء الحسن».
(نفس الرواية أكدها المغاري نفسه في أحد تصريحاته التلفزيونية، مضيفا بأنه بمجرد ما انتهى الملك من الخطاب حتى اعترته مشاعر خاصة توجت بكتابة هذه الأغنية، إذ لا يعلم متى كتبت وكيف أبدع هذا العمل).
في اليوم الموالي (الأحد)، وابتداء من التاسعة صباحا شرع عصامي في تلحين الكلمات، كان مطلع القصيدة:
صوت الحسن ينادي بلسانك يا صحراء...
فكر عصامي في لازمة الافتتاح، فتداعت إلى فكره عبارة «الله أكبر» التي ستعمق اتجاه الكلمات نحو منحى حماسي وصوفي خالص. في العاشرة ليلا اكتملت الألحان، رقم قياسي في ابتكار نشيد وطني خالد.
في الصباح الموالي التقى عصامي، وفق روايته دائما، بعبد السلام خشان الذي تولى مهمة التوزيع الموسيقى، ووزع النوتات على أعضاء الجوق الملكي، في الوقت الذي كان يتوافد فيه المطربون للتفكير في ما ينبغي عمله فنيا لدعم لحظة انطلاق المسيرة فنيا.
ومن هناك برزت تلقائيا فكرة أن يؤدي كل الفنانين جماعيا هذه الأغنية بشكل تلقائي، وكانوا يتشكلون أساسا من «كورال» الجوقين الوطني والملكي، ومن بهيجة إدريس، محمد الحياني، أحمد الغرباوي، إسماعيل أحمد، محمود الإدريسي، عبد المنعم الجامعي، محمد علي، عماد عبد الكبير وعبد الله عصامي نفسه.
ومساء الثلاثاء انطلقت الأغنية على أمواج الإذاعة، وعلى الشاشة البيضاء السوداء للتلفزة المغربية. ومن هناك انطلقت باقي أغاني المسيرة التي رافقت الحدث في وقته دون أن يمنع ذلك من أن تظل تلك الأغاني مواكبة، عبر كل الأجيال، لمسيرة المغرب في بناء كيانه الوطني والديمقراطي.
لكن لماذا تكرست هذه الأغنية لتصبح أغنية كل وقت وكل جيل؟
من المحقق أن ذلك لا يعود فقط إلى كونها أول أغاني المسيرة الخضراء، ولكن لنوعية الكلمات والإيقاعات، ولطبيعة التوزيع الموسيقى، ولقوة الأصوات المؤدية. وبهذا الخصوص يذكر الباحث المسرحي والموسيقى عبد المجيد فنيش، في البرنامج التلفزيوني «يا موجة غني»، بأن الكلمات المستعملة تعود إلى اشتغال السهل الممتنع. إنها تكثف مشاعر المغاربة بنفحات الحماس الوطني، والواجب الديني باستلهام الخطاب الملكي.
وحسب فنيش، فالطابع السهل الممتنع هو نفسه الذي يميز الألحان، إذ عمد عصامي إلى استثمار الايقاعات المغربية الأصيلة لينقلها إلى الجمال اللحني. قوة الأغنية تعود كذلك إلى طبيعة التوزيع الموسيقى الذي خطط له عبد السلام خشان بما جعل الأغنية عبارة عن أداء سمفوني، وتظافر كل ذلك مع قوة أصوات «الكورال»، وأصوات المطربين الكبار. لهذه الاعتبارات الروحية والوطنية والتقنية والأدبية خلدت أغنية «نداء الحسن» في الذاكرة، وصارت عنوان انخراط الأغنية المغربية في واحدة من لحظات صنع حاضر المغرب ومستقبله.
تحية إلى مبدعي هذا العمل الخالد الذين ضبطوا إيقاع الكلمات على إيقاع الوطن.
      نداء الحسن
           صوت الحسن ينادي بلسانك يا صحــــراء
           فرحي يا أرض بلادي أرضك صبحت حـرة
           مرادنا لازم يكمل بالمسيرة الخضــــــــراء
           مسيرة أمة وشعب بولادو وبناتـــــــــــــــو
           شعارها سلم وحب و الغادي سعداتـــــــ،ـو
           حاملين كتاب الله و طريقنا مستقيــــــــــــم
          إخوانا فالصحراء يسالونا الرحـــــــــــــــم
           يا قاصدين الصحراء أبوابها مفتوحــــــــة 
           مسيرتنا الخضراء نتيجة مربوحـــــــــــــة
           فيها أمن وسلام تاريخ مجد الوطــــــــــــن
           لا حرب لا سلاح معجزة الزمــــــــــــــــان